حينما يدعو الإخوان إلى ثورة في ٢٥ يناير المقبل، فهذا بالطبع شىء مفهوم ومتوقع والأسباب معروفة لدى الجميع، فخيانة وخسة الإخوان واضحة، ورغبتهم في دمار هذا البلد وقتل شعبه لم تعد محل شك، ناهيك عن غبائهم المطلق وفقدان صوابهم نتيجة الخسائر السياسية والشعبية العظيمة التي لحقت بهم.
أنا هنا أتحدث عن فصيل آخر أو أكثر من فصيل، منهم من يطلق عليهم أو يطلقون على أنفسهم «نشطاء سياسيون» أو «ثوار» من أمثال جماعة ٦ إبريل وغيرها، ومنهم فئة من الإعلاميين يتبنون جميعًا نفس هذا الفكر المريض ويرددون نفس الدعوى بأسلوب مباشر أو غير مباشر.
لو افترضنا حسن النوايا، وأنهم ليسوا مأجورين ومتآمرين -وهذا مجرد افتراض ساذج، فأنا أرى أن وصفهم من وجهة نظرى يجب أن يكون «بلهاء» وليس «نشطاء سياسيين» وذلك للأسباب التالية:
أولا: من الواضح أنهم لا يعرفون حتى الآن، وبالرغم من كل ما حدث منذ ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، طبيعة هذا الشعب، متى ينتفض ويثور ولماذا يفعل ذلك، فالشعوب تثور ضد الاستبداد والفساد والتهميش وقد فعلها المصريون، ثم كانت ثورتهم الثانية حين أدرك هذا الشعب الواعي، أن الإخوان الذين قفزوا إلى سدة الحكم خائنون متآمرون لا يعنيهم وطنا، وهم مجرد أداة قذرة لتنفيذ مخططات أقذر.
كيف يتصور هؤلاء البلهاء، أن ملايين هذا الشعب يمكن أن يستجيبوا لدعواتهم المغرضة أو الساذجة - كيفما شئت أن تصفها - وتنزل مرة أخرى إلى الشوارع لتثور؟ وتثور ضد ماذا؟ تثور ضد رئيس يبذل قصارى جهده ليتعامل مع قدر هائل من المشاكل والتراكمات والتحديات ويتحدى الصعاب والزمن من أجل وطنه وشعبه، تثور ضد نظام مشهود بوطنيته ورجال يبذلون قصارى جهدهم لتحسين الأحوال - يصيبون ويخطئون - ولكن تبقى وطنيتهم وإخلاصهم لبلدهم فوق مستوى الشكوك.
ثانيا: هل أصبحت الثورات أنشطة ترفيهية، مثلها مثل الرحلات مثلا أو الخروج إلى المتنزهات، كلما شعرنا بشيء من الضيق أو الملل نقوم بثورة؟ كم عانينا، ونعانى، وسنظل نعانى من آثار ثورتين كان القيام بهما شرًا لا بد منه لاسترداد الكرامة الوطنية ثم استرداد الوطن نفسه الذي كاد يباع على أيدى الإخوان.
أفيقوا ياسادة من غفوتكم إذا كُنتُم غافلين، أو ارجعوا إلى ضمائركم وافهموا طبيعة هذا الشعب الأصيل، الذي يصعب خداعه ويستحيل الرهان على وطنيته مهما زادت التحديات لأنه يحمل جينات أقدم حضارة في التاريخ.