لى أصدقاء لم أقابلهم فى حياتى وكيف أعتبرهم أصدقاء؟ لأن معنى كل كلمة عربية فى داخلها كما علمنا الدكتور زكى نجيب محمود، فالصديق من يصدقك القول والرفيق من يرافقك فى الطريق، والزميل من يزاملك فى العمل... إلى آخر ما يعتبره البعض مترادفات لها نفس المعنى، ولكنى بعد أن قرأت كتب الدكتور زكى نجيب، أدركت غنى اللغة العربية وتحديدها ولأن لكل كلمة معنى، فأنا أعتبر الدكتور خالد منتصر الطبيب العالم وكاتب المقال صديقى، لأنه يتكلم بالصدق ويصدقنى القول وقد كان شاهد عيان على ماحدث فى كلية الطب من رفض بعض الطلبة لإقامة حفل لفرقتى (المصريين)، وكتب عنها والحقيقة أننى رغبت فى مقابلته لأوضح بعض ما أعرفه ولم يعرفه هو، وأستفيد بمعرفته التى لم أعرفها أنا ولكنى استمتعت بحلقة تليفزيونية مع المذيع محمد عبد الرحمن الذى فاجأنى بأنه على قدر كبير جدا من العلم والثقافة، وما أمتع أن تستمع إلى اثنين من العلماء يتحاوران.
وقد شخص الدكتور خالد عصرنا بعبارة تحمل معانى كثيرة، وتحمل المسئولين مسئولية أكبر فقد قال «دخلت الخرافة إلى المعمل» ولما سأله المذيع أن يفسر هذه العبارة قال «إن العلم لا يهتم وليس فى حرب مع الدين ولكنه يتبع أخلاقيات معينة وكل ما يعنيه هو (فى الطب) مصلحة المريض» وأضاف أن الاكتشافات العلمية ليس مجالها الإعلام ولا الإعلانات، بل الندوات العلمية والمجلات العلمية، ولا ثالث لهما، أضاف أيضا أن العلم يجرب ويستخلص النتائج، فعند تجربة أى دواء جديد يعطى ٢٠ مريضا متطوعا الدواء ويعطى ٢٠ آخرون ماء وتستخلص النتائج، فقد يكون من العشرين الأولين من لم يستفد بالدواء، ويكون من العشرين الآخرين من تحسنت حالته لارتفاع معنوياته لأنه يظن أنه عولج بدواء.
وكانت الحلقة التليفزيونية موسعة تحدث فيها الدكتور خالد عن أن اعتبار ١٩٦٧ انتقامًا من الله لأننا وضعنا أيدينا فى أيدى السوفيت، وأن التسونامى انتقام إلهى، هو انتقاص من التفكير العلمى السليم، وأن الكلام عندنا أشد من الفعل، ونثق فى التراث أكثر مما نثق فى الحداثة وضرب مثلًا أن جاليليو أثبت بالفعل أن الأجسام تنجذب إلى الأرض بنفس السرعة عكس ما قاله أرسطو، ثم جاء داروين ليشرح لماذا؟، ووضع قوانين الحركة الثلاثة المعروفة وتطبيقاتها العملية، وأضاف «قال أرسطو إن أسنان الرجل أكثر من أسنان المرأة واسأل أى دكتور أسنان وسوف تكون إجابته أن عدد الأسنان واحد عند الرجل أو المرأة».
ولأن الحديث استرسل ولأن المذيع النابه أدار الحلقة التليفزيونية بما يشبه الندوة، فقد أجاب الدكتور خالد بحقيقة مؤكدة، وهى أننا مجتمع كاره للعلم، ولو أن البرامج العلمية المشوقة لها عشاق كثيرون، وأشار إلى حلقات الدكتور مصطفى محمود (العلم والإيمان) وقال إن أى برنامج علمى يصاغ بطريقة جذابة سيجتذب عددا لا يستهان به من المشاهدين ثم أردف قائلا «ولأنك لا تستطيع أن ترسم بقوس الكمان، ولا أن تعزف عليها بفرشاة الرسم، فلابد أن تدخل إلى المعمل، وأنت محايد تماما من كل الأفكار المسبقة، وإياك من التفكير بالتمنى، لأن معظم من يدخلون المعمل الآن يريدون إثبات شيء بعينه وهذا منافٍ لروح العلم والبحث العلمى، ولأن الدين ثابت قواعده وأحكامه ونواهيه، والعلم متغير، فما نعلمه الآن لن يكون هو العلم فى المستقبل القريب فما بالك بالبعيد».
ولأنى كنت أشاهد الحلقة مع صديق واحترم هذا الصديق استغراقى فى المشاهدة، فبعد أن انتهت الحلقة قال لى «مالك أنت والعلم أنت مش فنان؟ تقعد تسرح بخيالك فى الألحان أو تسمع لبيتهوفن أو شوبان أو عبد الوهاب أو أم كلثوم» قلت والحسرة تملؤنى «نحن نغفل أن الموسيقى علم وأن لها لغة وقد أساء إلى لغة الموسيقى من أفتى بغير علم، وقال إنها لغة تفهمها الطيور وترقص عليها الخيول، وعلى أن الدراسة تصقل الموهبة وكأنها منضدة أتينا باستورجى ليلمعها، فأظن أن الهم سواء فى كل مناحى الحياة وأن الخرافة دخلت إلى المعمل».