الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

زجاجة حبر على وجه فيروز

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس جديدًا رشق النجوم بالحجارة. ما يحدث مع فيروز فى لبنان حدث مع كثير من المُبدعين الأفذاذ على مر السنين، فتلك فى ظنى ضريبة التفوق. 
لقد نشرت مجلة لبنانية تُدعى «الشراع» قبل أيام احتفالا ببلوغ صوت الجبل ثمانين عامًا مُلحقا بعنوان «ما لا يعرفه الناس عن فيروز» ذكرت فيه أن المطربة التى يعشقها الناس بخيلة وعابدة للمال ومُدمنة للويسكى وداعمة لنظام الأسد، وهاج وماج العاشقون للمطربة الجميلة داخل وخارج لُبنان. 
لقد دشّن المُحبون والمُتيمون بالمطربة الرائعة عدة حملات لمقاطعة المجلة، وطلب بعضهم مُحاسبة رئيس تحريرها ومُحاكمته بتهمة تشوية رمز فنى جميل. وتصاعدت حدة الغضب على المُتهمين بسب فيروز لتصل إلى حد إقامة الدعاوى القضائية ضد الكاتب وضد رئيس تحرير المجلة. 
ولاشك أن رد الفعل الموغل فى التطرف أقلقنى أكثر من تشويه المطربة التى أعشقها مُنذ الصغر، فبت أخشى على الحرية فى بلد كان دائمًا عاصمة للحرية ووطنًا للتعددية، وأنا شخصيا لا أتمنى أن يتسع الغضب ليصل إلى حد إعدام جريدة أو وقف كاتب. 
إننى لا يعنينى إن كانت فيروز بخيلة أم كريمة، ولا يشغلنى إن كانت تشرب أو لا تشرب، ولا يهمنى موقفها أو رأيها فى نظام الرئيس الأسد أو غيره من الأنظمة السياسية، لأن ذلك لا يشطب على عذوبة صوتها ورقته، ومُتعة فنها، وكمال إحساسها.
فيروز زجاجة عطر، قطعة شيكولاتة، نقطة عسل، قطرة مطر صيفية، لمسة محبة، وحُضن رضا. فى تصورى أنها جميلة بفنها لا بأخلاقها. بطربها لا بتوجهها السياسى، بقدرتها على رش البهجة لا باستقامتها واستقرار حياتها العائلية. لا تشغلنى الحياة الخاصة للُمبدعين، فهذا شأنهم ولا يمكن الخلط بين حيواتهم وفنونهم. هذا نسف للإبداع. وكُل شخص له وجهان أحدهما أبيض والآخر أسود لأننا بشر ولسنا ملائكة. 
ما يخضع للتقييم هو الفن، ولا يجب أن نُحب ونكره، طبقًا لأى تصورات أخرى. ومع ذلك فأنا أعتقد أن الغضب البيروتى على تشويه فيروز خارج عن نطاق تصوراتنا بشأن العقل المُتحرر الذى يقبل الرأى والرأى الآخر، ويرضى بالمدح ولا يغضب من القدح. لم أنتظر كُل هذا الحُزن لأن موضوعا بجريدة أو مجلة لا يشطُب تاريخ فيروز، ومقالة رأى أو تعليق ناقد لا يمحو جمال فيروز. 
إن ولهى بفيروز لا يمنعنى أن أقول إنها ليست قديسة، ونقدها أو كشف أسرار حياتها لا يُغير من جمالها من شىء. وأقول لكم: إننى لا أقبل إخراس الألسنة، ولا أرضى إسكات الأصوات الناقدة والناقمة، والعبرة فى ظنى بحُكم التاريخ بعد رحيل المُبدعين. 
والله أعلم.