راجع معي المشهد الإعلامي في مصر خلال الخمس سنوات الماضية.. صحف ومواقع إلكترونية وفضائيات لديها ساعات طويلة من البث ونسب المشاهدة، تمكنت من رأس المواطن الغلبان لتفرض عليه نموذجًا معينًا من الشباب، كان لديها في البداية مشكلة في تعريفهم، أسمتهم في أحيان شباب الثورة، ثم تحول إلى لفظ نشطاء، فرضت منهم اسماء بعينها حلت محل السياسيين، وتحدثت بلسان مصر كلها الأحياء منهم والأموات، بمعنى أدق سرقوها وساعدهم على ذلك إما عن علم وإما عن جهل نجوم التوك شو .
لم يقدم هؤلاء أي شيء لمصر سوى التظاهر ثم التظاهر ثم الاشتباك مع الأمن حتى وصلنا بنا الحال إلى مشهد كارثي أدى إلى انهيار الدولة بشبه كامل، يتحدثون وكأنهم ملاك الحقيقة المطلقة، تمكنوا من السيطرة على عقول شباب استهوته وسائل التواصل الاجتماعي، وجدها ملاذًا بلا ضوابط أو معايير ، تتماشى مع لغتها السوقية المبتذلة، وأصبحت أحكامه نهائية دون نقض، وحينما تسأله عن إضافته لمحيطه أو مجاله العام يشير إلى حسابه على "فيس بوك" أو "تويتر" وأرقام "الشير والريتويت" ، لا يريد أن يجتهد أو يتعلم، يزايد على الجميع، ينتقد الوطن الأرض والشعب ويحلم بالهجرة.. وفي النهاية فقدوا الظهير والدعم الشعبي الذي حصلوا عليه عقب 25 يناير.. هذا ليس كلامي بل محور أحاديث حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق.
خلال الأيام الماضية سرت نغمة أفرجوا عن الشباب، تصالحوا معهم، احتووهم، وللأسف الشديد صدرت من نفس نجوم التوك شو الذين صنعوا منهم فراعنة، لا أدري ما هو السبب او المبرر الموضوعي لذلك، ولكن الضغوط كانت عنيفة على الرأي العام غير المكترث بهم من الأساس، حتى يهتم بهم مرة أخرى.. لكن دون جدوى.
تركزت الضغوط على الرئيس ومؤسسة الرئاسة.. وتفاقمت مثل كرة الثلج في شهر يناير قبل ذكرى 25، وكالعادة كان الرئيس يستعد بمفاجأة للجميع في احتفال يوم الشباب كانت الإعلان عن برنامج التأهيل الرئاسي الطموح الذي يسعى لتدريب الشباب على تقنيات الإدارة الحديثة، مع تدشين بنك المعرفة الذي يشير بوضوح لاهتمام مؤسسة الرئاسة بالعلم والتعليم وتقنياته الإلكترونية الحديثة.. أما المفاجئ المباغت فكان إعلان الرئيس السيسي نفسه عن قيام القطاع المصرفي بضخ 200 مليار جنيه مصري لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال توجيه البنوك بتعزيز فرص تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة المملوكة للشباب لتصل إلى نسبة لا تقل عن 20 بالمئة من إجمالي القروض خلال السنوات الأربع القادمة.
لم يغب عن الرئيس أزمة الشباب مع الاقتراض خاصة أعباء خدمة القروض، وأعلن عن أنه أصدر توجيهات للبنك المركزي بتخفيف أعباء خدمة القروض عن كاهل الشباب المصري بحيث يكون سعر الفائدة على القروض المقدمة لهم لتمويل المشروعات متناهية الصغر لا يزيد على 5 بالمائة سنويًا ومتناقصة.
المفاجأة الكبرى التي حضرتها مؤسسة الرئاسة للحضور كانت في اختيار نماذج الشباب المصري الناجح المكافح الذي دعاه الرئيس للوقوف بجانبه على منصة الاحتفال، شباب لم يعبر على آلة الإعلام التي يتحكم فيها نجوم الفضائيات، وأهمهم ذوى القدرات الفذة "الاحتياجات الخاصة" الذين انتزعوا احترام وحب كل الحضور، منهم محمد الديب الشاب المنياوي الذي توج بطلًا في رفع الأثقال رغم إعاقته، والكفيف الذي تمكن من الحصول على أعلى الدرجات العلمية من جامعات أمريكية وأوروبية في البرمجيات.. جسدوا نماذج مختلفة من التحدي لشباب آمن بأهدافه دون أن ينتظر تلميعًا إعلاميًا.. شرفوا أنفسهم وشرفوا مصر كلها.. وأحرجوا نجوم الفضائيات.
في الماضي القريب كانت مهمة الصحفي أو الإعلامي توصيل نبض الناس الحقيقي منعكسًا فيما يكتبه أو يذيعه للصالح العالم وتحقيقًا لرسالة الصحافة إلى مؤسسة الرئاسة وأجهزة الدولة، كان أساتذة المهنة ينبشون أرض الوطن يمينًا ويسارًا ، شمالًا وجنوبًا؛ بحثًا عن النماذج المضيئة الناجحة من أبناء مصر لتصبح قدوة للمجتمع مثل طه حسين والعقاد وغيرهم، وتعمل مؤسسات الحكم بعد ذلك على التعامل معهم وترقيتهم رسميًا، أما اليوم فيحدث العكس تنبش مؤسسة الرئاسة الأرض عن تلك النماذج، بينما ينشغل الإعلام بنفسه وبمعاركة الشخصية أو ما يسعى إلى فرضه على الرئاسة نفسها والشعب أيضًا.
تحول نجوم الفضائيات إلى مراكز قوى في الدولة مستغلين الفراغ السياسي وضعف الأحزاب والشخصيات العامة، لتنصب نفسها في مكان صانع القرار، والمرشد للصواب والخطأ، بينما مهمتها الأساسية والرئيسية تقوم بها مؤسسات الدولة حرصًا على الدولة وتماسكها إلى أن يعود الإعلام إلى رشده ودوره وحجمه.
صنعت هذه النماذج المضيئة لشباب مصر الواعد حالة من الطاقة الإيجابية التي وصلت إلى الرئيس نفسه، هناك أمل في شباب مصر ، أنه على قدر التحديات والصعاب القادمة، الرئيس اعترف بأن الشباب اليوم هم قادة الغد، ومن سيحملون أمانة الوطن، ويحمونه اليوم على الحدود ويصدون اعتداءات الإرهاب الغاشم على أمنه ومقدراته.
أعلن الرئيس بوضوح أن العام الحالي هو عام الشباب، وأتصور أن حديثه الأبوي للشباب وما طرحه من رؤية جادة للتشغيل والتمكين وإعطاء الشباب فرصة القيادة ساعده في النفاذ لقلوب الكثيرين منهم.. وقال لا أريد دعمكم لي ولكن أريد دعمكم لمصر.. المعنى والهدف واضح.. مصر أمانة في أعناق الجميع سلطة وشعبًا.