فى واقعة ملهى العجوزة ما زال القاتل حُرًا طليقًا. لا تصدقوا أن حماصة والمجنون وسُكر هُم الذين نسفوا الملهى بمَن فيه من لحم ودم، مُحققين انتقامًا سريعًا من حرمانهم من نيل البهجة، فدائمًا هُناك قتلة مُستترون.
أحد هؤلاء فى ظنى، وليس كُل الظن إثمًا، رجُل السينما الكبير محمد السُبكى، الذى ساهم على مدى سنوات سوداء فى تقبيح الشخصية المصرية وتنمية مظاهر العنف والبلطجة والترويج لنموذج الفتوة الأعظم الذى يصنع مجده بالتدمير والقتل.
فى ظل فوضى اللافن واللا إبداع واللا رقابة توسعت غابات القُبح وتمددت شركة «السُبكى «للإتلاف» الفنى وصار الابتذال قرينًا بالفن السابع، الذى تستخدمه الأمم فى التنوير والتوعية والتغيير السلوكى. بأيدى هؤلاء صارت السينما رجسًا من عمل الشيطان وتحولت الذائقة الفنية للناس إلى ذائقة مبتذلة لا تُقدم ولا تُحسن، وانتشرت سلوكيات ومُصطلحات كريهة فى المُجتمع غير الرشيد وغير المُنظم.
لقد كتبت فى الأسبوع الماضى عن الفن باعتباره لافتة مقاومة للعنف الطاغى وللإرهاب العاصف. قُلت إن الإبداع يجب أن يقف فى وجه التطرف والتعصب، لكن الإبداع هو الجمال لا القُبح، والفن هو سلم الصعود نحو التمدُن والتحضر، لا إشاعة قيم العُنف والبلطجة. ومثلما تُساهم السينما فى رقى الشعوب، فقد تُساهم اللاسينما فى تخلف الناس وتدهور أخلاقهم. وذلك ما جرى فى واقعة ملهى العجوزة، التى لم تعرف مثيلها مصر فى تاريخها نتيجة تدهور السلوكيات وتراجع القيم وتفشى القُبح.
إن آل السبكى يقفون ضمن صانعى القُبح، وهُم مُتهمون خارج القفص فى قضية ملهى العجوزة، وفى كافة قضايا البلطجة والفتونة والتحرش. هُم اليد الأخرى التى تُقدم المولوتوف، وهُم الكيروسين الذى يُصب صبًا على النار لتستعر، وهُم الكلمات الغريبة والألفاظ الكريهة المُنتشرة فى ثقافتنا. هُم أكثر إرهابا وتطرفا وتعصبا من ذوى اللُحى الكارهين للحياة والمدنية، ومثلهم كثيرون فى الفن والسينما والإعلام والسياسة.
وليست المُعضلة فى مواجهتهم بالقانون، والمخالفات، وملاحظات الرقابة، وإنما بالإبداع الحقيقى. لا راد لهؤلاء إلا بفن قومى تتبناه الدولة وتفتح له القوات المُسلحة دورها ونواديها. فن جميل، يفتح الباب لوطن كبير ينمو رويدا، ويُجدد العهد بقيم التمدن والتسامح واحترام المرأة والإيمان بالعلم.
إن البداية الحقيقية من الفن. من السينما ذاتها. أصلحوها ينصلح المُجتمع. دعموها وساندوا الفن الجاد الجميل، ارسموا الطريق للإبداع الحقيقى للتقدم، فهو وحده طريق خلاصنا، وعندما يحدث ذلك، فمن الطبيعى أن تطرد العملة الجيدة أختها الرديئة، وسيذهب الزبد جفاء. أما ما ينفع الناسَ فسيمكثُ فى الارض.
والله أعلم.