السبت 05 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

البوابة ستار

فيلم إيراني لن يراه «خامئني»

والأديب والناقد السينمائى
والأديب والناقد السينمائى المغربى، مصطفى المسناوى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الدورة الحالية لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى تحققت أمنية المسناوى الأخيرة، فقد كان يشعر بأنها الزيارة الأخيرة له إلى القاهرة، وقام بالاتصال بجميع أصدقائه القدامى الذين تجمعه معه صداقة حتى ولو كانت تلك الصداقة قد ضلت طريقها في فترة من الفترات.
عشق المسناوى لمصر دائم، هو دائمًا ما يتواجد في كل احتفالاتها وفى فترة مرضه الأخير انتابته تلك الأزمة الصحية قبيل المهرجان بأيام وقد نصحه أصدقاؤه بعدم السفر إلى المهرجان بعد تعبه، لكن ردة كان حاسما، «وكيف أرفض دعوة محبوبتى»، فهو عاشق لمصر للدرجة التي جعلته يزورها في عام واحد ٢٠ مرة.
كما عشق المسناوى شوارع مصر وكان على دراية بها، يعرف الشوارع والمقاهى والممرات، لا يعتبر نفسه غريبا عنها أبدا، لذلك لن تشعر وأنت تجلس معه بأنه غريب عنك، بل هو مصرى ابن بلد.
قبل وفاته بيوم تحدث مصطفى مع أصدقائه عن رأيه في مهرجان القاهرة السينمائى بصراحة شديدة وقال إن الدورة الماضية كانت مكثفة، وبها مجهود واضح، وبشكل عام يرى أن الأوضاع في البلد، ويقصد مصر، تسير في طريق أفضل: الشوارع أفضل ما كانت عليه في الماضى، لكنه ما زال عند رأيه أن مصر مقصودة من كيانات إرهابية وصهيونية، وكذلك المغرب، وأنه يجب علينا الصمود وعدم الاستسلام.
«القاهرة السينمائى» يؤبن المسناوى
كانت إدارة مهرجان القاهرة السينمائى الدولى قد نظمت حفل تأبين للكاتب الصحفى والأديب والناقد السينمائى المغربى، مصطفى المسناوى، الذي وافته المنية أثناء قيامه بتغطية أعمال الدورة السابعة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، وبدأت الحفل الدكتورة ماجدة واصف رئيس المهرجان بالحديث عن علاقتها الوطيدة بالفقيد، سواء في باريس أو مصر أو المهرجانات السينمائية التي جمعت بينهما، ثم قدمت السيد محمد سعد العلمى، سفير المملكة المغربية في مصر، الذي أشار إلى دور «المسناوى» في مسيرة الثقافة والفن، منذ السبعينيات، ككاتب للقصة ثم مهتمًا بالسينما، في وقت متزامن مع ظهور نوادى السينما في المغرب، حيث وجد في السينما ما يرضى حبه للفن.
وأضاف للسينما من رؤيته كفنان ومبدع وكاتب مهتم بالرؤية وتفاصيل وأبعاد الصورة، وكل ما تختزله الصورة من خلفيات، وما تحمله من تداعيات.
وأضاف السفير المغربى: «من حبه للسينما أحب مصر، ومن حبه لمصر أحب السينما فهما شيئان في رأيى مترابطان، فكل الذين عشقوا السينما وأحبوها أحبوا مصر التي عرفناها وأحببناها قبل أن نزورها، من خلال ما شاهدناه في الصورة التي حملتها إلينا السينما المصرية». وأكد «العلمى» أن «المسناوى» كان عاشقًا لمصر وللشعب المصرى، واستدرك قائلًا: «عاشق لهذا البلد بكل ما يكتنزه من تراث حضارى وعمق ثقافى مكونه الإبداع والريادة في مختلف المجالات الثقافية والفنية». ونوه السفير المغربى إلى مغادرة «المسناوى» الحياة في توقيت «كان يمكن أن يعطى فيه ما يفرز تراكم خبراته، ووقوفه الدائم وراء السينما المغربية، بالدعم والرأى، والملاحظة الوجيهة، والفكرة المنيرة، واحتضان الأعمال الفنية المميزة». واختتم بقوله: «لم ألتق به في هذه الزيارة، وربما كان ينتظر أن نجتمع على مشاهدة فيلم من أفلام المهرجان، أو يؤجل اللقاء إلى ما بعد انتهاء الفعاليات، لكنه، وعلى غير العادة، غادر القاهرة من دون أن أعانقه العناق الذي اعتدناه».. وشكر السفير المغربى إدارة مهرجان القاهرة السينمائى على مبادرتها الكريمة بتنظيم هذا اللقاء التأبينى، كما وصفه، وقال: «مبادرة نقدرها كامل التقدير في المغرب، فهى علامة مضيئة على الحب الذي يربط بين شعبى البلدين الشقيقين، ودليل على الوشائج القوية، والمشاعر الدافئة، التي تجمعنا في مثل هذه الأحوال».
بدوره تحدث الدكتور خالد عبدالجليل، مستشار وزير الثقافة لشئون السينما، فنقل للحشد اعتذار الوزير عن عدم الحضور بسبب ظروف طارئة، ووصف «المسناوى» بأنه «واحد من أكبر الأسماء المحبة للسينما، والإنسانية»، وأكد د. محمد القليوبى على «روح التفاؤل التي كانت تميزه، وأشار إلى رحلته العلمية والعملية كأستاذ للفلسفة، وصاحب فضل في تأسيس مجلة «بيت الكلمة» التي تمثل ثروة معرفية هائلة بالنسبة لمحبى الفلسفة المعاصرة. وأنهى بقوله: «دخل السينما كمفكر، وكان ضد الفرانكفونية، ويرى أن المغرب، بثقافتها، وتراثها، وهويتها، ينبغى عليها ألا تتجه شرقًا أو غربًا، وهو شخص يدخل القلب ويشكل العقل». ونوه الناقد الأردنى، ناجح حسن، إلى أنه «أكثر النقاد اهتمامًا بتيارات ومذاهب السينما في العالم، وتطورها، ورصدًا للهوة بين سينما المغرب وسينما المشرق»، ووصف رحيله بأنه «خسارة فادحة للمثقفين وللمشهد بأكمله»، وكشف مدير التصوير محمود عبدالسميع، رئيس جمعية الفيلم، عن تنظيم أسبوع للأفلام المغربية التي كتب عنها الناقد الراحل مصطفى المسناوى وأشارت الصحفية المغربية، صفاء أغا، عن علاقتها كتلميذة بأستاذها في الجامعة، ووصفته قائلة: «مفرد بصيغة الجمع فهو أستاذ فلسفة وكاتب وباحث وناقد ومترجم».
عن الرؤساء الذين يزرعون الظلام ويحصدون الموت
مثلت «الصدمة» دور البطولة في ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائى هذا العام، حيث تلقى المشاركون نبأ وفاة الناقد السينمائى المغربى، مصطفى المسناوى، أثناء تغطيته للمهرجان. وقد عرف عنه علاقاته الوطيدة بكثير من السينمائيين العرب الذين تلقوا خبر رحيله بصدمة كبيرة.
كان المسناوى بحسب تعبير استخدمته الصحافة المغربية في وصفه «مفرد بصيغة الجمع»، فهو أستاذ فلسفة وكاتب وباحث وناقد ومترجم. وقد توفى في مصر التي أحبها إلى درجة أنه زارها ٢٠ مرة في عام واحد. وقضى ليله عمره الأخيرة فيها برفقة أصدقائه ومنهم الكاتب الصحفى أحمد فايق، حيث تناول العشاء في منطقة وسط البلد وغنى لمصر «كلمتين» وكأنها الرسالة الأخيرة له قبل أن يودعها ويغادر جثمانه أرض مصر إلى المغرب.
امتلك المسناوى في مصر صداقات وعلاقات قوية مع كل من هو شغوف ومهموم بالسينما، وهو بالنسبة لهم أيضا مرجع سينمائى مهم، يمثل تيارا قويا في المغرب مشغول ومهتم بتشريق السينما فهو ضد الفرانكفونية.
وتعد علاقة المسناوى بالسينما قوية وقديمة، فقد قدم العديد من الدراسات النقدية في السينما ومفهومها، وما يجب أن تؤول إليه، وتحديدا السينما المغربية. وكذلك علاقته بمعشوقته الأولى مصر، كانت أيضا قوية وقديمة كذلك البلد الذي تمنى أن يموت به. كما ذكر ذلك لأحد أصدقائه.
داخل الكادر
منذ المشهد الافتتاحى لفيلم «الرئيس» للمخرج الإيرانى المنشق محسن مخملباف، والذي كتب أيضًا السيناريو بالتعاون مع زوجته المخرجة مرضية مشكينى، ورأسى يملؤه سؤال: ما دور الرئيس؟ ما الذي يمكن أن يفعله الرؤساء وحدهم دون سواهم؟
يطلب حفيد الرئيس من جده آيس كريم.. يرفض الجد لأن الصغير مصاب بالسكر، يعده أن يجلسه مكانه إن أجل طلب الآيس كريم للغد.. يصر الطفل:
- لا أريد أن أكون مكانك.. أريد الآيس كريم.
يحمل الرئيس الجد حفيده على قدميه، ويقول له انظر للمدينة ويأمر رجاله.
- أطفئوا نور المدينة.
ينطفئ الضوء.. يضحك الصغير.. يقلد جده
- أضيئوا نور المدينة.
يضاء نور المدينة.
الرؤساء وحدهم يمكنهم أن ينيروا مدنهم أو أن يحولوها إلى ظلام. إضاءة المدينة بالعدل، التنوير، الحرية.. وإظلام المدينة. بالجهل، الفساد، الظلم.
يكرر الحفيد اللعبة، وفجأة لا يستجيب أحد لطلب الحفيد أو حتى طلب الرئيس..لقد قامت ثورة وأصبح الرئيس مطاردًا، مطلوبًا حيًا أو ميتًا بمكافأة تتصاعد قيمتها مشهدًا تلو الآخر، يتتبع الفيلم رحلة الرئيس المطارد بصحبة حفيده إلى المجهول، تجربة تتماس مع خطى المذنبين في جحيم دانتى.
يتصرف الرئيس في بداية هروبه بصلف وغرور الديكتاتور.. فيجبر حلاقًا في قرية تحت تهديد السلاح على أن يحلق له شعره.. لكن اضطراب يد الرجل يجعله لا يستطيع أن يحلق ذقنه، فيجبره على خلع ملابسه ويأخذها منه ليرتديها، ويخلع ملابس ابنه لحفيده، يطالبه كلص أو قاطع طريق بنقود، لكن الحلاق لا يملك غير فقره وخوفه.
يتخفى الرئيس كراعٍ للأغنام بينما الطائرات الهليكوبتر تتجول فوق رأسه بحثًا عنه، لكنه ليس الراعى الصالح، إنه الراعى الذي أسلم شياهه للضباع.. يرمى الرئيس مسدسه في بحيرة، يتخلص من سلاحه حتى لا ينكشف أمره، يتخفى وسط الذين لم يعرفهم يومًا، يمر بإحدى نقاط التفتيش حيث تحول الجنود من حماة للشعب إلى ثعالب تسرق كروم الشعب ودجاجاته، الجنود الذين يعلن قائدهم أنهم لم يستلموا مرتباتهم منذ ثلاثة أشهر، يتحولون إلى لصوص، عصابة تقطع طريق المارة بحجة التفتيش عن الرئيس، ولكنهم يستولون على ما مع الأفراد من نقود أو مشتريات، ولأن السرقة حين تبدأ فليس لها حد أو رادع طالما كنت تحمل سلطة مدفع رشاش، فلا يكتفى الجنود بسرقة بضاعة الفقراء بل يسرقون أيضا شرفهم، ويغتصب قائدهم عروسًا شابة تحت سمع وبصر عريسها وأهلها والرئيس وجميع الموجودين بنقطة التفتيش، هكذا ببساطة تمر لحظات لا نجد على الشاشة غير الصمت والعجز، تقطعه صرخات الشابة: اقتلونى.. اقتلونى. فينطلق رصاص الجنود نحوها، مانحين إياها رحمة أبدية لن تحصل عليها في حياتها، الجو الضبابى المسيطر على الفيلم. الشمس التي لم تشرق في أي مشهد تكثف كل معانى الحزن والاضطراب الذي يعم هذه الدولة، يتواصل هروب الرئيس، وأينما حل يحل الموت كطاعون يتعقب خطواته ليحفر قبورًا أودت تصرفاته بحياة أصحابها.
على متن عربة مكشوفة يلتقى بمجموعة من المعتقلين السياسيين الذين تعرضوا للتعذيب في معتقلاته، رجال منهكون، جسديًا وروحيًا، وآثار التعذيب واضحة على أجسامهم.. أقدامهم تعانى من التقرحات. لا نعرف إن كان تم الإفراج عنهم. أم أنهم هربوا من المعتقلات.. يشتبه الراكبون فيه ويقول له أحدهم إن وجهه مألوف، يسأله هل كنت في السجن؟ في المعتقل؟ فيلتقط الرئيس الخيط، ويدعى أنه كان معتقلًا سياسيًا، يقضى جزءًا كبيرًا من طريقه معهم يشاركهم سيجارة تدور من فم.. لفم نفسًا نفسًا، يتشاركون زجاجة خمر، يغسل لأحدهم قدميه المقرحتين. يحمل كل رجل يستطيع السير رجلًا مصاب القدمين.. يحمل الرئيس أحدهم.. ذنوبه يحملها على ظهره يطوف بها، يتبادلون الحكى عن نضالهم، يحكى الشاب الذي يحمله الرئيس أنه أحد الذين اشتركوا في اغتيال ابن الرئيس بالتبنى وزوجته.. يكاد الرئيس أن يلقيه من فوق ظهره، يهجم عليه، يوسعه ضربًا.. لكنه يتراجع مخافة افتضاح أمره، فيمضى مثقلًا بعذاباته ويديه المغلولتين، وثأره الذي لم يأخذه.. ماذا لو أنه لم يعد لديك سوى أن تحمل قاتل ابنك على كتفيك كى تنجو بحياتك.. هل تتضاءل نفسك أمامك في ساعتها..؟ هل تعرف حجم القهر الذي يتعرض له مشلولو الأيدى والموثقون تحت تهديد السلطة والسلاح؟.. أذاق الفيلم الرئيس معنى القهر.. وجعله شاهدًا على ما زرعت يداه من ظلمة وخراب ودمار في النفوس والأرواح.. يقترب أحد المعتقلين من دياره.. وبرومانسية آسرة، مغلفة بحزن شجى نبيل، يتخللها عذابات وآمال، يحكى العائد عن زوجته حبيبته التي تنتظره، وعن قصة حبهما التي صارت مضرب المثل.. يحكى عن تعذيبه في السجن، وكيف كان حبه لها هو منقذه وخلاصه، الحب هو ما جعله يقاوم ولا يموت.. يرفض أن يذهبوا به محمولًا على ظهورهم.. لأن مشهده هذا سيزعج حبيبته.. يقترب من البيت زحفًا على ركبتيه.. تبدو براعة المخرج.. في مشهد لا يمكن أن ينسى، يقف المعتقلين بعيدًا والكاميرا تركز على الوجه المحب، وخارج الكادر يأتى صوت زوجته متفاجئًا بعودته.. اللهفة في صوت المعتقل.. الاضطراب لا الفرح يهز صوت الزوجة، والسؤال: هل أنت حي؟.. وقبل أن يجيب المعتقل حتى من باب مواصلة الحديث، والإجابة عما هو مجاب عنه ضمنيًا، يصفع أذنه صوت بكاء طفل.. تجيب المرأة دون أن يسأل: ابنى عنده ستة شهور.. فهم المعتقل لكنه تشبث بقشة سؤال يراوغ به بلا وعى: إزاى وأنا معتقل من خمس سنين، يزداد عدد وكثافة الأصوات خارج الكادر ويتجلى صوت رجل يكمل الفاجعة ويعيد المعتقل لمحبسه بلا جدوى، فيمسك الأسير بمذراة القمح وينحر بها نفسه.. خراب كل ما زرعت..ملعونة الأيام التي عشت، لا عفو ولا مغفرة، رفع الرب يديه.
خارج الكادر
طوال مشاهدتى للفيلم وأنا أحمد الله أن هذا لم يحدث في مصر.. فلا يمكن لأحد أن يدعى أن هناك أي إسقاط من بعيد أو قريب على الحالة المصرية، وهذا لم يحدث في أي من الثورات المصرية ١٩٥٢، ٢٠١١، ٢٠١٣ وأن البيادة المصرية التي يسخر منها بعض المتحذلقين على مواقع التواصل الاجتماعى كانت بيادة مصرية، شريفة، منضبطة، واعية لدورها الوطنى والتاريخى، وإذا كان البعض يقول إن رجال النظام قد حافظوا على «مبارك»، وحفظوا له كرامته لأنه ابن المؤسسة العسكرية، وكان لسنوات طويلة رأسها ورمزها. فإننى أعتقد أن الجزئيات لا تنفصل عن الكليات. والوعى يجعلنا ندرك أن الغوغائية لا تبنى دولًا، وأن القانون والانضباط يحمى أفراد الشعب قبل المسئولين.
كلاكيت
يقول المخرج محسن مخملباف: «اكتشفت أن المشكلة ليست فقط في الحكام الديكتاتوريين، لكن أيضًا في الثقافة وفى النظام الديكتاتورى والثوار الذين هم في غالبيتهم من المتأثرين بثقافة العنف».