سافرت سميرة موسى إلى لندن عام ١٩٤٧ لتحصل على رسالة الدكتوراه..
وكان من المفترض أن تحصل عليها فى ثلاث سنوات. لكنها حصلت عليها فى ١٧ شهرا فقط. وكتب جانيس هارديسون المسجل الأكاديمى لكلية بيد فورد الإنجليزية فى شهادة الدكتوراه: «إن جامعة لندن تكرم سميرة موسى بمناسبة انتهائها من دراستها بالجامعة ونجاحها فى امتحانها.. وفى هذا اليوم نعترف بحصولها على درجة الدكتوراه فى الفلسفة فى كلية العلوم مجال الفيزياء النظرية».
وأصبحت سميرة موسى دكتورة وأستاذة فى الجامعة..
ورغم أنها أصبحت من نخبة العلماء النجوم الذين تتابع الصحف والمجلات أخبارهم، إلا أنها كانت تعيش حياتها كإنسانة عادية للغاية. كانت تعشق العزف على العود والكمان والفلوت.. وعلمت نفسها كيف تجيد العزف على هذه الآلات الموسيقية. وكانت مغرمة بمشاهدة الأفلام الأمريكية ومتابعة الجديد منها الذى يصل إلى دور العرض بالقاهرة…
ورغم أنها كانت تهوى الثياب الأنيقة وتختارها من أشهر محلات وسط القاهرة، إلا أنها فى أحد الأيام كادت أن تتخلف عن الذهاب إلى قصر عابدين لحضور حفل أقامه الملك فاروق لتكريم الأوائل. لأنها لم تجد فى خزانة ثيابها ما يناسب هذا الحفل..
لكنها سهرت طوال الليل مع شقيقتها فكرية التى كانت تدرس الفنون التطرزية. حتى انتهت من صنع ثوب مناسب لها..
وذهبت إلى حفل الملك!
■ ■ ■
قلائل هم الرجال.. الذين دخلوا عقل سميرة موسى..
لكن.. ولا رجل واحد دخل قلبها!
أساتذتها دخلوا عقلها بتوجيهاتهم وتشجيعهم..
أما قلبها.. فقد كان ممنوعا على الرجال!
تقول أختها فكرية موسى: «لم تكن لأختى سميرة حياة عاطفية على الإطلاق. وعندما كنت أحفزها على الزواج لكى نلحق بها..
كانت تقول لى: «اذهبى أنت وتزوجى.. مالك بى؟».
تؤكد شقيقتها الكبرى «هانم» أن عددا من الرجال المحترمين تقدموا للزواج منها. لكنها رفضتهم جميعا..
وكانت تقول: «أنا تزوجت العلم. ولا يوجد رجل ينافس العلم!».
كانت تقول ذلك.. لكن…!
كانت فى أعماق هذه العالمة العبقرية أشياء أخرى غير نظريات الذرة والمعادلات العلمية العويصة. كانت فى أعماقها «امرأة نادرة» من نوع خاص..
هناك أوراق بخط يدها تقول فيها:
«تمنيت أن أكون ملكة جمال. يزين هالتى تاج من نور وأحكم على عرش القلوب..
تمنيت أن أكون أميرة جميلة.. أو زهرة عطرة.. وتمنيت أن أكون أديبة مشهورة.. فهل تتحقق الأمانى وتجاب الرغائب؟ وهل إذا تحققت تهدأ النفس الثائرة المتمردة وتقنع؟
لا لن تهدأ.. بل ستتجدد الأمانى وتزيد.. فأتمنى وأتمنى.. ولن تغنينى الأمانى شيئا»!
■ ■ ■
وصلت سميرة موسى فى عام ١٩٥٠ إلى أوج نجاحها وشهرتها.. وصفتها مجلة «آخر ساعه» فى ذلك الوقت بـ«مس كورى المصرية» وكانت قد خصصت معظم وقتها لرعاية مرضى السرطان وعلاج الفقراء بالذرة فى مستشفى قصر العينى..
وقال زملاؤها: «ما تفعله سميرة موسى فى قصر العينى من إخلاص وما تبذله بتفان.. هو عمل الممرضات!».
ولم تكن الدكتوراه هى نهاية المطاف بالنسبة لها..
فسافرت إلى أمريكا فى منحة علمية.. والمفروض أن يزور دارسو هذه المنحة المراكز العلمية فى أكثر من ولاية.. وتحدد لسميرة موسى أن تزور أحد هذه المراكز.
كان المفروض أن تسافر بالطائرة، لكن فى ليلة سفرها تقرر لها أن تسافر بالسيارة، وكانوا قد عرضوا عليها الجنسية الأمريكية لكنها رفضت، وفى صباح يوم الجمعة ١٥ أغسطس ١٩٥٢ انطلقت فى رحلتها داخل سيارة يقودها سائق هندى.. وفى الطريق وقعت الكارثة!
اصطدمت سيارة لورى بسيارتها من الخلف ودفعتها لتسقط فى هاوية جبل..
ولقيت سميرة موسى مصرعها.. واختفى السائق تماما!
وفيما بعد اكتشفوا أن.. اسمه مستعار!
■ ■ ■
لا توجد تقارير رسمية تؤكد مسألة اغتيال سميرة موسى، لكن الملابسات كلها «مريبة»، فمن المؤكد أيضا أنه بعد وصول سميرة موسى إلى أمريكا- ولا بد أن شهرتها قد سبقتها- جعلت الأمريكان كعادتهم يعدون تقارير عن تركيبتها ومواصفاتها النفسية، بعد أن وضعوها تحت الاختبارات النفسية لتحديد مواطن الضعف والقوة فيها. وهذه التقارير بالمناسبة أفرجت عنها جريدة «نيو يوركر» الأمريكية مؤخرا للفئة «C» من الكتاب والصحفيين الأمريكيين، وقد حصلت على نسخة منها، وتؤكد هذه التقارير أن: «سميرة موسى يمكن أن تكون عالمة أمريكية وأن تحصل على الجنسية الأمريكية…» وبسرعة! وقد أرسلت هى نفسها رسالة إلى والدها تقول فيها إنهم عرضوا عليها الجنسية الأمريكية لكنها رفضت وقالت له: «لا أجد فى أمريكا شيئا يجعلنى أبقى فيها. سوى المعامل المتقدمة التى تتيح لى دراسة علم المستقبل.. الذرة»!
وأيضا مما يؤكد تفسير اغتيالها أنه تقرر فى اللحظات الأخيرة أن تسافر بالسيارة بدلا من الطائرة، وأيضا حسب الرواية الرسمية فإن سيارتها سقطت فى هاوية الجبل.. فكيف إذن يكون تقرير السفارة الأمريكية أن جثمانها قد سلم لأهلها وهى فى كامل شكلها؟ كيف لم يتشوه الجثمان من السقوط من هذا الارتفاع المخيف وتحطم السيارة تماما؟ وشيء آخر لا بد أن نسأل: هل صحيح أن الأمريكان واليهود- فى ذلك الوقت- كانوا خائفين من البرنامج النووى المصرى، حتى قبل أن تقوم وتعلن دولة إسرائيل رسميا؟ المؤكد أنه فى ذلك الوقت بعد أن باح العالم روزنبرج وزوجته بسر القنبلة الذرية للاتحاد السوفيتى أصبح محتما على أمريكا أن تخطط للسيطرة على علماء الذرة فى أى مكان طبعا وليس فى أمريكا وحدها.. وعموما فإنه يمكن أيضا تفسير مصرع سميرة موسى على أنه قضاء وقدر.. لكن من قال إن حوادث الاغتيال يتم الاعتراف بها؟! إسرائيل نفسها لم تعترف باغتيالها لعالم الذرة المصرى د. يحيى المشد إلا بعد فترة طويلة. ظلت لسنوات تقرر أنه لقى مصرعه لأسباب عاطفية!.