كانت معركة العقول والقلوب، على أشدها اشتعالًا خلال يومى الانتخابات الماضيين، وكان المستهدف فيها هو محاولة هز ثقة المصريين فى بلدهم ودولتهم وقيادتهم.
إلا أنه ولكى يكون الأمر أكثر وضوحًا لابد من معرفة أن المعركة كانت قد بدأت منذ فترة وتحديدًا منذ الانتخابات الرئاسية السابقة فى مصر، فمع بداية اليوم الأول للانتخابات الرئاسية فى العام الماضى، وما إن انتهت ساعات الصباح الأولى، حتى انطلقت أسلحة العدو الفتاكة الحديثة، من وسائل الإعلام النمطية منها وغير النمطية، وانطلق الملأ منهم وبكل ما أوتوا من قوة العقل ودهائه وخبثه، وبمكر يتصاغر بجواره مكر إبليس اللعين، وعبر وسائل التخريب الاجتماعى، ليعلنوا خوضهم شوطًا جديدًا من الحرب على هذه الدولة، وعلى أمنها القومى ممثلًا فى عقول وقلوب أبنائها، ولتنفجر كل بيارات الصرف الصحي عبر مواقع الـفيس بوك وتويتر والــيوتيوب وغيرها فى وقت واحد، فما بين زاعمٍ انعدام المشاركة تمامًا، إلى مدعٍ قلتها، إلى مخترع لخرافة عزوف الشباب، إلى معلن لنسب مشاركة للحضور والتصويت من وحى خياله المريض.
وظل الأمر كذلك فى معركة العقول طوال النهار الأول، يتفاعل عبر مراحيض الـفيس بوك، حتى حلت علينا ساعات الليل الأولى ليخرج علينا بوجوه يشع منها كل شر وفجور وسوء وغرور وعمالة للعدو، بلا خجل أو حياء بل وبمنتهى المجون، خرج علينا كل عتل زنيم، مناع للخير معتد أثيم، وكل مفتاح شر، مغلاق خير، ممن يُسمون نخبًا وإعلاميين ، ليقذفوا فى وجوه المصريين رجيع ما تحمله أجوافهم من حقد وغلٍ على هذا الوطن، مسمين ما يخرج من أفواههم من خيانة وجهل معًا، تحليلًا وتوصيفًا للواقع المرير!
مدعين انعدام المشاركة وعزوف الشباب، وما شابه ذلك من ترديد لكل أطروحات العدو الذى عمل على نشرها طيلة اليوم، ليكشف هؤلاء الإعلاميون والنخب بذلك عن كونهم جزءًا لا يتجزأ من المؤامرة على هذا الوطن الحبيب، شاءوا أو لم يشاءوا، قصدوا أو لم يقصدوا!
والحقيقة التى لا تنكر أن تلك الهجمة الإعلامية غير النمطية التى تعرضت لها مصر إبان الانتخابات الرئاسية السابقة، نجحت إلى حد كبير فى تحقيق بعض أهدافها، واستطاعت أن تهز ثقة الكثيرين، وأن تصدر صورة للواقع على خلاف حقيقته، للدرجة التى تسرب معها القلق لبعض أفراد حملة السيسى أنفسهم.
وظل الأمر على حاله حتى خرجت اللجنة العليا للانتخابات معلنة الأرقام والنسب الحقيقية، وذلك على خلاف كل ما كان يتشدق بترديده المتشدقون، لنكتشف كم كنا جميعًا فريسة فى شراك «إعلام العدو» يحركنا كيفما شاء.
كانت الخطة وقتها تقوم على أساس التشكيك فى نزاهة الانتخابات بعد إعلان النتيجة النهائية، وذلك بعد أن تمت تهيئة الأرض لذلك بزعم العزوف عن التصويت، إلا أن الواقع حينها وشعبية السيسى الجارفة، والزخم الذى أحاط بالانتخابات الرئاسية حال دون تحقيق بقية الخطة، إلا أن العدو لم ييأس وأصر على استنساخ خطته الخبيثة فى انتخابات البرلمان الحالية مستغلًا الفوارق الكبرى بين الانتخابات البرلمانية، وما بين الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية، فلا شك أن نسب المشاركة فى الأخيرة تكون أعلى بما لا يمكن أن يقاس عليه فى الأولى، واعتبر بحال أعرق ديمقراطيات العالم. ففى انتخابات ما يعرف بــ «الاتحاد الأوروبى» لا تزيد نسب المشاركة فيه علي ١٨ -٢٠ ٪ ويعد البرلمان الأوروبى الحالى من أعلى النسب مشاركة فى تاريخ الاتحاد الأوروبى كله إذ حظى بنسبة مشاركة تصل إلى ٢٤ ٪، ولكن العدو يغفلُ هذا عمدًا، بل واستغل أمورًا أخرى منها أن هذه الانتخابات ليس انتخابات على كامل الجمهورية ولكنها جولة تشمل أقل من نصف مقاعد الجمهوري.
إلى عوامل شتى تم استغلالها جيدًا ككثرة اللجان الفرعية وسهولة التصويت مما يسرع من الأداء، وغيرها من الأسباب التى تمنع التكدس.
بدأ العدو فى تنفيذ خطته بعد سويعات بل وربما دقائق من بداية اليوم الأول فى انتخابات نصف الجمهورية، حيث انطلقت أبواق العدو ووراءها بعض المغيبين من بنى وطنى، ليعلنوا أنه «لم يشارك أحد» أو بتعبيرهم «محدش راح». وخرج بعضهم وبعد مرور ساعة من بداية اليوم الأول من انتخابات النصف أو أقل ليعلن نسبًا للمشاركة والتصويت من محض خياله، وزاد بعضهم تبجحًا بأن نسب تلك النسب للجنة العليا للانتخابات.
بل وعمد بعضهم بخبث نية إلى حساب أعداد المشاركين فى التصويت على أساس كامل نسبة من له حق الانتخاب على مستوى الجمهورية.
وما ذلك كله إلا ليتم تصدير صورة للمشهد يحبط به المصريين من جهة، ومن جهة أخرى يهيئ الذهنية المتابعة لهذه الحالة، لأن تتقبل زعمه بالتزوير فى حال خرجت اللجنة العليا المعنية بإصدار النتائج، بعد إتمام الفرز، لتعلن أن نسب المشاركة مخالفة لما زعموه.
وفى الأخير... أقرر أننا نعيش بلا شك فى خضم مسرحية هزلية سخيفة متكررة الفصول، قد عشناها من قبل وتابعنا أحداثها العبثية إبان الانتخابات الرئاسية الماضية، ولكن للحقيقة فإن السخافة فى هذه الأخيرة كانت أشد والوقاحة كانت أعظم وأقبح.
للدرجة التى خرج فيها بعض كهنة المؤامرة على مصر ليعلنوا- وبمنتهى الصفاقة- أن هذه الانتخابات كانت استفتاءً على شخص الرئيس وشعبيته!
بل ودخلت على الخط بعض الصحف العالمية الكبرى، وكأنها صحف محلية داخلية تتابع سير العملية الانتخابية وتصدر البيانات حولها، وحول علاقة نتائجها بشعبية الرئيس وموقف المصريين منه ومن موقفه فى الثالث من يوليو لعام ٢٠١٣.
نعم... إنها المؤامرة الكبرى على هذا الوطن الحبيب شاء من شاء وأبى من أبى، والذى لا ينجينا منها ولا يخرجنا من حِبَالِها إلا عونُ ربنا لنا أولًا، ثم تكاتفنا وتلاحمنا، ووعينا بالمخاطر المحيطة بنا تريد تمزيقنا، ومن ثم مواجهة تلك المخاطر بشجاعة والتغلب عليها.
اللهم بلغت... اللهم فاشهد.