السبت 05 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ليست كل محْنة.. منْحة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من نافلة الكتابة:
«قد يكون مهما ما قاله «إسلام البحيرى» وأدى به إلى السجن، ولكن الأهم ما سيقوله بعد هذه المحنة».
من فروض الكتابة: 
«فى ذكرى السيد المسيح، أمجد قوله «من يؤمن بى، فهو لا يؤمن بى بل بالذى أرسلنى، ومن رآنى، رأى الذى أرسلنى، جئت إلى العالم نورا، فمن آمن بى لا يبقى فى الظلام».

- شوف أمك عاملة إزاى.. والنبى ده منظر.. كمان مش هتجهز لنا العشا... تعالى نتعشى برة.
كنت ملقاة على السرير.. لا شىء يتحرك فى غير أنفاسى.. زفرات بطيئة، لمن ليس لديه شىء سوى الوقت، تتبعها شهقة أو شهقات متسارعة.. رؤيتى كانت غائمة، لكن أذنىّ كانتا حادتين كسيف ينتظر أداء مهمة.. واربا باب الغرفة.. وتأكدا من غلق باب الشقة بتكتين من المفتاح. ظللت فى وحدتى مكبلة بحزنى وخدرى.. وألم يسرى منسابا فى سلام دون مقاومة أو اعتراض منى. لم أدافع عن نفسى، ولم يدافع أحد عنى.. لم أتوقع أى شىء حتى أن يقترب ابنى منى ويرى ما بى، أن يحزن، أن يجزع، أن يظهر لهفة ما، قلقا ما.. لم يحدث شىء، ولم أكن أتوقع شيئا، ولكى بعد أن تأكدت من هذه اللامبالاة، من هذه القسوة، بعدها فقط تمنيت لو أنه سأل: «مالك يا ماما»، لو أنه نادى: «ماما، ماما». أنه بكى: «ماما ماما». كان كبيرا فى الثامنة.. هل كان كثيرا لو احتضننى ومنحنى بعضا من حياة، بعضا من أمل يحيى الموتى، هل كان كثيرا أنى تمنيت أى شىء؟ تمنيت وتمنيت ولم أجد غير دمعة واحدة طفرت من عينى اليسرى، دمعة، حارة، ثقيلة، وحيدة مثلى.. كنت بلا جدوى أو قيمة.. سوى تجهيز العشاء. 
لم يكن ما أنا فيه مصيبة نزلت بى، فلم أفقد زوجا، فأنا لم أكسبه قط، ولم يكن فقدان ابن، فقد سلمته بيدى لهم منذ وقت طويل قاموا خلاله بتغذية روحه وجسمه بما شاءوا، وأصبحت بالنسبة له امرأة غريبة.. مدرسة ربما. مربية احتمال، لكنى لست أمه.. التى لا يتخيل حياته بدونى وإذا فقدنى صار لطيما. 
تذكرت مقولة «يصعب على المرء أن يعرف ماذا يجب أن يفعل إذا لم يكن مدركًا للأرض التى يضع عليها قدميه…»، والحقيقة أن ما أصابنى لم يكن ليخطأنى.. ما أصابنى كان تراكم سنوات من القهر والتخاذل، من الذل والأمل.. أى سراب ظل يراودنى فى إمكانية إصلاحه.. أى قصص للأميرات خدعتنى.. الأميرة والضفدع؟ لا. بل الأميرة والوحش.. من منا لا تتوهم أنها «بيل» الجميلة، المثقفة التى تعانى الوحدة وعدم تفهم المحيطين بها لأحلامها وخالاتها عن فتى الأحلام الوسيم، المتحرر من قيود العادات والتقاليد، فترتبط به، وعندما يريها وجهه الآخر توهم نفسها بأن ساحرة ألقت عليه لعنة حولته لوحش، لكن الحب سيكون قادرا على إعادته نبيلا وشهما ورقيقا.. فتمنحه الحب، وتتنازل عن كل طموحها وأحلامها، ويصبح تحويله لإنسان هو حياتها.. تتحمل الأنانية، الغطرسة، التوحش.. تتحمل القسوة.. واللامبالاة.. الجميع يحذرها منها، لكنها لا ترى سوى أوهامها.. يتآكل ظلها، ينحنى ظهرها، تستغنى عن أمومتها... لكن الجلد الخشن لا يلين، والمخلب لا يتشذب، والذيل يظل معوجا.. وتأتى الضربة القاضية من رحمى.. وحش صغير لا يعرف منى أى أمومة.. هل بقى لى شىء؟ هل بقى منى شىء؟ هل يمكننا أن نتصالح الآن؟ أنت أيها الخوف.. نعم ليست كل محنة منحة، لكن قد تكون الفائدة الوحيدة من حالى هذه أن أتخلص منك، أن أتحرر من سطوتك.. أن تنذوى.. تتلاشى أو على الأقل تتناسخ فراشة تدور الآن بالقرب من لمبات نجفتى الثماني.. بعينين جديدتين أنظر لخوفى، وقد سكن ليأسى، تحول الوحش المطبق على عنقى، صار كائنا رقيقا ورهيفا بلا جذور، تخلص من أثقاله وسلاسله التى كانت تقيدنى، من عصاه التى تكهربنى فزعا، تخلص خوفى من كل الصور المفزعة التى طالما جسدته، وتجسد بها لى، الخوف من أن يبكينى أحد.. أن يتأثر لموتى أحد.. كبّلنى خوفى، وصور لى أن غيابى يمكن أن يلاحظه أحد.. ظلت أطرافى تتآكل وتتآكل، وأنا نفسى لم أعد أراها.. لكن أحدا لم يلحظ غيابى، أو يبد فقدا لمساحة كنت أشغلها.. إما أننى كنت عدما أو أنهم لم يكونوا بشرا.. كان خوفى متعدد الأوجه، بعضها مرئى وأكثرها أوهام صنعتها.. كنت أخشى الفشل.. أن أعود لنقطة البداية.. لأول الطريق.. قد يظن البعض أن العودة للبدايات سهلة، لكنها لم تكن مستطاعة بالنسبة لى.. ظللت سنوات لا أفعل غير الارتداد لنقطة البداية.. كثيرة هى الطرق الضالة التى سرت فيها.. وفى لحظة ما.. عند نقطة معينة.. تظهر لافتة واضحة صريحة زاهية تقول: «أنت على الطريق الخطأ فارتد، اتتبع خطواتى نفسها».. تتآمر الريح على فلا تمحى آثار قدمىّ، تصر على عقابى، ولكنى لم أكن ألتفت إلا لندمى، لم يكن العرى السبب فى الهبوط من الجنة، ولكنه الوعى.. وأنا لم أنتبه لعريى وتجردى من كل ما هو إنسانى.. من حقى فى الغضب، فى الندم، من حقى فى الشك.. ما الذى سلبنى حقوقى ومنحنى سرابا؟ إنه الخوف الذى يرفرف الآن أمام عينى، الخوف الذى يبتعد عنى ويتركنى وحيدة. 
تقول صديقتى: «الكراهية غير المبررة قد تكون حبا نخشى عواقبه..» لكن ماذا عن الحب غير المبرر؟ هل يحمل كراهية نخشى عواقبها؟ هل يحمل كراهية لذاتنا؟ الأفعال السيئة التى تؤذى روحك تفتح لك ألف باب للهروب، للنجاة، فما بالى كنت أغلق كل الأبواب.. لم يخدعنى أحد، فما من مرة أذكر أن أحدا اعتذر لى عن إساءة وجهها إلى.. فى معسكرات الإبادة لا أحد يعتذر لك.. ولكن الإعاقة النفسية، العطب الروحى اللذين أصابانى كانا كفيلين أن يصورا لى بمجرد أن تهدأ العاصفة وتحيطنى حالة من الهدوء، فذلك يعنى أن هناك أملا فى التغيير.. كنت فقط أطمح فى ألا يتم جلدى مرة أخرى.. ألا تتم كهربتى بصراخ وغضب هستيرى لا أفهم أسبابه، ولا أستوعبه.. كنت ترسا فى لعبة جهنمية يديرها جلادون ذوو حنكة. 
هل تخدعنا المعرفة «إن الشخص الذى يتمتع بصحة نفسية لا يمر بمواقف تشعره بالندم، أو ارتكاب أفعال تمس ذاته بقسوة، بينما الشخص غير المتزن انفعاليا هو الذى يمارس الفعل الذى يؤدى به إلى الندم».
كنت أسيرة تتفادى أن يعرف العالم عن خبرها.. كانت ملامحى تفضحنى.. لكن حزمى ورفضى أن يعرف أحد من زملائى فى العمل عن حياتى كانا جدارا شائكا يحجب عن لجان تقصى الحقائق ما يدور داخل زنزانتى.. أحببت رواية «محنة البريء» لـ«أجاثا كريستى»، وتفهمت دوافع كريستين القاتلة.. وخسارتها الفادحة حينما تكتشف أن من قتلت من أجله لم يكن يحبها، كانت مجرد وسيلة بالنسبة له.. تماما مثلى.. مجرد وسيلة.. للإنجاب.. للمال.. لتجهيز العشاء.. وفى بعض الأحيان مبولة للنفايات الزائدة على الجسم.