تبقى دائمًا علاقة الفنان بالصحفي سلاحًا ذا حدين، فهناك نجم يحرص على أن تظل هذه العلاقة إيجابية طوال الوقت لتصل إلى حد سياج حديدي يصنعه بعض الصحفيين حول هذا النجم المفضل والمقرب إلى قلوبهم ويقفون سدًا منيعًا أمام أى هجوم يتعرض له، وهناك نجم آخر تبقى علاقته السلبية بالصحفيين سببًا مباشرًا فى وجوده الدائم أمام مرمى النيران.
أما الفنان الراحل ممدوح عبدالعليم فينتمى لنوعية ثالثة وفصيلة نادرة من الفنانين الذين يتعاملون مع الصحافة الفنية بطريقة مختلفة، يحترمها ولا يقترب منها ونادرًا ما تجده يطل على جمهوره من خلال حوار صحفي، فجاءت ذكريات الصحفيين عنه نادرة وبقدر ندرتها بقدر صدقها ونضارتها، وهنا لا بد أن نلتمس العذر لمجموعة قليلة من الصحفيين جلست مع هذا الفنان ولو لمرة واحدة وخرجت عقب وفاته تروى تفاصيل هذه الجلسة وكواليس الحوار الذى نجحوا فى اقتناصه.
أنتمى لهذه المجموعة التى أجرت مع الفنان الراحل حوارًا، وأفتخر أن هذا الحوار جاء مع بداياتى فى بلاط صاحبة الجلالة، فعقب النجاح الكبير الذى حققه عبدالعليم من خلال مسلسل «الضوء الشارد» وبراعته فى أداء شخصية رفيع بيه العزايزى، ظللت أطارده طوال شهر كامل عبر تليفون منزله حتى أقتنص منه ولو بضع دقائق، وفى كل مرة لا أجد أمامى سوى صوته عبر جهاز الأنسر ماشين، وفى كل مرة أترك له رسالة قصيرة، وتوالت رسائلى أمام هذا الجهاز العقيم إلى أن فوجئت قبل أن أنتهى من رسالتى ذات الكلمات القليلة والمكررة بصوته الحقيقى وهو يقاطعنى قائلًا: أستاذ عزت مع إنى مبعملش حوارات بس إصرارك مخلينى مضطر أشوف مين دا اللى بيطاردنى بقاله شهر، وبالفعل اتفقنا على اللقاء.
دار الحوار فى بدايته عن نجاح هذه التجربة وكيفية استثمارها فى تجارب أخرى شبيهة، إلى أن سألته: هل تعتقد أنك سياسى ضل طريقه للفن؟ فأجاب بدون تردد بالعكس أرى نفسى سياسى لم يضل طريقه للفن؟، فأنا رفضت العمل فى السلك الدبلوماسى على الرغم من أن فرصتى كانت كبيرة بعد تخرجى فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية إلا أننى فضلت إشباع موهبتي.
انطلق عبدالعليم الذى ينتمى لجيل الوسط كالسهم ليثبت أن من يعمل فى مجال موهبته يظل طوال الوقت هاويًا، فهو لم يتعامل مع مهنة التمثيل بمنطق المحترف أو «الفنان النحيت» الذى يسعى لجمع الأموال واستثمار موهبته ماديًا، فجسد بطولة عدد لا بأس به من الأعمال السينمائية المؤثرة، وانتمى لكتيبة الإعدام تحت إشراف الرائع الراحل عاطف الطيب، واختفى سينمائيًا فى أعقاب صعود النجوم الشباب بقيادة محمد هنيدى فى نهاية التسعينيات من القرن الماضي، واختفى سينمائيًا ليواصل نجاحاته كفتى الشاشة الصغيرة الأول، وأحد مبدعى الدراما التليفزيونية لفترة طويلة، إلى أن شارك الفنانة غادة عبدالرازق فى بطولة مسلسل «السيدة الأولى» لينهى مسيرته مع التمثيل كسيد أول للأعمال الراقية.
دراسة عبدالعليم السياسة وانتماؤه لمحافظة المنوفية كواحدة من المحافظات التى يتربى أبناؤها بالفطرة على المشاركة الإيجابية فى الشارع السياسى جعلته مشحونًا بالسياسة حتى ولو ظل طوال عمره نادر الدخول فى أروقتها، ولكن يبدو فى أواخر حياته أنه مل الابتعاد عنها ومل أيضا الاحتفاظ بآرائه لنفسه، فما إن حل ضيفًا على أحد البرامج التليفزيونية عقب عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسى حتى صال وجال ليخرج مخزونًا كبيرًا من هذه الآراء ظل حبيس قلبه طوال سنوات عمله بالفن، فهذا الفنان الذى شارك فى رائعة «البرىء» مع الراحل أحمد زكى فى دور الشاب الثورى الذى يتمرد على الواقع السياسى ويلقى حتفه داخل أحد المعتقلات يقف فى الواقع مع كيان اسمه «الدولة المصرية» يبدى رأيه بكل صراحة عن فترة حكم الإخوان ويبدى تعاطفه مع الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وتأييده التام للرئيس عبدالفتاح السيسي.
تلك الآراء اعتبرتها كتائب الإخوان الإلكترونية بمثابة لطمة جديدة ضمن سلسلة اللطمات التى تلقتها من معظم نجوم الفن وخاصة الذين اعتقد البعض بأنهم سيقفون على الحياد طوال الوقت، فبدأت هذه الكتائب فى وضعه ضمن قائمة سوداء وخرجوا عقب وفاته ليشمتوا فى موته ويصفوه بصفات لا تليق إلا بهم.