الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

غيبوبة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما عزمتنى الفنانة ياسمين جمال التى كانت مطربة فى فرقتى على مسرحية «غيبوبة»، ذهبت إلى المسرح ناعيًا هم الزحمة ومكان ركن السيارة، ولما يسر الله لى الأمر، لأن موعد المسرحية الساعة التاسعة وقد خرجت من بيتى وركبت سيارتى فى السادسة والنصف، ولأنى أسكن فى الهرم والمسرحية فى شارع قصر العينى، وعلى مسرح السلام والمسافة فى العادة لا تستغرق كل هذا الوقت، ولأنى لا أحب التأخر عن أى موعد (فأنا من الجيل القديم).
اسم «غيبوبة» يذكرك بالفيلم الأمريكى الذى يحمل نفس الاسم، ولذلك توقعت مسرحية عن نقل الأعضاء وشرائها أو سرقتها، ولكن بدأ العرض بشاشة عرض سينمائى، ومذيعة تتحدث عن ٢٥ يناير وماجرى بها مما وضعنا فى جو المسرحية، لأن بعد رفع شاشة العرض وجدنا سريرا ينام عليه الرائع أحمد بدير، وبجواره الدكتورة ياسمين جمال، ونعرف من الحوار أنه كان فى غيبوبة لأنه أول مصاب فى الثورة، وتتوالى الأحداث ونرى الجميع يتنازعون شرف أن أول مصاب فى الثورة هو من الإخوان أو الاشتراكيين أو ألتراس الأهلى أو ألتراس الزمالك، وهنا يجب التنويه أن دور المرشد قام به أحد أقطاب الكوميديا فى مصر، وهو الفنان محمد الصاوى الذى أبدع فى تأدية الدور ليس فقط بالحوار، بل بالإيماءات وتعبيرات الوجه وأستعير هنا كلمة لمدير المسرح الحديث وهى:
النجاح الحقيقى لا يتمثل فى الإفاقة من الغيبوبة، ولكن فى عدم الرجوع إليها.
وهو الدرس الذى ألقاه أحمد بدير ببراعته فى التمثيل، وفى إلقاء الإفيهات والذى يضعه فى مصاف أهم الممثلين فى العالم العربى.
أيضا استوقفنى غناء ياسمين جمال الذى أعرفه وأقدره وأعلم أنها لو أرادت لكانت نجمة غناء، ولكنها فضلت التمثيل، لأنه يجرى فى عروقها كما قالت لى، وأيضا غناء أحمد بدير الذى لحنت له من قبل أغانى فيلم «السرعة لا تزيد عن صفر» مع النجمة الرائعة عبلة كامل، وقد اعتذر لى قبل المسرحية عن أن صوته ليس فى أحسن أحواله، ورأيت القائم بأعماله يأتى له ببعض الأدوية وبخاخة الأنف من الصيدلية ولما قلت له لماذا لم تسترح هذه الليلة، قال لى إنه كان يفكر فى ذلك، ولكن قيادات الشرطة أعلمته أن بعض أسر وأمهات الشهداء سيحضرون العرض (استكبرت فى نفسى هذه الوطنية).
ومن عاداتى فى أى مسرحية أن أطلب كتالوج العرض حتى أطلع على أفكارالمؤلف والمخرج، وكل من كتب لأن المسرح يعيد بناء الإنسان من خلال إقناعه بواقع عملى يراه أمامه كما فى مسرحية شكسبير، التى مثلت وضع السم فى أذن الممثل، حتى يعيد تركيب المشهد عمليًا قبل أن يتهم الجانى.
وللمؤلف محمود الطوخى كلمة فى منتهى الجمال، وهى أن الغيبوبة تعددت أشكالها واختلفت، لكنها حادة (مغرقة) كلما حاولنا السباحة والطفو لنعتليها كانت القوة الخفية تجذبنا إلى قاع لا نعرف له نهاية.
وأجمل ما فى الكتالوج هى كلمة المخرج لأنها شديدة الاختصار وهى:
أيها الجمهور الحبيب أرجو أن تصلك رسالتى.
أرجو أن نتعلم هذا الاختصار، وهذا الإيجاز، وأرجو أن نخرج من الغيبوبة.
كان «الكاست» كله أكثر من رائع، فاطمة الكاشف كعادتها قمة فى الأداء والتعبير الكوميدى الرائع، وهمام عبد المطلب فى دور مدير المستشفى وأحمد الدمرداش فى دور الصحفى ومحمد جمعة «٦ إبريل» ومحمد رضوان البلطجى ونادية نجم «حقوق الإنسان» ومحمد عبد العزيز «الألتراس» وعمر بهى «وايت نايتس» وأحمد مرسى «الضابط» وإيهاب مبروك «المأمور» والأطفال محمد العربى ونور العربى، ثم إيمان الشرقاوى والتى أتنبأ لها بمستقبل كبير فى التمثيل.
وأخيرًا أتمنى على وزارة الثقافة أن تضع هذه المسرحية فى «الريبرتوار المسرحى»، وأن يتعدى عروضها مصر إلى الدول العربية، وأن يقرر يوم فى المدارس لمشاهدة هذه المسرحية فى حفلات ماتينيه، وذلك لكى لا ننسى ما حدث، فالمسرحية تضعنا أمام ما حدث باختصار وتركيز ويتوالى ضحكنا وحزننا على أوضاع نتمنى أن تكون بلا عودة.