لا يشك متابع للحرب الإعلامية والاستخباراتية، والتى تعرضت لها مصر بمجرد سقوط الطائرة الروسية على أرض سيناء الطاهرة، تلك الحرب التى شنتها عدة أجهزة استخبارات عالمية ليس أقلها الاستخبارات الأمريكية والبريطانية فضلًا عن جهاز استخبارات الكيان السرطانى المحتل لأرض فلسطين الغالية!
فبمجرد سقوط الطائرة استخدمت أجهزة الاستخبارات آنفة الذكر جميع وسائلها وأبواقها من جميع وسائل الإعلام كالصحف والفضائيات الغربية والشرقية بل والعربية، لتعلن أن الحادث قد نجم عن عمل إرهابى حيث استطاع الإرهابيون من خلاله زرع قنبلة داخل جسم الطائرة.
بل لقد قفزت تلك الأجهزة عن طريق وكلائها وعملائها فى وسائل الإعلام الغربية والعربية قفزة فى الهواء، فحددت التنظيم الإرهابى، بل وحددت عضو التنظيم الذى وضع القنبلة بيده.
فلقد زعمت وسائل الإعلام تلك أن تنظيم «داعش» الإرهابى هو المسئول عن الحادث، وأن أحد أفراده ويدعى «أبو أسامة المصرى» هو من وضع القنبلة على متن الطائرة قبل إقلاعها وكأنهم كانوا معه أو كانوا يساعدون فى وضعها أو أنهم هم أمروه بذلك.
وبغض النظر عن كون هذه الفرضية غير منطقية، حيث لا يعقل أن يتسلل هذا الإرهابى إلى الطائرة فيدس فيها القنبلة، ثم يعود إلى بيته من غير أن يكون هو أحد ركاب الطائرة.
إلا أن اللافت للنظر بحق هو أن تلك الأجهزة الاستخباراتية الخبيثة حين سربت هذا الاحتمال وروجت له عبر وسائل إعلامها الخبيثة مثلها، فاتها المثل العربى القديم والقائل: «إذا كنتَ كذوبًا فكنْ ذَكورًا»، وذلك أن التنظيم الإرهابى «داعش» والذى ألصقت هذه الأجهزة التهمة به، كان قد استبقها وأعلن بنفسه عن استهدافه للطائرة، ولكن عن طريق صاروخ محمول على الكتف وليس عن طريق تفخيخ الطائرة بوضع قنبلة، فإذا كان التنظيم الإرهابى عن طريق أحد عناصره هو من وضع القنبلة فلماذا أعلن خلاف ذلك؟!
هو أمر كاشف فى ذاته عن مدى كذب وادعاء هذه الأجهزة الخبيثة، وعن مدى استهدافها وعداوتها لمصرنا الحبيبة.
فيا ترى، هل الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» ورئيس وزراء بريطانيا «ديفيد كاميرون» وأجهزة استخبارات بلادهم، ويا ترى هل قناة العربية السعودية وغيرها من القنوات العبرية، أعلم بتنظيم «داعش» الإرهابى من أنفسهم أم أنهم هم من يرسمون لهم الطريق ويحددون لهم المهام، وليس على الإرهابيين سوى الإمضاء والتوقيع، على طريقة وظيفة «السكرتير الفنى» الشهيرة؟!!
إلا أن هذه الحملة المسعورة التى شنتها تلك الأجهزة الملعونة ووسائل الإعلام التابعة لها لا تستهدف فى الحقيقة سوى عرقلة هذا البلد عن التقدم والنمو والنجاح والخروج من سيطرة الرأسمالية البشعة عليها، نعم، إنهم لا يريدون لهذا البلد الأمين أن ينمو ويكبر ويزدهر ويخرج من أسر ثلاثية: الفقر والمرض والجهل.
من أجل ذلك كانت هذه الحملة المشبوهة من أجهزة الشرق والغرب والتى شارك فيها ـ مع الأسف ـ بعض من بنى جلدتنا، وممن يتكلمون بألسنتنا ولكنهم ـ وا أسفاه ـ قد اختاروا أن يبيعوا بلدهم بأبخس الأثمان، بل اختاروا أن يبيعوا أنفسهم للشيطان راضين غير مكرهين.
إلا أنه لم يكن مقصودًا من تلك الحملة المسعورة ضرب السياحة، فهى غير موجودة بالأساس، ولم يكن مقصودًا ادعاء وجود الإرهاب على أرض مصر، إذ هو موجود بالفعل، وإن كنا نقاومه أفضل وأقوى مما تفعل أمريكا نفسها، وعلى يقين من هزيمته إن شاء الله.
وإنما المقصود ـ من وجهة نظري ـ من هذه الحملة الشريرة هو سيناء الحبيبة!
نعم... إن المقصود من كل ذلك هو استعادة أجواء النكسة فى عام ١٩٦٧ ووضع سيناء تحت الاحتلال الإسرائيلى، أو على الأقل تحت الحماية الدولية بزعم أن مصر غير قادرة على تأمينها، وأن ذلك يمثل خطرًا على أمن إسرائيل.
وهو ما سارعت إلى إعلانه بعض الأبواق الإعلامية الأمريكية فى المنطقة، والتى كان منها تصريح الإخوانى الخبيث «جمال حشمت» والتى فضح بها نفسه، وكشف عن سوءته وسوءة الجماعة الإرهابية التى ينتمى إليها من أنه عما قريب سوف تنزل قوات أمريكية وبريطانية على أرض سيناء وقناة السويس.
وكذلك زعم غيره، ليكشفوا عن هدف هذه الحملة الموتورة على مصر، وأن استغلال حادث الطائرة لم يكن مقصودًا به سوى إيقاف قرار التنمية والذى انطلق فى مصر منذ شهور، وإرجاعنا إلى حالة الاحتلال مرة أخرى.
بل إننى أعتقد أن طلب رئيس وزراء إسرائيل من الرئيس الأمريكى ضم الجولان إلى إسرائيل، ما هو فى حقيقته إلا تمهيد لطلب مثله ولكنه يخص سيناء الغالية.
وهو ما يجعل الذاكرة تستدعى مباشرة كلمة الرئيس السيسى فى الاحتفال بذكرى انتصار أكتوبر منذ أيام، والتى ذكر فيها حلاوة الانتصار ومرارة الهزيمة، وذكر أن مصر لن تسمح بتكرار أحداث عام ١٩٦٧ مرة أخرى، مؤكدًا أننا متيقظون لذلك ولن نسمح لأحد بأن يعيدنا إليه.
وهو ما يدفعنا للتساؤل: هل كان الرئيس السيسى يتوقع، أو ربما يعلم أن هناك محاولات وجهودًا سوف تبذلها قوى الشر فى العالم لعرقلة مصر عن طريق المستقبل، وأن قوى الشر الكبرى فى العالم سوف تحاول استعادة أجواء العدوان الثلاثى على مصر مرة أخرى، وأن بريطانيا وهى الأرملة العجوز سوف تتصابى لتعود مرة أخرى، فتقوم بدور القاطرة التى تجرى صبيانها خلفها؟!
هل كان الرئيس يتوقع ذلك أم هو استشراف للمستقبل بقراءة التاريخ أم هى معلومات قد سربت؟!
هى أسئلة تدور فى الذهن، ربما يجيبنا هو عليها يومًا ما، أو ربما تكشف لنا الأيام عن أسرارها!
أو لعله كما قال طرفة بن العبد فى معلقته الشهيرة:
ستُبْدى لكَ الأيامُ ما كنتَ جاهلًا * ويأتيكَ بالأخبارِ من لم تزوِّدِ
ويأتيكَ بالأنباءِ من لم تَبعْ له * بَتاتًا ولم تَضْربْ له وقتَ مَوْعدِ
لعل وعسى.