تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
كل يوم يمر من أيام حكم الرئيس مرسي يدفعنا دفعًا للمقارنة بينه والرئيس السابق حسني مبارك، وبين جماعته وعشيرته، والحزب الوطني الديمقراطي.
وليس البكاء على ما مضى سبب تلك المقارنة.. فمؤشر الساعة لا يعود للوراء أبدًا، كما أن ذاك الماضي لم يأت لنا سوى بهذا الحاضر السيئ لذلك سيظل زمن مبارك هو الأسوأ وإن كانت أوضاع البلاد والعباد أفضل حالا في حينها وأكثر استقرارًا، لأن الفساد والاستبداد كانا شبه مؤسسة قامت بعدة أدوار وعمليات كان لابد أن تكون نتائجها فوضى تشبه في مظهرها الثورة ليطفو على سطحها جماعة مثل الإخوان المسلمين ليكونوا أسوأ خلف لأسوأ سلف.
بيد أن المقارنة قد تساعد على طرح المزيد من التساؤلات الصحيحة والكاشفة والتي تحمل في طياتها عظةً للمتعظين.
ولنبدأ بعلاقة الرئيس بحزبه أو جماعته، لكن الإنصاف يجعلنا نرصد هذه العلاقة بدءًا من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، إذا اعتبرنا أن مبارك كان الضلع الثالث المكمل والمتمم لمثلث حكم العسكريين في مصر منذ يوليو 52.
نظرة سريعة تجعلنا نقرأ بيسر وسهولة أن جميع التنظيمات السياسية في تلك الحقبة الممتدة لستة عقود مضت، كانت مجرد أداة من أدوات الحكم بين يدي الرئيس، فكذلك كان الاتحاد الاشتراكي والتنظيم الطليعي ومنظمة الشباب ومن بعدها المنابر وحزب مصر العربي الاشتراكي، ثم الحزب الوطني الديمقراطي.
واللافت أن تلك التشكيلات أو المنظمات السياسية كان كل منها متوائمًا مع طبيعة تطور الظروف السياسية الداخلية لحد كبير، كما أنها كانت تحاول الاستجابة لما يطرأ على الخارج إقليميًا ودوليًا ولو بشكل ظاهري، مع مراعاة أن استبداد الحقبة الناصرية أدى لكوارث وأزمات كان أهمها هزيمة 67، وأن الاستجابة ـ شديدة الشكلية ـ للتطور السياسي لحكم الرئيس الراحل أنور السادات لم تؤد سوى مزيدًا من الانسداد السياسي الذي قاد الرجل الى نهايته الدامية في المنصة، فيما ساعدت استجابة الرئيس السابق حسني مبارك لما يطرأ داخليًا وخارجيًا من تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية الى التعايش مع تعددية حزبية شكلية وحرية رأي وتعبير كانت بلا سقف تقريبًا في السنوات العشر الأخيرة من حكمه، وقد مكنه ذلك من الاستمرار لثلاثة عقود متواصلة، كان الاستقرار السياسي هو العنوان الرئيسي لها لمعظم الوقت.
أما العلاقة بين الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين فتبدو على النقيض تمامًا، ففي هذه المرة تحول الرئيس لأداة في يد التنظيم السياسي ليقوم بوظيفة واحدة وهي التمكين للجماعة وما ينشر كل يوم من وثائق ومستندات ووقائع ومعلومات حول زرع عناصر الجماعة داخل الجهاز البيروقراطي للدولة، ناهيك عن سلسلة الإعلانات الدستورية والاعتداءات المتكررة على السلطة القضائية لا يخدم في الواقع سوى هذا الهدف “,”تمكين الجماعة“,”.
وهذا النوع من العلاقة يجعلنا بصدد تدشين استبداد تنظيم أو عشيرة بعينها بكل مقاليد الأمور، ولسنا بصدد استبداد فرد.. وبمعنى آخر مهما استبد الرئيس مرسي أو أصدر قرارات ومارس أفعالا ديكتاتورية، فإنه ليس من الإنصاف أن نصفه بالرئيس المستبد أو الديكتاتور، فالرجل ليس سوى أداة فعل بين يدي تنظيمه السياسي، وبعبارة أخرى فإنه لن يكون هناك تداول للسلطة وإنما استبداد بها من قبل جماعة الإخوان المسلمين عبر شخوص مختلفة.
أي إننا وبالثورة على الرئيس السابق مبارك، نكون قد تخلصنا من ديكتاتورية الفرد لنستبدلها بديكتاتورية الجماعة، لذلك سيكون التحرر منها الأبهظ ثمنًا ولن تكون ثمانية عشر يومًا كافية في شتاء مماثل لشتاء 2011 لسقوط الجماعة، ومع ذلك سيكون سقوطها الأسرع، بمعنى أنها ستكون الأقصر عمرًا لأنها بدأت بما انتهت إليه أنظمة الحكم المترنحة والآيلة للسقوط، فقد افتتحت أيامها الأولى بصدام عنيف مع كل خصومها السياسيين ولم تستطع الاحتفاظ بصديق واحد اللهم إلا المنافقين والأفاكين أمثال صاحب الدكتوراه “,”البلغارية الجنسية“,”، وأغلقت كل نوافذ الحوار، ما جعل غالبية القوى السياسية تعتقد ألا تغيير عبر مسار العملية السياسية الطبيعية.. ومثل هذه الأوضاع لا تتحقق إلا في نهايات نظام شاخ عقله وبلغ من العمر أرذله.
ثمة اختلاف آخر في طبيعة التنظيم السياسي الذي كان مجرد أداة من أدوات الحكم في أيدي الرؤساء السابقين، وأضحى أول رئيس مدني منتخب مجرد أداة بين يديه “,”أي التنظيم“,”.
ففي عهد الرؤساء الثلاثة السابقين، يمكن القول “,”إن قماشة التنظيمات السياسية كانت واسعة وفضفاضة“,”، بمعنى أنها نجحت في استيعاب شرائح وفئات اجتماعية شتى، ولم تعان أي شكل من أشكال التمييز على أساس الدين أو العرق.. كما أن المرأة وجدت لنفسها مكان الصدارة فيها“,”.
ولا يعني هذا أن تلك التنظيمات ـ بدءًا من الاتحاد الاشتراكي وانتهاءً بالحزب الوطني الديمقراطي ـ لم تفرز جماعات مصالح فاسدة لوّثَت الحياة السياسية، لكنها ـ وبالمقارنة بتنظيم جماعة الإخوان المسلمين ـ تظل الأكثر انفتاحًا على المجتمع المصري، فالجماعة لا تقبل في عضويتها إلا من تضمن أنه نشأ وتربى على مبادئها منذ نعومة أظافره، ولا تعترف بغيرهم أهلا وعشيرة ولو حتى من كانوا أعضاءً في ذراعها السياسية حزب “,”الحرية والعدالة“,”، فأبناء القبيلة وحدهم أصحاب الحق، ومن دونهم مجرد أدوات تستخدم وقت اللزوم ويتساوى في ذلك الليبرالي أيمن نور ومن على شاكلته مع السلفيين وأعضاء الجماعة الإسلامية والجهاديين وغيرهم من الإسلاميين، وذلك ما يتضح جليًا في ذلك الصراع الخفي بين قبيلة الإخوان المسلمين وحزب النور السلفي، كما يتضح تمامًا في طبيعة الدور الذي كُتب وأُخرج خصيصًا للدكتور أيمن نور ليلعبه على خشبة أسخف وأردأ مسارح السياسة.
ولأن الجماعة غير منفتحة على المجتمع المصري ستظل معزولة عنه، كما أنها ستحرص طيلة الوقت على عزلِه عنها، لتتسع الهوة فتصبح جسمًا غريبًا سرعان ما سيلفظه المجتمع، وهذا ما لم يحدث مع رؤساء يوليو ـ إن صح التعبيرـ، فبمعنى من المعاني لم يشعر المصريون أن عبدالناصر أو السادات أو حتى مبارك حكام غرباء رغم ما عانوه في سجون ومعتقلات الرؤساء الثلاثة بل إنهم جميعًا لايزالون يحتفظون لأنفسهم بنوع من الهيبة في نفوس المصريين وإن تحولت لمجرد ذكرى.
أما الرئيس مرسي، فقد ذابت هيبته ـ وللأسف الشديد ـ بين ثنايا جماعته الى حد أن بعض المصريين يشفقون على الرجل كشخص ولا يحبذون تحميله مسئولية كل ما يجري بقدر ما يحمِّلون جماعة الإخوان وعلى وجه الخصوص المرشد دكتور محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر.
وبما أننا سنكون بصدد حكم الجماعة فمن الصعب أن تحكم دون أن تملك، فالتمكين لا يعني فقط مجرد السيطرة على مفاصل الجهاز البيروقراطي للدولة، وإنما أيضًا فرض الهيمنة على مقدرات البلاد الاقتصادية واحتكار مختلف الأنشطة الزراعية والصناعية لنكون بصدد نظام اقتصادي جديد يسمى بـ“,”رأسمالية الجماعة“,” وهذا فارق جديد بين مرسي وسابقيه، فأكثر المنتقدين للحقبة الناصرية وصفوا النظام الاقتصادي بـ“,”رأسمالية الدولة“,”، بينما وصفه أشد معارضي السادات ومبارك، النظام الاقتصادي المنفتح في أيامهما بـ“,”الرأسمالية المتوحشة“,”، والملاحظ أن الدولة بالحالات الثلاث كانت موجودة بمعنى من المعاني فيما سيغيب كل من الدولة والمجتمع معًا في ظل النظام الاقتصادي الجديد الذي سيرفع شعار “,”سوق حرة مفتوحة أمام أعضاء الجماعة.. مغلقة في وجه غيرهم“,”.