ومع الحديث عن التكفير ومواجهة الإلحاد والتغريب يقترن بضرورة العنف كأداة لردع المخالفين، وإذا كان الشيخ عبدالرحمن الساعاتي والد الأستاذ حسن البنا قد خاطب الإخوان قائلاً “,”استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد وامضوا إلى حيث تؤمرون“,”، ثم “,”صفوا لهذه الأمة الدواء واعكفوا على إعداده في صيدليتكم فكم على ضفاف النيل من قلب يعاني وجسم عليل، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم فإذا الأمة أبت فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد، وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم في جسمها عضوًا خبيثًا فاقطعوه أو سرطانًا خطيرًا فأزيلوه.. فكثير من أبناء هذا الشعب فى آذانهم وقر وفي عيونهم عمى“,”. [النذير – أول المحرم – 1357 هـ].. وبعدها بأسابيع كتب حسن البنا مؤكدًا تعاليم أبيه وقائلاً “,”وما كانت القوة إلا كالدواء المر الذي تُحمل عليه الإنسانية العابثة المتهالكة حملاً ليرد جماحها ويكسر جبروتها وطغيانها، وهكذا كانت نظرية السيف في الإسلام، ولم يكن السيف في يد المسلم إلا كالمشرط فى يد الجراح لحسم الداء الاجتماعي“,” [النذير – رمضان – 1357هـ].. واستجاب الإخوان عبر منظومة سرية أقامها حسن البنا وأسميت “,”النظام الخاص“,” وتولى مسئوليته محمود عبدالحليم ثم أسلمه الى عبدالرحمن السندي وقد استند هذا الجهاز الى أفكار غاية في التطرف مستمدة من فكر البنا ووالده، ولأننا سنتكلم في موضوع شائك فإننا لن نورد حرفًا إلا منسوبًا لواحد من قادة الجماعة، ونبدأ بكتاب للأستاذ محمد الصباغ وهو واحد من مؤسسي النظام الخاص، وما يلفت النظر هو أن الذي كتب مقدمة الكتاب الأستاذ مصطفى مشهور وهو أيضًا أحد مؤسسي الجهاز السري وقد كتب هذه المقدمة وهو مرشد عام للجماعة وهذا له مغزاه، ونقرأ لمحمود الصباغ “,”يبدأ عضو الجهاز الخاص بالبيعة، يدخل غرفة مظلمة ويجلس على بساط في مواجهة أخ في الإسلام مغطى جسده تمامًا برداء أبيض ثم يخرج من جانبه مسدسًا ويطلب من المبايع أن يتحسسه وأن يتحسس المصحف الشريف ثم يقول له فإن أنت خنت العهد أو أفشيت السر، فسوف يؤدي ذلك إلى إخلاء سبيل الجماعة منك (أي قتلك) ويكون مأواك جهنم وبئس المصير“,” [محمود الصباغ – حقيقة التنظيم الخاص – ودوره في جماعة الإخوان – صـ132].. ويمضي محمود الصباغ ليعطي لنفسه وأعضاء جهازه الحق في القتل المباشر دون إذن من أحد فيقول “,”إن أعضاء الجهاز يمتلكون الحق في اغتيال من يشاءون من خصومهم السياسيين فكلهم قارئ لسنة رسول الله في إباحة اغتيال أعداء الله“,” ونتأمل فالأخ يزعم أن الرسول أباح اغتيال مخالفيه وهو عكس الحقيقة وهو يعتبر أن أعداء “,”الدعوة الإخوانية“,” أعداء للإسلام، بل إن الصباغ يقول “,”إن قتل أعداء الله (أي خصوم الجماعة بمنطقه هو) غيلة هو من شرائع الإسلام، ومن خدع الحرب فيها أن يسب المجاهد المسلمين وأن يضلل العدو بالكلام حتى يتمكن منه فيقتله“,” [صـ138].. وفي إطار الحديث عن الجهاز السري هناك وثيقة هامة تحدث عنها المستشار عصام حسونة الذي كان وكيل النيابة المحقق في قضية سيارة الجيب وهي القضية التي قبض فيها على قيادات الجهاز الخاص في عام 1948، وهي لائحة الجهاز السري وفيها تعليمات من قيادة الجهاز للأعضاء مؤكدة “,”إن كل من يحاول مناوأة أي منهم أو الوقوف في سبيلهم مهدر دمه، وأن قاتله مثابٌ على فعله، وإن من سياستنا أن الإسلام يتجاوز عن قتل المسلمين إذا كان في ذلك مصلحة“,” [عصام حسونة – 23 يوليو وعيد الناصر – صـ 46] وقيادة الجهاز السري كانت تضم عبدالرحمن السندي، محمود الصباغ، أحمد زكي حسن، أحمد محمد حسنين، ومعهم خمسة من أكبر قادة الجماعة وهم صالح عشماوي، د. محمد خميس حميدة والشيخ محمد فرغلي ود. عبدالعزيز كامل ود. محمود عساف وفوق هؤلاء جميعًا حسن البنا المرشد العام، ولعل من حق الجميع أن يعرفوا موقف الإخوان وخاصة قياداتها الأعلى من جرائم القتل التي أرهبت بها الجماعة خصومها وكل الشعب المصري – ونعود إلى كل من محمود عبدالحليم المؤرخ الرسمي للجماعة ومحمود الصباغ المؤرخ المعتمد للجهاز السري في روايتها لقصة اغتيال المستشار أحمد الخازندار والروايتان متطابقتان فعندما قتل المستشار أحمد الخازندار، غضب فضيلة المرشد العام غضبًا شديدًا واستنكر الحادث علنًا، والسبب أن فضيلة المرشد لم يستأذن قبل قرار الاغتيال، خاصة وأن أحد المتهمين بالقتل كان سكرتيره الخاص، ولهذا تقرر تقدم السندي لمحاكمة داخلية في إطار الجماعة.. ونقرأ “,”تشكلت المحكمة الإخوانية من فضيلة المرشد الأستاذ حسن البنا وصالح عشماوي والشيخ محمد فرغلي والدكتور خميس حميدة والدكتور عبدالعزيز كامل ومحمود الصباغ ومصطفى مشهور وأحمد زكي حسن حسنين ود. محمود عساف، أي أكبر قادة الجماعة وأكبر قادة الجهاز الخاص وقال عبدالرحمن السندي إنه تصور أن عملية القتل سوف ترضي فضيلة المرشد لأنه سمعه يقول إن هذا القاضي يستحق القتل بعد أن سمع الحكم الذي أصدره على عدد من الإخوان، ولأن فضيلة المرشد يعلم عن السندي الصدق فقد أجهش في البكاء ألمًا لهذا الحادث الأليم [الصباغ – المرجع السابق – صـ265] وبعد ذلك صدر الحكم وفيما يلي نصه “,”تحقق الإخوان من أن الأخ عبدالرحمن السندي قد وقع في فهم خاطئ وفي ممارسة غير مسبوقة من أعمال الإخوان، ورأوا أنه يعتبر الحادث “,”قتل خطأ“,”، حيث لم يقصد عبدالرحمن ولا أحد من إخوانه سفك نفس بغير نفس وإنما قصدوا قتل روح التبلد في بعض أفراد الطبقة المثقفة من شعب مصر أمثال الخازندار، ولما كان هؤلاء الإخوان قد ارتكبوا هذا الخطأ في ظل انتمائهم إلى الإخوان المسلمين وبسببه إذ لولا هذا الانتماء لما اجتمعوا على الإطلاق ليفكروا في مثل هذا العمل أو غيره، فقد حق على الجماعة دفع الدية التي شرعها الإسلام كعقوبة على القتل الخطأ من ناحية، وأن تعمل الهيئة كجماعة على إنقاذ حياة المتهمين البريئين من حبل المشنقة بكل ما أوتيت من قوة، فدماء الإخوان ليست هدرًا يمكن أن يفرط فيها الإخوان في غير فريضة واجبة يفرضها الإسلام، ولما كانت جماعة الإخوان المسلمين جزءًا من الشعب وكانت الحكومة قد دفعت لأسرته من مال الشعب عشرة آلاف جنيه، فإن من الحق أن نقرر أن الدية قد دفعتها الدولة عن الجماعة، وبقي على الجماعة إنقاذ الضحيتين محمود زينهم وحسن عبدالحافظ، ولقد تعمدت أن أورد نص قرار اللجنة وهو بالقطع قرار هزلي ويعبر عن رضاء الجماعة على مبدأ القتل.
ولأننا لا نريد أن نطيل في هذا الأمر فهو واضح تمامًا، فإننا نكتفي بهذا المثال وإن كان من واجبنا أن نقرر أنه ما أن تصارع أعضاء الجهاز السري مع بعضهم البعض، فإن كلاً منهم سارع للكتابة محاولاً أن يمنح نفسه أكبر قدر من شرف “,”الفعل الإرهابي، وندعو كل من أراد المزيد والاعترافات بتمجيد القتل دفاعًا عن الدعوة قراءة هذه الكتب، فقد نريد أن نورد ملاحظة مؤسفة وهي أن الأستاذ البنا وبرغم كل ما سبق من محاكمة للسندي والحكم المشار إليه قال في معرض الدفاع عن الجماعة في كتابه الأخير “,”قول فصل“,” إن تهمة قتل الخازندار ألصقت ظلمًا بالإخوان لمجرد أن أحد المتهمين كان سكرتيرًا له [حسن البنا – قول فصل].. أما كتابات الإخوان التي تمجد الإرهاب فهي:
- محمود عبدالحليم – الإخوان المسلمون - أحداث صنعت التاريخ – رؤية من الداخل – ثلاثة مجلدات.
- أحمد عادل كمال – النقط فوق الحروف – الإخوان والنظام الخاص.
- صلاح شادي – حصاد العمر.
- صلاح شادي – الشهيدان حسن البنا وسيد قطب.
- محمود الصباغ – حقيقة النظام الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين.
- عبدالمنعم عبدالرؤوف – أرغمت فاروق على التنازل عن العرش.
وفيها ما يكتفى ويزيد عن تمجيد الإرهاب المتأسلم ووقائعه.