امتلأت مواقع التواصل الاجتماعى بحملات شعبية كبيرة، تطالب بأن يكون البطل الشهيد محمد شويقة شخصية العام، فور نشر خبر استشهاده بينما كان يحتضن إرهابيًا استعد لتفجير نفسه بواسطة حزام ناسف في مواجهة فرقة الصاعقة التي ينتمى إليها محمد أثناء مداهمتها لوكر الإرهابى.
غير أن شويقة الذي احتضن الموت مبتسمًا لفداء زملائه ليس الشخصية الأهم لعام ٢٠١٥ فقط، وإنما شخصية كل الأعوام؛ فالتضحية التي قدمها درس لنا جميعًا في الوطنية الصادقة، ومئات بل آلاف المحاضرات والأناشيد لن تكون أبلغ وأوضح من درس محمد، وأفصح الشعراء ليس بوسعه التغنى بهذه البطولة المطلقة في الفعل والإحساس.
ومع ذلك لا ينبغى التعامل مع بطولة شويقة في الاستشهاد باعتبارها أحد مشاهد الفداء والاستبسال لرجال قواتنا المسلحة؛ فالجيش المصرى بكل عناصره ضباطا وجنودا يكرر مثل هذه المشاهد في كل ما يقوم به من عمليات حتى في مناوراته وتدريباته العسكرية التي تتم بشكل تقليدى.
وأتصور أننا بحاجة للتوقف أمام نموذج محمد شويقة بالقراءة والتأمل مليًا في كتاب التربية الوطنية الذي قدمه لنا ملخصًا وموجزًا في ابتسامته التي صاحبت اندفاعه نحو الموت.
شويقة شاب لم يجاوز عامه الأول بعد العشرين، أليس في ذلك ردٌ كاف وبليغ على أكاذيب المتنطعين والمتحذلقين الذين صدعونا بتراهة عزوف الشباب عن المشاركة؟! هل هناك مشاركة أكثر من التضحية بالدم والروح؟!! على هؤلاء أن يخرسوا للأبد، ويملأوا أفواههم التي تفوح برائحة الخيانة بالتراب.
مثل شويقة ملايين شاركوا في جميع الاستحقاقات الانتخابية بعد ثورة الثلاثين من يونيو، وأتوا إلى البرلمان بشباب مسلمين ومسيحيين لم يلوثهم المال السياسي ولم ينجح رجال أعمال في شرائهم.
لكن لماذا يقبل شويقة على الموت فرحًا غير عابئ بمستقبله القادم، ودون أن يفكر في أحلامه «الوظيفة، الشقة والعروسة والعربية الحديثة»، بينما غيره من آلاف الموظفين لا يفكرون إلا في الحوافز والمكافآت وتدبير الطريقة المناسبة «بالتزويغ قبل انتهاء ساعات العمل للحاق بعمل آخر».
وقبل أيام طالعتنا الصحف بتورط وزيرين سابقين للقوى العاملة والهجرة بإهدار ٤٠ مليون جنيه من صندوق إعانة العمال وصرفها كمكافآت لأعضاء مجلس إدارة الصندوق، ولدىّ واقعة مشابهة في اللجنة الوطنية لليونسكو، حيث قام موظف اللجنة بعقد اجتماع للخبراء في الأمان النووى كان من المفترض أن تقدم فيه مصر رؤيتها لعمل شبكة أمان نووى عربية، ولأن موظفى اللجنة لا يهتمون إلا بالمكافأة التي سيحصلون عليها استضافوا أستاذا بيولوجيا عضوا بإحدى شعب اللجنة رغم خروجه على المعاش من هيئة الطاقة الذرية منذ ما يزيد على ربع القرن!! علاوة على عدم تخصصه في المجال لكنه الأقرب والأسهل بالنسبة لهم لذلك لم يفكر أحدهم الرجوع إلى هيئة الأمان النووى، الأكثر من هذا أن التقرير الذي أعده الأستاذ المحال إلى المعاش لم يتم تصويره، وأخذه ممثل منظمة الإلكسو وطار إلى تونس ليرفعه بعد ذلك إلى إدارة اليونسكو في باريس، ولم يهتم وزير التعليم العالى والبحث العلمى د. أشرف الشيحى المشرف سياسيًا على أعمال اللجنة الوطنية لليونسكو بمراجعة التقرير أو حتى الحصول على نسخة منه، ولا أحد يعرف ماذا حوى هذا التقرير.
الكل لم يهتم إلا بمكافأة الاجتماع والعشاء مع الوفد الأجنبى في أحد المطاعم الفاخرة.
ما علاقة شويقة بهذه النماذج الفاسدة؟! شويقة ابن لذات الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، لكنه أيضًا ابن المؤسسة العسكرية، وهذا ما ينبغى التوقف أمامه طويلًا، لماذا نجحت هذه المؤسسة في عملية إدارة أعضائها؟! ولماذا تنجز جميع المشروعات التي تقوم بها في المجال المدنى بنفس دقة بناء قدراتها العسكرية!
المؤكد أن قواعد الضبط والربط العسكري ليست وحدها السبب، فلا بد أنها تستخدم أحدث أساليب الإثارة في تنمية قدرات ومهارات أعضائها، والتفاعل معهم إنسانيًا، وأتصور أننا بأمس الحاجة لكى تنتقل هذه المدرسة في الإدارة إلى كل مؤسساتنا وهيئاتنا المدنية حتى نحصل على موظف كفء يشعر بالانتماء إلى عمله ولا يتعامل معه بهذه الانتهازية الرخيصة.
موظف يحرص على إتقان عمله تمامًا كما يحرص على زيادة راتبه، والوقت ليس متسعًا لننتظر ١٠ سنوات بحسب تقدير الخبراء لنشعر بالأثر الإيجابى المتوقع بتطبيق قانون الخدمة المدنية في عملية تنمية وتطوير قدرات الموظف المصرى.