الأربعاء 02 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

الوجه الآخر للزيني بركات

مراسل حربى ومؤسس "أخبار الأدب"

الزيني بركات
الزيني بركات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا تقتصر مجهودات الروائى الراحل جمال الغيطانى على مجال الأدب، بين كتابة الرواية والقصة، بل تمتد ميادين تألقه فى حقول كتابية أخرى، أبرزها الصحافة، حيث نستطيع القول يقيناً إن جمال الغيطانى ترك بصمة مؤثرة وفارقة فى مجال الصحافة، وخاصة الصحافة الثقافية، حيث كان المؤسس الأول لجريدة «أخبار الأدب» التابعة لمؤسسة أخبار اليوم، وهى الصحيفة التى ساهمت بشكل أساسى فى بلورة جيلين أدبيين على الأقل، فى مصر، والمنطقة العربية قاطبة.
والأمر لا يقف عند هذا الحد، فالمنجز الصحفى المهنى لجمال الغيطانى بدأ فى ستينيات القرن الماضى، عندما عمل كمراسل حربى فى جبهة القتال بين مصر والكيان الصهيونى، بخلاف تغطيته للقتال فى عدّة جبهات مختلفة فى سوريا والعراق وغيرهما.
ولا ننسى هنا الجهد الكبير فى تأسيس سلسلة الذخائر التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، والتى ساهمت هى الأخرى فى تثقيف أجيال متعاقبة من الأدباء والقرّاء المصريين، حيث عنيت هذه السلسلة بإعادة نشر التراث العربى.
الغيطانى على الجبهة
فى العام ١٩٦٩م أصدر جمال الغيطانى كتابه الأول، وهو المجموعة القصصية (أوراق شاب عاش منذ ألف عام)، وبعد ذلك انتقل للعمل كمراسل حربى، حيث غطّى الحرب فى جبهة القتال المصرية الإسرائيلية، لحساب جريدة «الأخبار» المصرية، فشهد حرب الاستنزاف، ١٩٦٩-١٩٧٠م، ثم غطى الجبهة فى حرب ٦ أكتوبر ١٩٧٣م، مقسّماً جهوده بين الجبهتين المصرية والسورية، كما زار مناطق مثل شمال العراق ١٩٧٥م، وجبهة الاشتباك بين الجمهورية العراقية وجمهورية إيران الإسلامية بين ١٩٨٠-١٩٨٨م، بخلاف زيارته لمناطق القتال فى لبنان فى العام ١٩٨٠م.
بدأت زيارات الغيطانى للجبهة بعد نكسة ١٩٦٧م مباشرة، وأصبح مراسلاً حربياً بشكل رسمى فى ١٩٦٩م، وحرص أثناء تواجده على الجبهة خلال حرب الاستنزاف على أن يسجّل الجوانب الإنسانية للمقاتلين المصريين، إلى جانب البطولات الحربية.
وفى حرب أكتوبر ١٩٧٣م، كان الغيطانى واحداً من المصريين الذين عبروا ضمن أفواج الجنود العابرين، حتى إنه اختار عنوان (نقطة عبور) لعموده الثابت فى جريدة «أخبار الأدب». وربما يكون هذا التاريخ فى المراسلة الحربية هو ما جعل القوات المسلحة تصدر بياناً تنعى فيه الكاتب الراحل، وجاء فى البيان: «ننعى رائداً من رواد الرواية العربية، حارساً من حراس الثقافة الوطنية، ومحارباً فى ميدان أدب الحرب، مراسلاً وجندياً على جبهة القتال محارباً بقلمه، ومقاتلاً من أوائل المراسلين العسكريين.. وواحدا من رجال الوطن الذين نالوا شرف العبور كمراسل عسكرى مع القوات المسلحة فى معركة الكرامة والشرف.. السادس من أكتوبر ٧٣ المجيد، هذه الذكرى التى تطل علينا فى شهرنا الحالى وتأبى روح الأديب المحارب إلا أن تلحق برفاقها المقاتلين وفى الشهر نفسه شهادة له بصدق النية واستجابة ربما لدعواته عندما سطر أروع كتاباته من على خط النار عن شهدائنا فى أكتوبر٧٣ وتمنى أن يلحق بهم».
بعد عودة الغيطانى من الجبهات المختلفة، انتقل إلى قسم التحقيقات فى «الأخبار»، حتى صار رئيساً له، ومن ثم انتقل إلى القسم الثقافى وصار رئيساً له أيضاً.
أخبار الأدب والأب الروحي
لمدة سبعة عشر عاماً، تولى جمال الغيطانى رئاسة تحرير صحيفة «أخبار الأدب»، التابعة لـ«أخبار اليوم»، والمتخصصة فى الثقافة والأدب، وربما تُعد هذه المطبوعة الأولى من نوعها على مستوى مصر والعالم العربي؛ إذ أخرجت دفعات مُتعاقبة من الكتّاب والشعراء، مثل ياسر عبد الحافظ، منصورة عز الدين، أحمد وائل، أحمد ناجى، محمد فرج، محمد شعير، نائل الطوخى، حسن عبد الموجود، أسامة فاروق، ميرفت عمارة.. وغيرهم. عدا عن ذلك فإن كتاباً كباراً من مصر والدول العربية وجدوا فى «أخبار الأدب» منبراً لنشر إبداعاتهم، مثل العراقى سعدى يوسف، محمد عفيفى مطر، خيرى شلبى، عبد العزيز المقالح، بهاء طاهر.. وغيرهم.
تأسست الصحيفة فى عام ١٩٩٣م، وكان الغيطانى رئيس تحريرها الأول، وظل كذلك حتى العام ٢٠١٠م.
وساهمت «أخبار الأدب» فى بروز أصوات أدبية تصدرت المشهد الروائى فى مصر لسنوات، فكانت المنبر الأول الذى نشر رواية «يعقوبيان» لعلاء الأسوانى، وكذلك نشرت كتابات الروائى أشرف الخمايسى الذى فاز بإحدى جوائز الجريدة ليصبح لاحقا أحد الأسماء البارزة فى الساحة الأدبية المصرية.
تصدّت أخبار الأدب فى عهد الغيطانى للكثير من قضايا الفساد والإهمال فى وزارتى الثقافة، والآثار، ذلك على الرغم من كون الصحيفة حكومية فى النهاية، إلا أن الانتماء للوطن كان عند الغيطانى وشباب «أخبار الأدب» أهم بكثير من أى حسابات أخرى.
سلسلة الذخائر.. عين على التراث
فى حوار صحفى أجريته مع الكاتب الراحل قبل سنوات، قال الغيطانى: «أنا كاتب فريد من نوعه»، وقد فسّر تلك المقولة بأنه اختار أن يبنى رواياته على الجذر العربى للسرد، المتمثل فى الرسائل والمقامات، على عكس أغلب الروائيين العرب الذين كتبوا رواياتهم على الجذر الغربى المبنى على السرد الكلاسيكى، أو (الفلوبيري).
ربما يرجع ميل الروائى الراحل للكتابة انطلاقاً من التراث العربى، إلى شغفه بذلك التراث، وميله لقراءته وتقديمه للقارئ سواء كان صحفياً أو أدبياً. ولذلك اهتم الغيطانى بتأسيس سلسلة (الذخائر)، التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، واعتنت السلسلة بتقديم كتب التراث للقارئ المصرى والعربى، بأسعار معقولة.
وربما يكون نشر السلسلة لـ«ألف ليلة وليلة» فى ٢٠١٠م، ومن ثم مصادرتها من العرض فى إحدى دورات معرض القاهرة الدولى للكتاب، سبباً ليخوض الغيطانى معركته الكبرى ضد الظلاميين والمتشددين ممن يرون فى النص الخالد «ألف ليلة وليلة» تجاوزاً أو خرقاً للأعراف والعادات والتقاليد، وكان ذلك بعد سلسلة قضايا رفعها محامون منتسبون للتيارات الإسلامية المتشددة، ويطلقون على أنفسهم تسمية (محامون بلا قيود).
وكانت السلسلة قد تعرضت قبلها أيضاً للمنع والمصادرة فى عام ٢٠٠١م، حيث تم منع وسحب ديوان «أبو نواس»، حيث صادرت الوزارة الجزءين الأول والثانى منه، ثم تحفظت على الجزءين الثالث والرابع، وهما قيد الطبع فى المطابع. كما تحفظت على نشر كتابى «رسائل بديع الزمان الهمذاني»، و«سفينة شهاب».
وقد نعت الهيئة العامة لقصور الثقافة فى بيان لها الكاتب الكبير، وأشادت بدوره الريادى فى تأسيس سلسلة الذخائر، وجاء فى البيان: «تقدر الهيئة العامة لقصور الثقافة دوره الرائد فى تأسيس سلسة «الذخائر» التى ساهمت فى تشكيل وعى جيل كامل من الكتاب، والأدباء والمبدعين والرواد، وساهمت فى دفع البحث العلمى التاريخى والتراثى».