الإثنين 30 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

بنات الرسول في مصر

 بنات الرسول
بنات الرسول
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«زينب».. شفيعة المصريين إلي الله «سكينة»
روح «الحسين» الباقية فى الخليفة «نفيسة»
قائدة ثورة المصريين على «ابن طولون»

قبل سنوات وعندما تجمع العشرات من المصريين أمام مسجد السيدة زينب، وهم يحملون المكانس اليدوية ويكنسون ما حول مقامها الطاهر من تراب، لم يكونوا فى هذه اللحظة يستعينون فقط بأم العواجز على من يظلمهم ويتعدى عليهم، بل كانوا يستلهمون تراثًا شعبيًا يجسد العلاقة بين المصريين وآل بيت رسول الله، فعندما يشتد الضيق لا يجد المصريون أمامهم سوى ربهم وأوليائه يطلبون منه المدد ويتوسلون إليه ببركة آل بيت محمد على ظالمين لا يستطيعون رد ظلمهم.

وهذه الظاهرة الكامنة فى الوجدان المصرى، ليست وليدة الصدفة فالمصريون لجأوا إلى السيدة التى سكن جسدها تراب مصر، وسكنت روحها أرواح المصريين، وهم يتجسدون تاريخها النبيل ومواقفها وكلماتها الحاسمة فى وجه الطغاة والمتكبرين رغم الحسرة التى سكنتها، وهى تجتاز ساحة المعركة وترى أشلاء أهلها، فتصيح وقد ضاقت عليها الدنيا، فلا تجد من تستغيث به سوى جدها، فتصيح صيحتها التى ستهز الأفئدة إلى يوم الدين «يا محمداه صلت عليك ملائكة السماء هذا الحسين بالعراء مرمل بالدم، مقطع الأعضاء، يا محمداه هؤلاء بناتك سبايا، وذريتك مقتلة، إلى الله المشتكى» ثم تستجمع إيمانها وهى واقفة على جسد أخيها الشهيد وهو مقطع الأوصال وتقول «اللهم تقبل منا هذا القليل من القربان».

وتقود عقيلة بنى هاشم ركب بنات رسول الله من كربلاء «الكرب والبلاء» إلى الكوفة، حيث الطاغية ابن زياد فلا يمنعها مصابها أن تنطق بكلمة الحق وتصيح فى أهالى الكوفة الذين وقفوا يتفرجون على الموكب الحزين بعد أن نكثوا عهد أبيها الإمام على، ومن بعده عهد أخيها الحسين سيد الشهداء، فلم يمنعها حزنها الجليل على مصاب آل بيت رسول الله بتقتيل أولاده وسبى بناته من أن تخاطب أهل الكوفة الذين خذلوها «ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أى كبد لرسول الله فريتم؟ وأى كريمة له أبرزتم؟ وأى دم له سفكتم؟ وأى حرمة له انتهكتم؟ لقد جئتم شيئًا إدًا، تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدّا، ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء، كطلاع الأرض وملء السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دمًا، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون؟ فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يحفزه البدار، ولا يخاف فوت الثأر، وإن ربكم لبالمرصاد».
وتبث روحها المناضلة الشجاعة فى نفس واحدة أخرى من بنات الرسول الكريم وهى فاطمة بنت الحسين، ابنة الذبيح الذى لم تجف دماؤه العطرة فتخطب فى القوم:
«اللهم إنى أعوذ بك أن أفترى عليك، وأن أقول عليك خلاف ما أنزلت من أخذ العهود والوصية لعلى بن أبى طالب المغلوب حقه من غير ذنب، كما قتل ولده بالأمس فى بيت من بيوت الله تعالى، فيه معشر مسلمة بألسنتهم، تعسا لرؤوسهم، ما دفعت عنه ضيما فى حياته ولا عند مماته، حتى قبضه الله إليه محمود النقيبة، طيب العريكة، معروف المناقب، مشهور المذاهب، لم تأخذه فى الله لومة لائم، ولا عذل عاذل، هديته اللهم للإسلام صغيرا، وحمدت مناقبه كبيرا، ولم يزل ناصحا لك ولرسولك، زاهدا فى الدنيا غير حريص عليها، راغبا فى الآخرة، مجاهدا لك فى سبيلك، رضيته فاخترته وهديته إلى صراط مستقيم.
أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل المكر والغدر والخيلاء، فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم، وابتلاكم بنا، فجعل بلاءنا حسنا، وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا، فنحن عيبة علمه، ووعاء فهمه وحكمته، وحجته على الأرض فى بلاده لعباده، أكرمنا الله بكرامته، وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم على كثير ممن خلق الله تفضيلا، فكذبتمونا وكفرتمونا، ورأيتم قتالنا حلالًا، وأموالنا نهبًا، كأننا أولاد ترك أو كابل، كما قتلتم جدنا بالأمس، وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم، قرت لذلك عيونكم، وفرحت قلوبكم افتراء على الله، ومكرا مكرتم، والله خير الماكرين، فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا، ونالت أيديكم من أموالنا، فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة، والرزايا العظيمة فى كتاب من قبل أن نبرأها، إن ذلك على الله يسير، لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما آتاكم، والله لا يحب كل مختال فخور».
وعندما دخل الموكب قصر الطاغية ابن زياد وجه حديثه للسيدة زينب قائلا «الحمد لله الذى فضحكم وقتلكم «فقاطعته جبل الصبر وابنة الزهراء»، بل الحمد لله الذى أكرمنا بنبيه وطهرنا من الرجس تطهيرا وإنما يفضح الله الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا يا ابن زياد».
ولما عاد يسألها: كيف رأيت صنع الله فى أهل بيتك؟
أجابته عقيلة بنى هاشم «كتب عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم وسيجمع الله بينهم وبينك، فتختصمون يوم القيامة».
وتقف أمام يزيد فى قصره فى الشام، وتجابهه أمام الحشود التى جمعها ليستعرض طغيانه وجبروته فتقول له «إنك أمير مسلط، تشتم ظالما، وتقهر بسلطانك، أظننت يا يزيد أن بنا هوانا على الله، وأن بك عليه كرامة، فشمخت بأنفك، حين رأيت الدنيا مستوثقة لك، ألا إن الله إن أمهلك، فلأنه يقول: «ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملى لهم خيرا لأنفسهم وإنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين» لتردن على الله غدا يا يزيد، وأنت تود لو كنت أبكم أعمى، ولتجدننا عليك مغرما، حين لا تجد إلا ما قدمت يداك، تستصرخ بابن مرجانة، ويستصرخ بك، ولتعلمن يوم يحكم الله بيننا، أينا شر مكانا وأضعف جندا».
وعندما يمتد بصر أحد أذنابه إلى السيدة فاطمة بنت الحسين ويتجرأ على الله ويقول لسيده:
- يا أمير المؤمنين هب لى هذه الجارية.
فتذود السيدة عن عرض المصطفى وتقول للرجل «كذبت ولؤمت، ما جعل الله ذلك لك ولا لأميرك»، فيغضب يزيد بالباطل ويقول «لو شئت أن أفعل لفعلت» فتقول السيدة: «كلا والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج عن ملتنا وتدين بغير ديننا»، فزاد غضب يزيد وقال «إياى تستقبلين هذا الكلام، إنما خرج من الدين أبوك وأخوك» فترد عليه بما يخرسه «بدين أبى وأخى اهتديت أنت وأبوك وجدك إن كنت مسلما».
ويخيرها الظالم بين الأمصار فتختار مصر ليخرج المصريون عن بكرة أبيهم لاستقبال قطعة منهم عادت إليهم، أليست هى حفيدة المصرية هاجر التى خرجت مع إبراهيم الخليل لتستوطن أرض مكة وتصبح أم العرب، فبنات الرسول حينما كن يخترن مصر مقاما لهن، كن يخترن أن يعدن إلى الرحم الذى منه خرجن، وما كانت أرض مصر غريبة عنهن وجدهم القائل «استوصوا بأهل مصر خيرا فإن لهم ذمة ورحما».
وما كان المصريون عنهن أغرابا، فهم فى الأصل أخوالهم وهم من المصريين بنات الأخت.
ولما رأت حفاوة استقبال المصريين لها منذ وصولها إلى مشارف الشرقية، حتى سكنها فى دار مسلمة بن مخلد الأنصارى والى مصر بالفسطاط، ظلت تردد «هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون»، فكان هذا الدفء والونس الذى أشاعه المصريون فى ابنتهم هو الذى جبر خاطرها، وزاد المصريون فى محبتهم لها حتى جعلوها سيدتهم الوحيدة التى لا تحتاج إلى تعريف، فعندما تنطق كلمة السيدة فقط، فإن المعنى لا يذهب إلا إلى زينب بنت فاطمة الزهراء بنت محمد، التى تفيض فى النفس سجاياها حتى تغمرها فهى أم هاشم لكرمها، وهى رئيسة الديوان التى يجتمع لديها أولياء الله الصالحين، وأم العجائز لعطفها على الضعفاء، وأم العزائم لعزمها، وصاحبة الشورى لحكمتها ورجاحة عقلها.
وفى كل عام يجدد المصريون محبتهم للطاهرة، ويتم الاحتفال بمولدها يوم الثلاثاء الأخير من شهر رجب، فهذا الوقت يوائم دخولها مصر فى أواخر شهر رجب سنة ٦١ هجرية، وانتقالها إلى الرفيق الأعلى فى منتصف شهر رجب سنة ٦٢ هجرية، ويصبح مولد السيدة عيدا للمصريين الذين يفدون إلى الحى الذى تسمى باسمها، والذى عاشت فى إحدى دوره عاما كاملا ودفنت فى نفس الدار كما أوصت، وعلى مدى الدهر أصبح ضريحها مزارًا.
يتتابع الأمراء وأهل العلم على خدمته، بدءًا من أحمد بن طولون الذى قام بعمارة وترميم مرقدها، حتى جاء المعز لدين الله إلى مصر فبنى لها مشهدا عظيما فى عام ٣٦٩ هـ، وأوقف عليه الحاكم بأمر الله عدة ضياع وقيساريات.
وفى العصر العثمانى عمر المشهد مرة أخرى وجعل له مسجدا فى عام ٩٥٦ هـ.
أما المسجد الحالى فيعود إنشاؤه للخديو توفيق، وفى الأربعينات تم عمل تجديد للمسجد، وفى عام ١٩٦٤ أضيفت للمسجد توسعة أخرى، لتصل المساحة الإجمالية له إلى أربعة آلاف متر مربع، وقد تضاعفت مساحة المسجد حاليا لتصل إلى ثمانية آلاف متر مربع، ويسع ١٥ ألف مصلٍ يتقربون إلى الله ورسوله بصلة الرحم التى جعلها الله من صفاته وهم واثقون أن من وصل رحمًا وصله الله، فالمسألة فى الضمير المصرى أعمق مما يصورها المتشددون على أنه تبرك بأضرحة وحجارة، لكنها قيمة الأمومة المغروسة فى ثقافتنا التى تجعل من الخالة والدة، والولد لخاله وتعظم من صلات الرحم حتى تفوق فعليًا صلات العصب.
وإذا كانت السيدة زينب هى أول النفحة المباركة فى أرض مصر، فقد تبعها بعد ذلك عدد كبير من بنات المصطفى جئن يستظللن بالأرض الطيبة من بينهن السيدة سكينة بنت الحسين، التى جاءت فى صحبة عمتها السيدة زينب، وتركت مصر بعد وفاتها وعادت للمدينة المنورة وحول شخصية السيدة سكينة، يدور لغط كثير، فقد ورد فى معظم السير أنها كانت تمتاز بالأدب الرفيع والعلم الغزير والشعر الرقيق، وأنها أول من سنت الندوات فى المدينة المنورة، لكن أصواتا أخرى ترى أن الشعر والأدب لهو يتناقض مع الحزن والمصاب الفاجع الذى تعرضت له السيدة سكينة بمشهدها مقتل والدها وإخوتها فى كربلاء، ولكن ما يجمعون عليه هو شجاعتها فى مواجهة الحجاج بن يوسف الثقفى ورفضها الزواج منه وطردها إياه من مجلسها، ويوجد فى منطقة الخليفة مسجد كبير يحمل اسمها وهناك من يقول إن الضريح الذى به هو ضريح السيدة سكينة بنت زين العابدين على بن الحسين.
ويتوالى ركب بنات النبى إلى مصر، فتفد إليها السيدة عائشة ابنة جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام على أخت الإمام موسى الكاظم، وهى من العابدات القانتات المجاهدات ويؤثر عنها أنها كانت تقول مخاطبة المولى عز وجل «وعزتك وجلالك لئن أدخلتنى النار لآخذن توحيدى بيدى وأطوف به على أهل النار وأقول: وحدته فعذبنى» وقد جاءت السيدة عائشة وجاءت إلى مصر فى عهد أبى جعفر المنصور طلبًا للأمان، ودفنت فى ضريحها بالقاهرة سنة ١٤٥ هجرية وتسمى المنطقة التى يقع فيها المرقد بحى السيدة عائشة، وكعادة أهل مصر فقد لاقت السيدة عائشة حفاوة بالغة حين عرفوا بمقدمها الشريف وقد عرفها كل من كان حولها بلقب «أم فروة» وقد شرفت أرض مصر، وأقامت بها حتى توفيت، ودفنت فى الدار التى كانت تقيم فيها، وأصبح ضريحها مسجدا فى عهد الأمير «عبد الرحمن كتخدا» العثمانى.
وكان لمصر حظ استقبال السيدة فاطمة النبوية أو السيدة فاطمة العيناء ابنة القاسم الطيب بن محمد المأمون بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على، وسميت بالعيناء لحسن عينيها وشدة شبهها بجدتها السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، وقبرها موجود فى شارع الإمام الليث بن سعد بالقرب من قبر أخيها يحيى الشبيه عليه السلام.
وهناك السيدة نفيسة بنت زيد بن الحسن التى تزوجت من الخليفة الوليد بن عبد الملك، وكانت لها اليد البيضاء فى خلافة زوجها وما قام به من عمارة المسجد النبوى، وترتيب معاش للفقهاء والضعفاء، وقد رحلت إلى مصر وتوفيت بها ودفنت بالدار التى وهبها لها والى مصر عبد الله بن عبدالملك.
وتيمنًا بهذه السيدة الصالحة عندما رزق أخوها الحسن بن زيد بن الحسن بابنة سماها نفيسة، وهى التى عرفت بـ «نفيسة العلم» بعد أن تلقت علوم الفقه والحديث فى مسجد جدها، وكان للمصريين من نفاستها أن قدمت إلى مصر مع زوجها «إسحاق المؤتمن» ابن جعفر الصادق رضى الله عنه بعد زيارتها لقبر الخليل إبراهيم، لتصل إلى القاهرة يوم السبت ٢٦ رمضان ١٩٣ هجرية، وتنزل بدار سيدة تُدعى «أم هانئ»، فأخذ يقبل عليها الناس يلتمسون منها العلم، حتى ازدحم وقتها، وكادت تنشغل عما اعتادت عليه من العبادات، فخرجت على الناس قائلة: «إنى كنت قد اعتزمت المقام عندكم، غير أنى امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولى الناس فشغلونى عن أورادى، وجمع زاد معادى، وقد زاد حنينى إلى روضة جدى المصطفى».
ففزع الناس لقولها، وأبوا عليها رحيلها، حتى تدخَّل الوالى «السرى بن الحكم» وقال لها:
«يا ابنة رسول الله إنى كفيل بإزالة ما تشكين منه» ووهبها دارًا واسعة، ثم حدد موعدًا يومين أسبوعيًا يومى السبت والأربعاء يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة، لتتفرغ هى للعبادة بقية الأسبوع، فرضيت وبقيت.
وكان الإمام الشافعى يجتمع لديها وزمرة من العلماء يتدارسون العلم ويأخذون من علمها وكانت نفيسة العلم إلى جانب عبادتها وتقواها وعلمها شجاعة فى الحق، قادرة على الدفاع عن المظلومين كما كانت عمتها زينب الكبرى، حتى أن أحد الأمراء قبض أعوانه على رجل من العامة ليعذبوه فبينما هو سائر معهم، مرّ بدار السيدة نفيسة فصاح مستجيرًا بها، فدعت له بالخلاص قائلة: «حجب الله عنك أبصار الظالمين» ولما وصل الأعوان بالرجل بين يدى الأمير، قالوا له: إنه مرّ بالسيدة نفيسة فاستجار بها وسألها الدعاء فدعت له بخلاصه، فقال الأمير: «أو بلغ من ظلمى هذا يا رب، إنى تائب إليك واستغفرك؛ وصرف الأمير الرجل، ثم جمع ماله وتصدق ببعضه على الفقراء والمساكين».
ويذكر رواة التاريخ أن السيدة نفيسة قادت ثورة الناس على ابن طولون لمّا استغاثوا بها من ظلمه، وكتبت ورقة فلما علمت بمرور موكبه خرجت إليه، فلما رآها نزل عن فرسه، فأعطته الرقعة التى كتبتها وفيها: «ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخولتم ففسقتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار نفاذة غير مخطئة لا سيّما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوعتموها، وأجساد عريتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنَّا إلى الله متظلمون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون».
يقول القرماني: فعدل من بعدها ابن طولون لوقته.
وعندما توفيت السيدة نفيسة سنة ٢٠٨ هجرية، أراد زوجها أن يحمله لتدفن فى مدينة رسول الله، شق ذلك على المصريين وتوسلوا إليه أن تدفن فى مصر، اجتمعوا إليه فوجدوه مستجيبا لرغبتهم، فلما سألوه عن ذلك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول لي: «رد عليهم أموالهم وادفنها عندهم»، ودفنت فى القبر الذى حفرته لنفسها وختمت فيه القرآن عشرات المرات، وبذلك لم تحرم السيدة نفيسة المصريين من بركاتها حية أو ميتة.
المسيرة طويلة والزاد كان محبة متبادلة بين بنات الرسول وأهلهن فى مصر وخلال الرحلة كانت بنات الرسول قدوة ومثلًا، فلم يكن خامدات الذكر، أو مستخفيات، بل كان لهن دورهن الاجتماعى والعلمى والسياسى، ولم يكن عورات يجاهد المتشددون لإخفائهن ودفنهن فى أبعد نقطة فى بيوتهن، بل كُنّ نورًا تهتدى به الأمة وكان الناس يتلقون عنهن تفسير القرآن والحديث، ومنهن من كانت تشارك فى الحرب كما يحكى المؤرخون عن حكيمة بنت محمد بن على الرضا أخت الإمام العسكرى التى كانت تجيب على أسئلة الشيعة فى فترة سجن الإمام العسكرى عليه السلام، وتوجه أمورهم، ولم يقتصر دفاع بنات النبى على الذود عن حرمتهن والرد على المطاعن التى توجهت إلى آل بيت النبى من قبل الطغاة الظالمين الذين أرادوها ملكية وجاهلية، لكنه امتد ليشمل الدفاع عن كل أبناء دين محمد وكان المصريون فى ذلك هم الأولى.