أدى الصراع المستمر بين إسرائيل وحماس، إلى جانب التوترات المتصاعدة مع حزب الله، إلى تسليط الضوء على رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى الأمم المتحدة، ورغم الجهود الدولية الرامية إلى الحد من العنف، يظل نتنياهو حازما فى حملته العسكرية، مما يسلط الضوء على القيود التى تفرضها المؤسسات الدبلوماسية العالمية مثل الأمم المتحدة على التأثير على تصرفات إسرائيل.
صراعات الأمم المتحدة وتحدى إسرائيل
لقد أصبحت الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية فى نيويورك بمثابة منصة لقادة العالم للتعبير عن مخاوفهم إزاء تصرفات إسرائيل فى غزة ولبنان. وعلى مدار العام الماضي، كانت الإدانات والقرارات والقضايا القانونية المختلفة تهدف إلى الضغط على إسرائيل لحملها على وقف عملياتها العسكرية. ومع ذلك، فشلت هذه الجهود إلى حد كبير فى التأثير على نتنياهو، الذى يصر على مواصلة الحرب لتفكيك حماس فى أعقاب الهجمات القاتلة التى وقعت فى السابع من أكتوبر، والتى أسفرت عن مقتل ١٢٠٠ شخص واختطاف ٢٥٠ آخرين. إن ريتشارد جاويان من مجموعة الأزمات الدولية يلخص الوضع بقوله: "إذا ارتكبت خطأ الخلط بين الأمم المتحدة والعالم، فإن إسرائيل تبدو معزولة بشكل كبير". إن ملاحظة جاويان تؤكد على مفارقة دور الأمم المتحدة - حيث لا تترجم الإدانات الصريحة إلى أفعال فعالة، مما يترك إسرائيل غير منزعجة إلى حد كبير من اللوم الدولي.
المخاوف الإنسانية ومصداقية الأمم المتحدة
لقد أدى الصراع إلى تداعيات إنسانية كبيرة، وخاصة فى غزة، حيث أفادت السلطات الصحية المحلية عن مقتل أكثر من ٤٠ ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين. كانت الأمم المتحدة صريحة فى إدانة الأزمة الإنسانية، مع وكالات مثل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فى المقدمة. ومع ذلك، تم التشكيك فى مصداقية الأمم المتحدة كجهة فاعلة محايدة فى أعقاب التقارير التى تفيد بأن بعض موظفى الأونروا ربما كانوا متواطئين فى هجمات السابع من أكتوبر، مما ألقى بظلاله على السلطة الأخلاقية للمنظمة.
وعلى الرغم من هذه الخلافات، تواصل الأمم المتحدة لعب دور حاسم فى تسليط الضوء على الأزمة الإنسانية، وإحياء التعاطف العالمى مع القضية الفلسطينية. وقد أدت الإجراءات القانونية فى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية إلى تضخيم المخاوف بشأن الإجراءات العسكرية الإسرائيلية وسياسات الاستيطان فى الضفة الغربية المحتلة.
العامل الأمريكي: حجر عثرة أمام الضغط الدبلوماسي
إن الدعم الثابت من جانب الولايات المتحدة يشكل عقبة كبيرة أمام الجهود الدبلوماسية ضد إسرائيل. فقد استخدمت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا حق النقض فى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لحماية إسرائيل من القرارات الملزمة. على سبيل المثال، عكس قرار وقف إطلاق النار الذى اقترحته الولايات المتحدة فى يونيو موقف إدارة بايدن، والذى قبلته إسرائيل، لكن الجهود الأوسع نطاقًا للضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار قد أُحبطت. وتزعم ديانا بوتو، المحامية الفلسطينية فى مجال حقوق الإنسان، أن إحجام المجتمع الدولى عن التحرك ضد إسرائيل ينبع من الرغبة فى الحفاظ على علاقات إيجابية مع الولايات المتحدة. وتضيف بوتو: "إنهم يعتقدون أن هذا يجب أن تقوده الولايات المتحدة، ولأنه يجب أن تقوده الولايات المتحدة، فلا يحدث شيء"، مشيرة إلى الحسابات الجيوسياسية التى تتجاوز المخاوف الإنسانية.
الحسابات السياسية والطموحات الأوسع
يتأثر نهج إدارة بايدن الحذر تجاه إسرائيل بالسياسة الداخلية والمصالح الاستراتيجية الأوسع فى الشرق الأوسط. وكما يلاحظ جريجورى جوس من جامعة تكساس إيه آند إم، "من المحفوف بالمخاطر أن تمارس الحكومة الأمريكية ضغوطًا عامة مباشرة على إسرائيل، وخاصة فى عام الانتخابات". كما تتشكل استراتيجية الإدارة من رغبتها فى تشكيل تحالف إقليمى ضد إيران، يضم إسرائيل والدول العربية المعتدلة، مما يعقد أى تدابير عقابية محتملة ضد إسرائيل.
ويضيف مايكل كوبلو من منتدى السياسة الإسرائيلية، أن الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة تملى دعمها لإسرائيل، حتى فى خضم القلق المتزايد بشأن سلوك الحرب فى غزة. ويوضح كوبلو، مسلطًا الضوء على الحسابات الجيوسياسية التى تلعب دورًا فى هذا السياق: «إذا كنت الولايات المتحدة، حتى لو كنت منزعجًا بشدة بشأن بعض الأشياء التى تفعلها إسرائيل فى غزة، فلن تفرض حظرًا على الأسلحة عندما تريد أن ترى إسرائيل تتغلب على هذه التحديات».
تحدي نتنياهو ومستقبل الصراع
من المتوقع أن يندد نتنياهو، الذى من المقرر أن يلقى كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالهيئة الدولية لما يراه فشلها فى إدانة هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول التى شنتها حماس، فى حين ينتقد إسرائيل بشكل غير متناسب. ويصور خطاب نتنياهو الأمم المتحدة على أنها متحيزة ومعادية للسامية، وتركز غضبها على إسرائيل بينما تتجاهل الصراعات العالمية الأخرى ذات الآثار الإنسانية الكبيرة، مثل تلك فى أوكرانيا والسودان. ويتفق دانى دانون، سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، مع هذا الرأي، حيث توقع أن تركز الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى حد كبير على غزة بدلًا من القضايا العالمية الملحة الأخرى. وكانت استراتيجية الحكومة الإسرائيلية فى صرف الانتقادات من خلال التشكيك فى نزاهة الأمم المتحدة فعّالة فى الحفاظ على مسارها، على الرغم من الإحباط الدولى المتزايد. من المرجح أن تسفر إجراءات الجمعية العامة للأمم المتحدة عن الكثير من الخطابة ولكن القليل من التغيير الجوهري. وكما خلصت ديانا بوتو بتشاؤم: «أعتقد أننا سنرى الكثير من الخطب، والكثير من التظاهر، ولا أعتقد أننا سنرى أى شيء أبعد من ذلك. إن الصراع المستمر بين إسرائيل وحماس، إلى جانب التوترات المتزايدة مع حزب الله، يسلط الضوء على حدود الدبلوماسية الدولية فى حل النزاعات الجيوسياسية المتجذرة بعمق».