من القصص المتداولة بكثرة حول سور الصين العظيم، أن الصينيين إنما بنوه لكى يحميهم من غدر عدوهم بهم ومن احتلاله لبلدهم، ونهب خيراتهم وثرواتهم، فكانت فكرة بناء السور تقوم على استراتيجية عسكرية دفاعية الغرض منها حماية الصين من الاحتلال والغزو، وكان هذا السور العظيم فى النهاية آية من الآيات بحيث أصبح من عجائب الكون وإحدي روائع التراث العالمي؛ بسبب عظمة تحصيناته العسكرية الدفاعية وإحاطته بالصين إحاطة السوار بالمعصم، مع كونه عصيًا على الاختراق أو الهدم، فكان بحق حائط صدٍ عظيمًا لا يستطيع اختراقه أعظم جيوش العالم عدة وعتادًا، إلا أن المفارقة كانت فى أنه تم احتلال الصين بعد الانتهاء من بناء السور ووضع تحصيناته ثلاث مرات متتالية فى أقل من مائة عام! وفى كل مرة لم يكن الاحتلال يتم لعيب فى بناء السور ولا لثغرة فى تحصيناته، ولا فى كون العدو استطاع تخطيه أو تجاوزه، وإنما كانت عملية الاختراق تتم فى كل مرة عن طريق رشوة الحارس فيفتح لهم أبواب السور ليدخلوا دون عناء أو مشقة.
لتكشف هذه الثغرة البشرية ليس للصين أو للصينيين وحدهم، وإنما لكل البشر خطورة أن يكون فى داخل بيتك ووطنك من يعمل لحساب عدوك ولا يبالى بمصالح بلده أو بنى وطنه، وخطورة أن يكون بين ظهرانى الأمة جواسيس ووكلاء مدسوسون يعملون لصالح الآخر، فى حين يبدو الأمر أنهم هم الحراس والمدافعون عن الوطن!
نعم تلك هى الكارثة أن يكون بلد كحال بلدنا العزيز «مصر» يمر بحالة حرب حقيقية، وحدوده مهددة من جهاتها الأربع، وتتآمر عليه قوى الشر فى العالم كله شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، ويتلقى الضربات الموجعة واحدة تلو الأخرى من كل صوب وكل جانب، ويكون فى موضع المسئولية فى أماكن مهمة وحساسة منها عناصر تنتمى إلى تنظيم إرهابى عميل عدو يعمل لصالح عدوه وينفذ مخططاته، ويعمل على إضعاف قوة الدولة وتقوية ضعفها ويطعنها فى ظهرها.
نعم هى كارثة كبرى، أن نغفل أو نتغافل عامدين عن ملف من أخطار ملفات الأمن القومى المصرى إن لم يكن أخطرها، ألا وهو ملف «الأخونة» داخل مؤسسات الدولة ، بتلك الوحوش الضارية التى تنهش فى جسد الدولة نهشًا، وتدل عدوها على عوراتها ومناطق ضعفها ليعمل على تقوية ضعفها، كما تدله على مناطق قوتها ليعمل عدونا وعدوك ـ سيادة الرئيس ـ على إضعاف قوتها.
سيادة الرئيس السيسى، لا أظنك تجهل ـ وأنت من أنت ـ كيف أن عناصر الجماعة الإرهابية، والذين لا يزالون يمارسون عملهم منذ تم تسكينهم فى الوظائف الحكومية، منذ حكم الإخوان ومن قبل حكمهم، يعملون كرادارات بشرية تنقل كل صغيرة وكبيرة داخل مؤسسات الدولة إلى أعداء الدولة فى الداخل والخارج، وأن استمرار وجودهم فى مواقعهم ومناصبهم وعدم إبعادهم بل ومحاسبتهم ليعد جريمة فى حق الوطن أكبر من جريمة الخيانة العظمى التى يرتكبها هؤلاء، إذ إن الرائد لا يكذب أهله، كما أن المسئول مؤتمن.
ودعنى ـ سيادة الرئيس ـ أقص عليك حادثة عايشت وقائع فصولها بنفسى، على اعتبار أنى لا أجد وسيلة للتواصل معك غير هذا القلم وهذه المساحة، وعلى اعتبار أن ناقل الكفر ليس بكافر.
هذه الواقعة التى سوف أقص فصولها باختصار شديد غير ممل ـ ولكنه غير مخل ـ وإن كانت غير مقصودة لذاتها وإنما المقصود ما تدل عليه من كونها تكشف عن حجم الكارثة التى نعانى منها فى بلدنا، ليس فقط من كون مؤسسات الدولة تحتوى على جواسيس يعملون لصالح جهات معادية ولكن الأخطر منها أن من بيده الأمر لا يبالى بهذا ولا يعطيه اهتمامه.
تدور وقائع قصتنا ـ سيادة الرئيس ـ فى إحدى مؤسسات الدولة التابعة لوزارة التنمية المحلية تحت قيادة الوزير المحترم «أحمد زكى بدر» ـ والذى تواصلت معه شخصيًا ولم يحرك ساكنًا! -، حيث إن موظفًا إخوانيًا، يعمل على إثارة المواطنين على الدولة وعلى سيادتكم شخصيًا ـ سيادة الرئيس ـ تمهيدًا لما يسميه الفصيل الإرهابى الذى ينتمى إليه بالثورة على الرئيس والدولة فى يناير القادم، ويعمل على تنفيذ ذلك بزعم أن ما يقوم به من أذية المواطنين فى أحوالهم و«لقمة عيشهم»، إنما هو بتعليمات حكومية، وأن هذا هو نتاج ما اختاره المواطنون لأنفسهم بالثورة على الرئيس المنتخب المؤمن، يقصد بذلك الرئيس الخائن الجاسوس: «محمد مرسى» واختيارهم لمن لا يراعى مصالحهم.
إلا أن القصة لا تنتهى عن هذا الحد، ـ ويا ليتها انتهت ـ بل وصل أمره أن تطاول وفى مكتبه داخل إحدى مؤسسات الدولة وبحضور عدد من المواطنين ـ على جيش بلادنا العظيم واتهمه وقياداته بالشذوذ الجنسى، بل واتهم أجهزة الاستخبارات التابعة له بتدبير الحوادث الإرهابية فى سيناء وغيرها وقتل الجنود المساكين!
سيادة الرئيس.. ليس ما قصصته على سيادتكم هو الأسوأ فى الأمر أو هو المقصود بالحكاية، فوارد أن يكون بيننا خائن حتى فى حالة الحرب، ولكن الأسوأ والأخطر، وما لا يمكن السماح به أو قبوله أو التغافل عنه، هو أن يصل ذلك إلى المسئول، فلا يحرك ذلك فيه غيرة على وطن أو جيش أو رئيس!
ذكرت لك سيدى الرئيس أننى أبلغت الوزير ـ شخصيًا ـ بالأمر، ولم يهتم ولم يتحرك، وأزيدك من الشعر بيتًا فأخبرك، أننى أبلغت مساعد وزير الداخلية ـ شخصيًا ـ هو الآخر بالاسم والصفة والعنوان وبسائر تفاصيل الواقعة ولم يبال بدوره!
لتتبدى الكارثة الكبرى أننا أمام مؤسسات كبرى فى الدولة لا تعمل، ولا تريد أن تعمل وأن المؤسسة الوحيدة التى تعمل هى المؤسسة التى تتحمل فوق طاقتها بل فوق طاقة البشر، وهى المؤسسة العسكرية، فهى الوحيدة التى اهتمت أجهزتها للمعلومات بتتبع الأمر وبدأت ـ وحدها ـ فى العمل على طريقتها.
سيادة الرئيس... ليس الخطر فقط فى كوننا مخترقين إلى أقصى العمق داخل أجهزة دولتنا، ولكن الخطر الحقيقى أننا لا نحس بالخطر ولا نريد أن نقاومه!
اللهم بلغتُ... اللهم فاشهدْ.