امتعض وجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما حينما نظر إلى جرائد الصباح ووجد صورة الرئيس عبد الفتاح السيسي والفتاة الأيزيدية نادية مراد وقد كتب تحتها الرئيس المصري يستقبل الفتاة التي اغتصبها مقاتلي "داعش" عشرات المرات قبل أن تتمكن من الهرب، أشاح بوجهه عن الصحف وقرر مشاهدة CNN فوجد فيديو المقابلة مع تعليق يشير إلى السيسي باعتباره مارتن لوثر المسلمين، يصرخ أوباما ويشير إلى الشاشة كيف يجرؤ ضابط مصري على تحدي رغبة وإرادة رئيس أمريكي واسع النفوذ منتخب مرتين مثلي، خريج هارفارد، الحاصل على جائزة نوبل للسلام.
قد يبدو الحوار السابق خيالا علميا، شطحة كاتب، لكن أي متابع أو محلل سياسي لو حاول أن يضع عنوانا للعام ٢٠١٥ لن يجد أمامه سوى أنه عام سقوط ما خطط له أوباما في ٢٠٠٩ وبدأ من جامعة القاهرة، وكان الشعب المصري وقواته المسلحة بقيادة السيسي كلمة السر في نهاية مخطط طويل لتدمير ما تبقى من الوطن العربي.. بالتأكيد لم تنته مغامرات أوباما في الشرق الأوسط، لكن ما تبقى منه سينتهى حتما مع قدوم رئيس جديد للبيت الأبيض.
في القاهرة تحدث أوباما عن دعم الولايات المتحدة للديمقراطية وعودة العلاقات مع العالم الإسلامي لينهى سنوات الحرب ضد الإرهاب، وما رافق غزو أفغانستان والعراق من تدهور لسمعة الولايات المتحدة بين المسلمين، تحدث عن إصلاح العلاقات مع إيران والسلام بين فلسطين وإسرائيل، خلفية المشهد رغبة أمريكية في استعادة أنفاسها اقتصاديا بعدما طالت الحرب بلا حسم.
في أنقرة كان هناك ثمة حل مع رجل أمريكا المخلص رجب طيب أردوغان، هو دعم التيارات الإسلامية وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين من الدول العربية في مقابل صياغة علاقات أكثر ودية مع إسرائيل والولايات المتحدة تتحول بها أمريكا من الشيطان الأكبر إلى الداعم الأكبر.
كثير من مراكز الأبحاث وصنع القرار في الولايات المتحدة، وعلى رأسها كارنجي وبروكينجز، بدأت في طرح أسئلة عن المناطق الرمادية في فكر الإخوان وإجابتهم على أسئلة من نوعية العلاقة مع الأقباط والمرأة والأقليات الدينية وحرية الرأي والتعبير والديمقراطية، إلا أن الجماعة راوغت الجميع في الإجابة، كان مخطط التمكين يسير إلى الأمام وفق منظور "القطبيين"، وكانت قيادات الجماعة غير متحمسة لإجراء أي مراجعات لأفكارها، واكتفت بالتطمينات التى ينقلها عنهم أردوغان لأوباما والكتاتني لممثلي السفارة الأمريكية بالقاهرة بحسب وثائق ويكليكس.
وفى 2010 كان الاحتقان الداخلي قد وصل مداه مع ما شهدته انتخابات البرلمان من تدخلات سافرة بالإضافة لما أثير حول توريث نجل الرئيس الأسبق مبارك، مع حراك صنعته مؤسسات المجتمع المدني حول قضايا التعذيب، وكانت صورة مقتل خالد سعيد مستفزة لقطاعات كبيرة من الناس، حيث جرى ترويجها في أخضم حملة ممنهجة ضد وزارة الداخلية، أضيف لها تفجير كنيسة القديسين في أعياد الميلاد وأثره الخطير في نفوس المسيحيين المصريين.
كانت المعلومة موجودة في الولايات المتحدة، وكانت هناك تونس أيضا وليبيا وسوريا واليمن والبحرين على خريطة التغيير، وكان البديل جاهزًا.. الإخوان المسلمين برعاية تركية مباشرة، أو نشر التجربة الإسلامية التركية في الحكم، أردوغان الإسلامي كان النموذج المضاد للقاعدة، فهو مطبع للعلاقات مع إسرائيل وشريك رئيسي للولايات المتحدة التي دعمته في المقابل باستثمارات هائلة حتى يتمكن من تحقيق طفرة اقتصادية تساعد على استقرار حكمة.
وفي شتاء يناير 2011 نجحت الخطة، وسقطت أنظمة الحكم ودمرت الدول وأجهزتها، انتهز الإخوان الفرصة وانقضوا على ما تبقى منها لتنفيذ المرحلة الأخيرة من التمكين، لم يبد أوباما أى اعتراض، وترك التجربة تقود نفسها على الأرض، وكانت الجزيرة القطرية ووراءها الأمير حمد يوفران الدعم الإعلامي والمادي، وأردوغان يوفر الدعم الأمريكي، وكان إخوان مصر لديهم مشكلة كبيرة في التعامل مع الجيش المصري.. فلا هو قابل للتخلي عن ثوابته وتماسكه، ولا هو قابل للاحتواء.. وقف حجر عثرة أمام مشروع التمكين، وقرر الحفاظ على الدولة حتى الرمق الأخير.
ببراعة شديدة تمكن الجيش المصري بقيادة المشير حسين طنطاوي في الهروب من الفخ السوري والليبي، وأجريت انتخابات على مقعد الرئاسة، وأعلنت النتيجة بنجاح الإخوان، وحينما جاءت لحظة الرحيل غادر مسلِّما الراية في القوات المسلحة للرجل الذى سيغير مجرى الخطة بالكامل بمساعدة الشعب المصري الذى استفاق من أسر الصورة التي صدرتها الجزيرة والإعلام الغربي للوضع المطلوب في مصر.
ولعل أبرز إشارة على التعاون الإخواني الأمريكي غير المسبوق خلال حكم المعزول محمد مرسى ما قالته هيلاري كلينتون في مذكراتها عن رؤيتها لمرسى.. حيث أكدت أنه التزم وحافظ على معاهدة «كامب ديفيد» وتعاون أثناء مفاوضات الهدنة بين حماس وإسرائيل، حيث ورد بالنص «سألته: ماذا ستفعل لمنع القاعدة والمتطرفين الآخرين من ضرب الاستقرار في مصر وخاصةً سيناء؟ فكان رده: «ولماذا يفعلون ذلك؟ لدينا حكومة إسلامية الآن»، وكان توقّع التضامن من الإرهابيين أمرًا شديد السذاجة أو صادم الدهاء"، وفى ذلك إشارة بليغة أخرى على التعاون بينهم في سيناء تحديدا، حيث أرادت الجماعة أن تسهم في عودة المقاتلين من صفوف القاعدة إلى بلادهم الأصلية فكان توطينهم في سيناء هو الحل، ليكونوا خنجرًا في ظهر الجيش المصري وإسرائيل أيضا، "وكارت" مميزا موجودا في محفظة الجماعة لمواجهة أي تراجع عن الخطة.
كان صوت أنين الناس هادرا قبل 30 يونيو، سمعه جيش الشعب.. فقرر تلبية النداء لإنقاذ ما تبقى من الدولة والمحافظة على أطلال الهوية، كانت القوات المسلحة تعلم أن ما سيواجهها بعد 30 يونيو أصعب بكثير من اختبار 25 يناير نفسه، أوباما لن يقبل وحلف تركيا وقطر والإخوان لن يسكت، وكان الإرهاب والتشويه سلاحهم، وسلاحنا الصمود والثبات.
وعقب فوز المشير عبد الفتاح السيسي بالرئاسة تصاعدت الحملة وأصبحت أكثر عنفا، وتشويها، وتنميطا في الأعلام الغربي، إلى أن فوجئ برد فعل غير متوقع وصادم من السيسي الذى ظهر أكثر تسامحا، أكثر تمسكا بالدين الصحيح، بل وطالب بثورة دينية على التخلف والرجعية، وطالب الأزهر بتجديد الخطاب الديني وإنقاذ صورة الإسلام، وهو ما أضاف نقاطًا عديدة لتتشكل صورة حقيقية عن ما يجرى في مصر من تصحيح للمسار بعد "العك" الأمريكي الأوبامى المهدد لاستقرار العالم.
في 2015 تحول أردوغان، أيقونة أوباما، من رجل الإسلام الديمقراطي إلى داعم الإرهاب الأول في العالم، وتحولت إمارة قطر من داعمة الديمقراطية إلى ممولة داعش وأخواتها، وانتهى حلم السلام في الأراضي الفلسطينية المحتلة ووصل الإرهاب إلى أوروبا وارتد إلى الولايات المتحدة مرة أخرى.. كُتب على أوباما أن يرى نهاية ما اقترفته يداه من تخريب في الشرق الأوسط مجسدًا أمامه في تهديد إرهابي غير مسبوق للعالم كله قبل عام من مغادرته البيت الأبيض غير مأسوف عليه.
قد يبدو الحوار السابق خيالا علميا، شطحة كاتب، لكن أي متابع أو محلل سياسي لو حاول أن يضع عنوانا للعام ٢٠١٥ لن يجد أمامه سوى أنه عام سقوط ما خطط له أوباما في ٢٠٠٩ وبدأ من جامعة القاهرة، وكان الشعب المصري وقواته المسلحة بقيادة السيسي كلمة السر في نهاية مخطط طويل لتدمير ما تبقى من الوطن العربي.. بالتأكيد لم تنته مغامرات أوباما في الشرق الأوسط، لكن ما تبقى منه سينتهى حتما مع قدوم رئيس جديد للبيت الأبيض.
في القاهرة تحدث أوباما عن دعم الولايات المتحدة للديمقراطية وعودة العلاقات مع العالم الإسلامي لينهى سنوات الحرب ضد الإرهاب، وما رافق غزو أفغانستان والعراق من تدهور لسمعة الولايات المتحدة بين المسلمين، تحدث عن إصلاح العلاقات مع إيران والسلام بين فلسطين وإسرائيل، خلفية المشهد رغبة أمريكية في استعادة أنفاسها اقتصاديا بعدما طالت الحرب بلا حسم.
في أنقرة كان هناك ثمة حل مع رجل أمريكا المخلص رجب طيب أردوغان، هو دعم التيارات الإسلامية وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين من الدول العربية في مقابل صياغة علاقات أكثر ودية مع إسرائيل والولايات المتحدة تتحول بها أمريكا من الشيطان الأكبر إلى الداعم الأكبر.
كثير من مراكز الأبحاث وصنع القرار في الولايات المتحدة، وعلى رأسها كارنجي وبروكينجز، بدأت في طرح أسئلة عن المناطق الرمادية في فكر الإخوان وإجابتهم على أسئلة من نوعية العلاقة مع الأقباط والمرأة والأقليات الدينية وحرية الرأي والتعبير والديمقراطية، إلا أن الجماعة راوغت الجميع في الإجابة، كان مخطط التمكين يسير إلى الأمام وفق منظور "القطبيين"، وكانت قيادات الجماعة غير متحمسة لإجراء أي مراجعات لأفكارها، واكتفت بالتطمينات التى ينقلها عنهم أردوغان لأوباما والكتاتني لممثلي السفارة الأمريكية بالقاهرة بحسب وثائق ويكليكس.
وفى 2010 كان الاحتقان الداخلي قد وصل مداه مع ما شهدته انتخابات البرلمان من تدخلات سافرة بالإضافة لما أثير حول توريث نجل الرئيس الأسبق مبارك، مع حراك صنعته مؤسسات المجتمع المدني حول قضايا التعذيب، وكانت صورة مقتل خالد سعيد مستفزة لقطاعات كبيرة من الناس، حيث جرى ترويجها في أخضم حملة ممنهجة ضد وزارة الداخلية، أضيف لها تفجير كنيسة القديسين في أعياد الميلاد وأثره الخطير في نفوس المسيحيين المصريين.
كانت المعلومة موجودة في الولايات المتحدة، وكانت هناك تونس أيضا وليبيا وسوريا واليمن والبحرين على خريطة التغيير، وكان البديل جاهزًا.. الإخوان المسلمين برعاية تركية مباشرة، أو نشر التجربة الإسلامية التركية في الحكم، أردوغان الإسلامي كان النموذج المضاد للقاعدة، فهو مطبع للعلاقات مع إسرائيل وشريك رئيسي للولايات المتحدة التي دعمته في المقابل باستثمارات هائلة حتى يتمكن من تحقيق طفرة اقتصادية تساعد على استقرار حكمة.
وفي شتاء يناير 2011 نجحت الخطة، وسقطت أنظمة الحكم ودمرت الدول وأجهزتها، انتهز الإخوان الفرصة وانقضوا على ما تبقى منها لتنفيذ المرحلة الأخيرة من التمكين، لم يبد أوباما أى اعتراض، وترك التجربة تقود نفسها على الأرض، وكانت الجزيرة القطرية ووراءها الأمير حمد يوفران الدعم الإعلامي والمادي، وأردوغان يوفر الدعم الأمريكي، وكان إخوان مصر لديهم مشكلة كبيرة في التعامل مع الجيش المصري.. فلا هو قابل للتخلي عن ثوابته وتماسكه، ولا هو قابل للاحتواء.. وقف حجر عثرة أمام مشروع التمكين، وقرر الحفاظ على الدولة حتى الرمق الأخير.
ببراعة شديدة تمكن الجيش المصري بقيادة المشير حسين طنطاوي في الهروب من الفخ السوري والليبي، وأجريت انتخابات على مقعد الرئاسة، وأعلنت النتيجة بنجاح الإخوان، وحينما جاءت لحظة الرحيل غادر مسلِّما الراية في القوات المسلحة للرجل الذى سيغير مجرى الخطة بالكامل بمساعدة الشعب المصري الذى استفاق من أسر الصورة التي صدرتها الجزيرة والإعلام الغربي للوضع المطلوب في مصر.
ولعل أبرز إشارة على التعاون الإخواني الأمريكي غير المسبوق خلال حكم المعزول محمد مرسى ما قالته هيلاري كلينتون في مذكراتها عن رؤيتها لمرسى.. حيث أكدت أنه التزم وحافظ على معاهدة «كامب ديفيد» وتعاون أثناء مفاوضات الهدنة بين حماس وإسرائيل، حيث ورد بالنص «سألته: ماذا ستفعل لمنع القاعدة والمتطرفين الآخرين من ضرب الاستقرار في مصر وخاصةً سيناء؟ فكان رده: «ولماذا يفعلون ذلك؟ لدينا حكومة إسلامية الآن»، وكان توقّع التضامن من الإرهابيين أمرًا شديد السذاجة أو صادم الدهاء"، وفى ذلك إشارة بليغة أخرى على التعاون بينهم في سيناء تحديدا، حيث أرادت الجماعة أن تسهم في عودة المقاتلين من صفوف القاعدة إلى بلادهم الأصلية فكان توطينهم في سيناء هو الحل، ليكونوا خنجرًا في ظهر الجيش المصري وإسرائيل أيضا، "وكارت" مميزا موجودا في محفظة الجماعة لمواجهة أي تراجع عن الخطة.
كان صوت أنين الناس هادرا قبل 30 يونيو، سمعه جيش الشعب.. فقرر تلبية النداء لإنقاذ ما تبقى من الدولة والمحافظة على أطلال الهوية، كانت القوات المسلحة تعلم أن ما سيواجهها بعد 30 يونيو أصعب بكثير من اختبار 25 يناير نفسه، أوباما لن يقبل وحلف تركيا وقطر والإخوان لن يسكت، وكان الإرهاب والتشويه سلاحهم، وسلاحنا الصمود والثبات.
وعقب فوز المشير عبد الفتاح السيسي بالرئاسة تصاعدت الحملة وأصبحت أكثر عنفا، وتشويها، وتنميطا في الأعلام الغربي، إلى أن فوجئ برد فعل غير متوقع وصادم من السيسي الذى ظهر أكثر تسامحا، أكثر تمسكا بالدين الصحيح، بل وطالب بثورة دينية على التخلف والرجعية، وطالب الأزهر بتجديد الخطاب الديني وإنقاذ صورة الإسلام، وهو ما أضاف نقاطًا عديدة لتتشكل صورة حقيقية عن ما يجرى في مصر من تصحيح للمسار بعد "العك" الأمريكي الأوبامى المهدد لاستقرار العالم.
في 2015 تحول أردوغان، أيقونة أوباما، من رجل الإسلام الديمقراطي إلى داعم الإرهاب الأول في العالم، وتحولت إمارة قطر من داعمة الديمقراطية إلى ممولة داعش وأخواتها، وانتهى حلم السلام في الأراضي الفلسطينية المحتلة ووصل الإرهاب إلى أوروبا وارتد إلى الولايات المتحدة مرة أخرى.. كُتب على أوباما أن يرى نهاية ما اقترفته يداه من تخريب في الشرق الأوسط مجسدًا أمامه في تهديد إرهابي غير مسبوق للعالم كله قبل عام من مغادرته البيت الأبيض غير مأسوف عليه.