الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

إديت بياف "ساحرة الفرنسيين".. نافست شهرتها برج إيفل

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المرأة الحلم.. والصوت الذي يعزف آلاف الألحان، والأداء الرائع الذي يتعدى كل اللغات.. إنها “,”إديت بياف“,” أشهر وأقرب الفنانين لقلوب الفرنسيين.. الأسطورة الفنية التي نافست برج إيفل بشهرتها، الجميلة البائسة التي اختارها الفرنسيون لتكون مغنية القرن.
ستعرف عنها الكثير فور الاستماع لصوتها وهي تغني فهي تحمل تاريخها بكل ما فيه من شجن على أحبال حنجرتها وتصدر لغة لا تعرفها سوى القلوب العامرة بالدفء والمشاعر.
ولدت بباريس في حي بلفيل المعروف بأنه حي يقطنه المهاجرون بكثرة، هي فرنسية من أصول جزائرية إيطالية، قيل إنها ولدت على قارعة طريق بالفيل شارع 72 لكن شهادة ميلادها تثبت أنها ولدت في مستشفى تينون (Tenon).. سميت إديت تيمنًا بالممرضة البريطانية إديث كافيل (Edith Covell) التي أعدمت من قبل الألمان إبان الحرب العالمية الأولى لمساعدتها ضباطًا فرنسيين على الفرار من معتقلاتهم، أما بياف فهو تسمية لطائر الدوري في نواحي باريس.
أمها ذات جذور جزائرية، ووالدها هو لويس ألفونس جازون (1881-1944) من أصول إيطالية، عارض بهلواني في الشوارع إضافة لكونه مسرحيًّا.
تُركت إديت بياف حديثة السن من قِبل والديها، وعهد بها إلى جدتها من جهة الأم عائشة سيد بن محمد (ذات أصول جزائرية). افترشت بياف في بداية حياتها شوارع العاصمة الفرنسية حقبة من الزمن تغني للناس الذين كانت تستدّر عطفهم من أجل “,”فرانك فرنسي واحد“,”، بعد أن تخلت عنها أمها الفقيرة التي كانت تخشى من تحمل مسئولية طفلة ولدت غصبًا عنها.
بياف بدأت مشوارها الغنائي مطربة شوارع، يتسمر أمام غنائها العابرون، حين يستمعون لصوت هذه الطفلة الصغيرة ، تصيبهم الدهشة حين يرون بنتًا في التاسعة أو العاشرة من عمرها وهي تصدح بأعلى صوتها تجمع النقود لوالدها الذي تعب من حياة البهلوانية. ثم لحقت بها إحدى الفتيات اليتامى، فكانت هي التي تمد يدها إلى الناس وتجمع النقود في علبة صغيرة بعد أن تكون بياف قد صدحت بكل أغانيها، لتصبح صديقة لها على مدار الحياة. لكن كثيرًا ما كانت تغار منها وتحدث بعض المشاكل بينهما.
تعتبر إديت بياف أيقونة عالمية في مجال الغناء. غناؤها عكس حالة غريبة من الألم والبؤس اللذين رافقا حياتها. كان ولا يزال صوتها كاسرًا للقلوب. وقد قدمت بياف عدة أعمال مسرحية وسينمائية.
وفي سنة 2007 ظهر فيلم يروي سيرتها الذاتية بعنوان “,”La Môme“,”، وفازت الممثلة التي جسَّدت دور إديت “,”ماريون كوتيار“,” بجائزة أوسكار أفضل دور لسنة 2008. وأصبح “,”الحياة الوردية“,” أول فيلم سينمائي فرنسي يفوز بجائزتين في الأوسكار.
وأشهر أغاني “,”إديت بياف“,” التي يتغنى بها العالم أجمع: “,”الحياة الوردية 1946“,” ‘La vie en Rose’. و“,”لا لست نادمة على شيء 1960″ ‘Non je ne regrette rien نشيد الحب 1949 ‘Hymne l’amour’.وتتحدث عن الزحمة التي رمتها صدفة بالحب، ولقد صدرت عدة كتب تروي السيرة الذاتية للمغنية الراحلة، لكن رغم ذلك لا يزال الغموض يلف حياتها.
وفي أحد الأيام كان أحد الأشخاص مارًا في شارع صغير بالقرب من الشانزليزيه الشهير فوجد المارة واقفين يستمعون إلى طفلة صغيرة تغني. وكان هذا الشخص بورجوازيًا كبيرًا يلبس أفخر الثياب. فتوقف معهم وبعد لحظات فقط سحر بهذا الصوت القادم من أعماق الشعب، فتقدم من البنت الصغيرة وسألها عن اسمها ثم أعطاها ورقة نقدية كبيرة لا تحلم بها عادة مطربات الشوارع الشعبيات.
كما أعطاها عنوانه الشخصي، فإذا به مدير لإحدى أكبر المسارح ودور الغناء الباريسية، وحدد لها موعدًا للاتصال به أو لزيارته مباشرة في مكتبه.
اكتشف موهبتها لويس لوبلي، وعندما ذهبت إليه غيرت ثيابها وصعدت على خشبة المسرح وغنت فسحرت الجميع فقال لها: “,”بعد اليوم لن تغني في الشوارع يا صغيرتي، بعد اليوم سوف تغنين هنا في هذه الصالة الفخمة كبقية المطربات المحترمات. فأنت سيدة الغناء الفرنسي أو ستصبحين سيدته بدون منازع. هل تعرفين أنك لست إنسانة عادية؟“,”.
كان عمرها آنذاك 15 عامًا أو ربما أكثر قليلًا. وأصبحت مشهورة واستطاعت أن تصبح أكبر مطربة في تاريخ فرنسا.
عندما تعرف عليها الكاتب الشهير جان كوكتو جن بها جنونًا، وراح يتوسط لها لدى الإذاعة لإدخال أغانيها فيها، شرع في كتابة المسرحيات لها كي تمثلها. وكتب عنها نصوصًا رائعة، وقال إنها تجسد في شخصها عبقرية الغناء الفرنسي منذ الأزل: أي منذ أن وجد هذا الغناء. وقد التقى بها كوكتو لأول مرة في 14 فبراير من عام 1940. وقال لها كوكتو بعبقريته الخلاقة هذه العبارة: “,”أنت أتيت من أعظم مسرح في العالم: مسرح الشوارع والحياة. أنت أميرة الغناء الفرنسي يا سيدتي، أنت أميرة الشقاء الفرنسي والفجيعة الفرنسية. فرنسا كلها تحت قدميك، فرنسا كلها تجسدت فيك، بعد ذلك قام الموسيقى “,”ريموند أسّو“,” بتولي بياف وأدخلها إلى دور الغناء الراقية وكانت رحلة المجد، ولكن كان الكحول والحزن الشريكان الأهم لحياة بياف الدرامية لاسيما بعد فقدان طفلها إثر إصابته بالتهاب السحايا.
بعد وفاة ابنها بفترة أحبت الملاكم الفرنسي العالمي “,”مارسيل سيردان“,” الذي التقته في أمريكا، إلا أن وفاته المفاجئة إثر حادث تحطم طائرته القادمة من باريس عندما كان قادمًا لزيارتها جعلها تُصاب بهذيان كبير، تعرضت من بعده لحادث سير أدى إلى كسور في جسدها جعل منها مدمنة على المورفين الذي كان يستخدمه أطباؤها لتسكين أوجاعها.
علي قدر ما كان مارسيل سردان بطل العالم للملاكمة في الوزن المتوسط لعام 1948 يشغل بال المغنية الفرنسية الشهيرة إديت بياف خاصة أنه كان يلقب بالقنبلة الطائرة المغربية. كان هناك رجل آحر في حياتها يشغل مشاعرها.
وعلى مدى سنة كاملة كانت المغنية الشابة تميل إلى بطل سباق الدراجات الفرنسي لويس جيراردان، ولكن في أقصى درجات السرية، حتى جاء الوقت الذي ظهر فيه إلى العلن من خلال رسائل الحب التي كشفت فيها بياف عن حبها الجارف لهذا الرياضي.
لويس جيراردان المعروف بـ(توتو) كان رسامًا هندسيًا سابقًا لدى شركة رونو للسيارات. وكان مهووسًا بسباق الدراجات، ونال بطولة العالم للهواة في سباق الدراجات السريع عام 1930 وكان أيضًا شابًا متعدد المواهب ونال بطولة فرنسا لمرات عدة في سباق الدراجات. وسحر المشاهدين خلال سباقه الثنائي مع بطل سباق آخر للدراجات هو لوسيان ميشار على ميادين السباق الشتوية في فرنسا.
بدأت علاقة بياف وتوتو وكانت على أشدها فراحت تكتب له الكثير من الرسائل خلال الفترة الواقعة بين نوفمبر وسبتمبر 1952 لكن المراسلات غير المنشورة عرضت في مزادات كريستي عام 2009 تحت عنوان “,”حبي الأزرق“,”. حيث تبدأ بياف رسالتها معلنة بطريقة لا لبس فيها عن حبها الشديد لجيراردان فتقول له: “,”أحبك بكل ما أملك من قوة في قلبي وروحي وأعلم أنه لن يكون أحد سواك بعد ذلك. وأريدك أن تكون حبي الوحيد“,”.
وعلاوة على هذه الرسائل الكثيرة لم توفر بياف الوقت أبدًا لإغراق حبيبها بالبرقيات والمكالمات الهاتفية القهرية أحيانًا .
من يتابع رسائل بياف لكل من مارسيل سردان ولويس جيراردان يلمح الأسلوب نفسه في الحب الذي يصل إلى حد الجنون والهوس والغيرة على كل منهما. إلا أن البقاء للحي كما يقولون. فموت سردان جعل بياف تتعلق بجيراردان بكل ما أوتيت من قوة وربما نفهم ذلك من رفعها صورة مارسيل من أماكن وجودها كي لا تضايق حبيبها الجديد جيراردان. والحقيقة أنه لم تظهر أي من رسائل جيراردان لها. فهو ربما لم يمتلك موهبة الكتابة وهذا ربما يبدو من رسائلها حيث تقول له: “,”إنك لا تكتب لي أبدًا“,”.
ويشير جاك مارثون الذي كان يعرف الرجلين سردان وجيراردان جيدًا إلى أن الثاني كان يحب الاحتفاظ بالسرية في علاقته مع بياف وكان يقول فقط: “,”المعذرة. عليّ الذهاب عندي موعد مع بياف.. ووصلت عدد الرسائل إلى 54 رسالة حب كتبتها المغنية إديت بياف، الرسائل مكتوبة بحبر أسود حينًا وبلون الفيروز أحيانًا، موجهة إلى بطل سباقات الدراجات لوي وحصيلة البيع ما بين 60 ألف و90 ألف يورو.
وتخاطب بياف في هذه الرسائل حبيبها بعبارات مثل “,”سيدي المحبوب“,” و“,”حبي الأزرق“,”، بينما تصف نفسها في الرسائل بأوصاف من نوع “,”أنا المسكينة“,” و“,”طرفك التابع لك“,”. وهي تؤكد في إحدى رسائلها أنها عرفت الحب الحقيقي معه لأول مرة في حياتها، ولهذا فإنها تعتبره “,”أستاذها في فنون الغرام“,”، وستتبع نصائحه بشكل أعمى. ولكن العلاقة بين بياف وحبيبها البطل انتهت في صيف 1952 عندما تزوجت من المغني الشاب جاك بيلس، رفيقها في جولتها الفنية الأمريكية التي حققت في بداياتها نجاحات في نيويورك، لكنها انتهت على غير ما تشتهي بسبب تدهور صحتها.
قدم عنها الكاتب الفرنسي دافيد لوليه، المختص بشئون المسرح والفن وتاريخ الأغنية الفرنسية، كتابًا أكد فيه أنها تعرفت على رجال كثيرين في حياتها، وفي كل مرة كانت تهدي لحبيبها المنتخب نفس الأشياء: سلسلة ذهبية، قداحة ذهبية، طقمًا رائعًا، كرافتات.. ثم عندما تنتهي العلاقة تغلق الباب في وجه القديم، كي تفتحه في وجه الجديد، الذي سينعم بنفس الأشياء قبل أن يختفي بدوره.. ولا أحد يعرف أن يحصي عدد عشاق إديت بياف من مشهورين أو غير مشهورين، ولكن يمكن أن نذكر من بينهم إيف مونتان الذي ساعدته حتى وصل إلى القمة بدوره، ثم تركته، فلوعته. وكان الفراق الأبدي. كانت القطيعة المرة. حتى الكون راح يتآمر على حبه لها! وعلى أثر ذلك غنى إيف مونتان إحدى أجمل أغانيه “,”الأوراق الذابلة“,”. ويكفي إديت بياف فخرًا أنها ألهمته هذه الأغنية الخالدة. فلولاها، لولا الوداع الأخير والقطيعة، لولا لوعة الهجران والفراق لما كانت “,”الأوراق الذابلة“,” وتلك اللهجة الغنائية الحنونة التي لا تضاهى لإيف مونتان. وهي من أروع أغاني الطرب الفرنسي قاطبة. إديت بياف لا تتأسف على شيء، لأنها ذاقت طعم المرارات حتى الثمالة، ولأنها تعرف أن الحياة قصيرة والحب دائمًا على وشك الخطر، وبالتالي فلنأخذ الحياة كما هي ولنعشها على هوانا ولم تكن تغني جيدًا إلا عندما تكون في نشوة حب جديد، أو عندما يكون قلبها مجروحًا وممزقًا بعد قطيعة حب قاتلة ومريرة، لم تكن تناسبها الحلول الوسط: إما القاعدة وإما القمة. لنا الصدر دون العالمين أو القبر.. وفي الحب كانت المرأة الأكثر طهارة وبراءة والأكثر بساطة. وكانت تصلي كل يوم قبل أن تنام. وأما هي فكتبت تقول: “,”عندما تقرأون هذه الرسالة التي لن تُنشر إلا بعد موتي أرجوكم لا تبكوا عليّ، عيشوا، أحبوا، افرحوا، وإلا فإنكم لستم أوفياءً لي“,”.أُصيبت بياف بتشمع في الكبد وشلل جسدي واكتئاب حاد أدى إلى وفاتها في 1963 عن عمر يناهز 47 عامًا. لتبكي عليها فرنسا كلها.