تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ما من شك أن ذكرى انتصارات حرب أكتوبر المجيدة تأتي هذا العام حاملة لمعان وأحاسيس جديدة للقوات المسلحة داخل قلوب المصريين، فها هو الجيش العظيم الذي تحطمت تحت بيادة جنوده وجنرالاته أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يهزم يؤكد مجددا أنه أعظم جيش لأعظم أمة بانتصاره لإرادتها في التخلص من أحط أشكال الاحتلال الذي وقعت مصر في براثنه طوال عام في ظل حكم تنظيم الإخوان الإرهابي ساحقا بذلك أسطورة العدو الإخواني “,”الإرهاب الإسلامي لا يقهر وقادر على تدمير وتفتيت الوطن“,”.
هذا العام تأتي الذكرى الأربعين لنصر أكتوبر، والمصريون يحتفلون بانتصار إرادتهم في مواجهة وتحطيم كل مخططات الإدارة الأمريكية وأحلامها بشأن الشرق الأوسط الجديد، فلولا الانتصار المصري على العدو الإخواني لما استطاعت روسيا الاستمرار في موقفها المساند لسوريا ولما استطاعت منع توجيه ضربة أمريكية مباشرة إلى الجيش العربي السوري.
نعم مصر هي أعظم الأمم، لأن شعبها وجيشها يخوض حربا مقدسة ضد الإرهاب بالنيابة عن كل شعوب المنطقة لتعبر بالجميع إلى حيث يتحقق السلام والاستقرار رغم أنف الأمريكان.
وحتى يكتمل النصر هذه المرة، لا ينبغي أن نكتفي بدحر فلول الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، ثم نمضي نكرر نداءات وشعارات تنمية سيناء دون أن يكون لذلك أصلا على أرض الواقع.
لقد أعدت وصيغت عشرات الخطط والاستراتيجيات التنموية لكنها لم تبرح أدراج مكاتب المسؤلين، وظني أن مسألة تنمية سيناء ستظل شعارا لا حقيقة طالما استمرت هذه العزلة الوجدانية بين مركز الوطن في شريط وادي النيل وأطرافه في كل البوادي المصريه وليس بادية سيناء فقط.
لايمكن أن يستقيم مشروعا تنمويا لشبه جزيرة سيناء بينما هذا المشروع يفتقد رؤية لتنمية بادية مصر المترامية الأطراف، وينبغي هنا الاعتراف بأن إهمال سكان الأطراف لعقود طويلة لابد وأن يحدث مشكلة في قضية الانتماء.
ورغم الحديث المتكرر عن تنوع المجتمع المصري إلا أن وجدان ثقافة المركز يكاد لا يرى تنوع المصريين، إلا من حيث كونهم “,”صعايدة وفلاحين، سكان سواحل، مسلمسن ومسيحيين“,” والحقيقة أن التنوع المصري أعمق من ذلك بكثير ونسياننا لبدو مصر جعلنا نخسر ثروة ثقافية وفنية واجتماعية خسارة لها مردودها السياسي الخطير.
أشير في هذا السياق إلى أن قضية النوبة ومشكلات المواطنين المصريين التي نتجت عن بناء السد العالي لم تأخذ حقها في المعالجة الإعلامية والسياسية، ثم ما تبع ذلك من إجراءات لحلها إلا بعد أن ارتبطت أذن وجدان ثقافة المركز بالسلم الخماسي عبر أغاني وأناشيد محمد منير وأحمد منيب وغيرهما.
بمعنى آخر، أن الحديث عن تنمية سيناء سيظل أجوفا طالما أن ثقافة المركز تفتقد الانتماء لثقافة وتراث باديتها، وكل البوادي المصرية.
ومن عجائب الأمور أن تجد نفسك تتمايل مع إيقاع خليجي لأحد مطربيك المفضلين هناك بينما أذنك لا تستسيغ سماع السامر السيناوي أو المالوف المطروحي، لذلك ليس من المستغرب أن يعرف بدو سيناء سكان الضفة الغربية من قناة السويس بالمصريين، وأن تكون معظم المكتبة الغنائية في إذاعة مطروح لمطربين ليبيين.
ما أعنيه أن ثقافة المركز ملزمة باحتضان ثقافة الأطراف وفنونها وتراثها وضمها إلى وجدان الوطن فذلك هو الجهاد الأكبر الذي هو فرض عين على كل مبدع ومثقف ومسؤول وهو أيضا العبور الواجب والذي لا غنى عنه.
ينبغي أن تكون ذكرى العبور العظيم لهذا العام نقطة بداية لتغيير نظرتنا في مسألة أمننا القومي لاسيما في المناطق الحدودية، فالغرب كان بوابة لعبور السلاح بينما كان الشرق بوابة لعبور جحافل الإرهابيين علاوة على العدو التقليدي “,”إسرائيل“,”، واحتضان تلك البادية ثقافيا واجتماعيا بما يحفظ تميزها شرط أساسي لنجاح اي خطط تستهدف تنميتها اقتصاديا، وحمايتها سياسيا وفكريا من إخطار التطرف والإرهاب.
الحديث عن بادية مصر ممتد في مقالات لاحقة لأن البدو وحياة البداوة موجودة حتى في قلب القاهرة.