الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

كانت كل حياتي.. الصحافة "3-3"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لكن أكثر ما كان يجعلنى أقف مشدوها أمام هذا الرجل -مصطفى أمين- هو مقدرته الخارقة على تحمل الصدمات والضربات.. وما من شك أن أمين عانى كثيرا فى حياته، حتى منذ فترة طفولته وصباه مع توأمه الراحل على أمين.. كان الاثنان مهوسيين بالصحافة.. تعرضا للاضطهاد والملاحقة والافتراءات والسجن والنفى.. لكن مصطفى أمين كان يخرج دائما من المحن أقوى وأفضل.. وكانت هذه التجارب القاسية هى خلاصة المداد الذى يكتب به عن الحرية الحق.
أحيانا وحين كنت أهتز من تأثير بعض الضربات التى وجهت لى، لم أكن أجد ملاذا سوى مصطفى أمين، وذات مرة كانت الضغوط أكثر مما أتحمل.. فقلت له: لا أريد الصحافة.. سوف أبحث عن عمل آخر لا أتعرض فيه للظلم.. إننى إنسان بسيط لا قبل لى بالصراعات.
ابتسم عملاق الصحافة وقال لى: أنت الآن تذكرنى بالفنان الراحل عبدالحليم حافظ.. كثيرا ما كان يأتينى حزينا ويجلس على نفس المقعد الذى تجلس عليه الآن.. ويشكو لى من الظلم والاضطهاد ومحاولات البعض لتشويه صورته، لا أستطيع أن أعطيك سوى نفس النصيحة التى أعطيتها ذات يوم لعبدالحليم حافظ.. أجمع كل الحجارة التى يقذفونك بها.. واصنع منها هرما تقف فوقه.. ستظل دائما أعلى من قصار القامة الحاقدين.. وأعلم أنهم لا يقذفون بالأحجار سوى الأشجار المثمرة.
كم مرة يا أستاذ عملت بنصيحتك، لكن النصيحة وحدها لا تكفى.. وبعض الجروح لا تشفى حتى بدواء الزمن.. ولقد خلق الله الناس بقدرات ميز بها البعض عن الآخر.. ولهذا يظل الأستاذ أستاذا.. والتلميذ تلميذا!
***
وفى «أخبار اليوم» الدار والجريدة عرفت وتعلمت على أيدى أساتذة كبار فى الصحافة.. أستاذى موسى صبرى.. أستاذى إبراهيم يونس.. ثم أخى وصديقى الكبير وجيه أبوذكرى.. الذى أحببته وأحبنى.. ولى معه حكايات وحكايات.
وتغيرت أشياء كثيرة فى مشوارى فى شارع الصحافة.. عندما عرفت أستاذى إبراهيم سعدة.. والذى عينه الرئيس أنور السادات رئيساً لتحرير «أخبار اليوم».. واعترض البعض ممن كانوا يكبرونه سناً.. لكن إبراهيم سعدة كان صحفياً موهوباً وكاتباً خطيراً.
تحمس لى منذ البداية وعندما أصبح رئيساً للتحرير.. عرضت عليه أن أكتب أول صفحة حوادث كاملة.. فى الصحافة المصرية والعربية. ووافق إبراهيم سعدة.. وثق فى وشجعنى.
وكنت أكتب قصص صفحة الحوادث بأسلوب القصة الإنسانية.. فأعجب بها القراء.. وجاء يوم كانت جريدة «أخبار اليوم» يفتحها القارئ من الخلف.. من الصفحة الرابعة عشر.. صفحة الحوادث.
ولم يعتمد إبراهيم سعدة على عملى فى الحوادث فقط.. بل كان يكلفنى بالعديد من التحقيقات الصحفية فى مصر وخارج مصر.
كنت قد شاركت فى حملة مطاردة تجار المخدرات.. وتعرضت للموت وإطلاق الرصاص أكثر من مرة.. وتلقيت تهديدات بقتلى وخطف أطفالى..
وسافرت لتغطية أحداث آخر سنة فى الحرب الأهلية اللبنانية.. وهناك أيضاً تعرضت لخطر الموت.. لكنى خرجت من لبنان.. بصداقات جميلة مع شخصيات رائعة.. أهمها فيروز سفيرة لبنان إلى القمر.
ثم كانت تجربة إصدار جريدة «أخبار الحوادث» الإنجاز الأهم فى حياتى الصحفية.
كانت دار «أخبار اليوم» قد تحولت مع السنوات إلى بيتى الحقيقى.. ولم أكن وحدى الذى شعر بهذا الإحساس.. ومع الأيام زاد اعتماد إبراهيم سعدة على إخلاصى وعملى.. حتى رشحنى لرئاسة تحريرها.. لكنى شكرته واعتذرت.. وعندما سألنى أى إصدار إذن أريد أن أرأس تحريره.
وجدت نفسى أقول دون أن أدرى: «آخر ساعة»!
***
كنت قد أجريت عملية القلب المفتوح فى لندن.. عقب تغطيتى الصحفية لحادث مجزرة الدير البحرى فى الأقصر.. وفور أن توليت رئاسة تحرير «آخر ساعة».. طلب منى إبراهيم سعدة تنفيذ خطة لتطويرها.
قمت بإعادة حجم المجلة إلى الحجم الذى أصدرها عليه مؤسسها أمير الصحافة محمد التابعى.. واجتهدت مع زملائى فيها.. الكبار والصغار فى السن لتطوير المادة الصحفية.
وعاصر القراء أغلفة مميزة لـ«آخر ساعة» الجديدة.. منها غلاف البابا شنودة وهو يبكى أمام صورة الشيخ الشعراوى بعد وفاته.. وعليها عبارة «سلام يا صاحبى»!
وأيضاً أغلفة سعاد حسنى التى قالت فيها إنها «راجعة مصر»، ثم الغلاف الذى ظهر ثانى يوم مصرعها وعليه كلمة «قتلناها»!
عشت فى «آخر ساعة» أجمل أربع سنوات فى عمرى الصحفى.. جلست على المقعد الذى جلس عليه محمد التابعى ومصطفى أمين وعلى أمين.. ومحمد حسنين هيكل وأنيس منصور وغيرهم من عمالقة الصحافة فى مصر.
وعدت من «آخر ساعة» إلى «أخبار الحوادث» رئيساً لتحريرها.. ومحرراً فيها.. بعد مشوار عمره ٣٥ سنة فى شارع الصحافة.
شاب شعرى.
وانكسر قلبى.
وتعبت أقدامى.
لكنى ما زلت لا أشعر أننى على قيد الحياة.
إلا إذا.. أمسكت بقلمى!