الإثنين 21 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

أشرف مروان.. الشبح الذى لا يريد أن يهدأ أبدًا

إذا اختلفت الآراء فى رجل واحد ضاعت حقيقته

أشرف مروان
أشرف مروان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يكن غريبا أبدا أن تحتفى صحف ومواقع مصرية قبل أيام بما نشرته «الجارديان» البريطانية، حول تأكيدها أن أشرف مروان كان جاسوسا لإسرائيل، وهى القصة التى بدأت منذ سنوات، وكنت شاهدا عليها، عندما أصدر المؤرخ الإسرائيلى «أهارون بيرجمان» كتابه عن تاريخ إسرائيل، متهما فيه مروان بأنه كان جاسوسا لإسرائيل. 
كان أشرف وقتها لا يزال على قيد الحياة، وتصادف أنه جاء إلى مصر ليباشر بعض أعماله، عرف بالقصة، فسخر منها، وقال إنها ليست إلا رواية بوليسية سخيفة. 
لكن الرواية البوليسية السخيفة، كانت مثل كرة الثلج، التى كبرت مع الأيام، تدخل كثيرون، بعضهم عرف أشرف مروان جيدا، وبعضهم سمع عنه، تناقضت الروايات وتعددت، وأصبح الرجل الذى دخل بيت جمال عبدالناصر زوجا لابنته منى محط اهتمام من الجميع. 
قالوا عنه إنه كان جاسوسا كاملا لإسرائيل، قدم لهم موعد حرب أكتوبر على طبق من ذهب، إذ أخبرهم به قبل ساعات من اندلاع الحرب. 
وقالوا إنه كان جاسوسا مزدوجا عمل لحسابه الخاص، فكما كان يقدم معلومات للمخابرات الإسرائيلية، وكان يقدم أيضا معلومات للمخابرات المصرية، وفى الحالتين كان يحصل على كل ما يريده من مال. 
وقالوا إنه لم يكن جاسوسا لإسرائيل فى أى وقت من الأوقات، بل كان جاسوسا لمصر فقط، وقد استخدمه الرئيس السادات فى خطة خداعه الاستراتيجى التى أدخل إسرائيل من خلالها فى متاهة كبيرة، انتهت بهم وهم أسرى لهزيمة لم يستطيعوا أن يتخلصوا منها حتى الآن. 
وقالوا إنه كان جاسوسا دوليا، يبيع ولاءه لأكثر من جهاز مخابرات عالمى فى نفس الوقت، فهو عميل للمخابرات الأمريكية والبريطانية والألمانية والمصرية والإسرائيلية، وفى كل الحالات لم يكن يعمل إلا من أجل نفسه فقط. 
عندما تضع كل هذه الآراء لن تستطيع أن تعرف من هو أشرف مروان على وجه التحديد، بل ستضيع حقيقته، ليظل شبحا يطارد الجميع، ويبقى فقط، أن هناك من يكرهه، فيعتبره جاسوسا لإسرائيل، ومن يحبه يحاول أن يدافع عنه. 
الدفاع عن أشرف مروان بدأ فى اللحظة التى دفن فيها فى مصر 
كان جمال مبارك موجودا فى الجنازة، اقتربت منه منى، وقالت له: «يقولون عليه جاسوسا.. أرجوك تصرف، إنهم يريدون اغتياله معنويا، بعد أن اغتالوه ماديا، لم يرد عليها جمال بشىء، اكتفى بأن ربت على كتفها، فى إشارة منه إلى أنه سيتصرف». 
بعد أيام قليلة صدر بيان رسمى من رئاسة الجمهورية، يحمل توقيع الرئيس الأسبق حسنى مبارك، يؤكد أن أشرف مروان قدم خدمات جليلة لمصر.
كان بيان رئاسة الجمهورية لغزا إلى درجة كبيرة، كان هدفه أن يبرئ أشرف مروان لا أكثر ولا أقل، لكنه لم يفصح عن أى شىء، لم يقل للناس ما هى نوعية الخدمات الجليلة التى قدمها أشرف لمصر. 
كان السؤال المنطقى جدا وقتها هو: لماذا تأخرت رئاسة الجمهورية كل هذه السنوات، كانت الصحف المصرية نقلا عن مصادر غربية تلوك سيرة أشرف، الذين يكرهون عبدالناصر يصدرون صورة لمروان على أنه جاسوس، تأسيسا على أنه صهر الرئيس الذى بنى شرعيته على عدائه لإسرائيل، وكانت الصحف التى تنحاز لعبدالناصر تدافع باستماتة، وكانت رئاسة الجمهورية تعرف كل شىء، لكنها لم تتدخل فى الحوار، ولم يقل مبارك شيئا لا بالخير ولا بالشر عن أشرف. 
بعد وفاته وعندما أصبح خارج اللعبة السياسية تماما، أصدرت الرئاسة بيانها، فى الغالب استجابة لرجاء منى عبدالناصر، واستجابة لشفاعة جمال، وكأن من أصدروا البيان يقولون للجميع، على هذه القصة أن تنتهى تماما، لكنها لم تنته بالطبع، لأن أحدا لم يقل فيها قولا حاسما، بالمستندات والأدلة. 
الذين يشيرون إلى أن أشرف مروان كان جاسوسا لإسرائيل، يشيرون إلى أنه عرض خدماته بنفسه على الموساد الإسرائيلى فى العام ١٩٦٨، جرى هذا فى لندن، حيث قال لهم إنه يستطيع أن يمدهم بما لا يحلمون به أبدا، اعترض بعض قادة الموساد، على أساس أنه ليس منطقيا أن يأتى إليهم صهر عبدالناصر بنفسه، لكن موشى ديان دخل على الخط، وقال إنه يكفى إسرائيل شرفا وانتصارا أن تستطيع تجنيد أشرف مروان، وحتى لو أراد أن يتلاعب بنا، فيمكننا أن نضمه فى النهاية إلى صفوفنا. 
كانت هناك امرأة واحدة تؤمن بأشرف مروان، كانت هى زوجته السيدة منى عبدالناصر، حاولت أن تحصل على صك براءة له من سامى شرف، الرجل الذى عمل مديرا لمكتب والدها، وكان يعرف عنه الكثير، طلبت منه أن يصرح للصحف بأن عبدالناصر كان على معرفة كاملة بما يعلمه مروان، وأن المهمة التى قام بها مع إسرائيل كانت بتكليف منه، وأنه كان يعرف كل شىء، لكن سامى شرف رفض تماما، وأكد لها أن الرئيس عبدالناصر لم يكن يعرف شيئا على الإطلاق عن علاقة أشرف بالموساد، وهو لا يمكن أن يقول شيئا لمجرد أن ابنة الرئيس تريده. 
لم يصمت سامى شرف، كان أن صرح بأن الرئيس عبدالناصر لم يكن يعرف شيئا عن قصة أشرف مروان، وأنه لو كان يعرف كان ذبحه بيديه أمام ابنته. 
عندما سقط أشرف مروان من شرفة شقته فى لندن فى يونيو ٢٠٠٧، تجددت السهام التى قررت أن تنال من جسده حتى النهاية، ولا نعرف إلى الآن من الذى قتله، ولا لماذا قتلوه؟ 
تعاملت معه الذهنية الصحفية على أنه جاسوس، ولأنه كذلك، فلا بد أن يكون قد كتب مذكراته، وهى المذكرات التى كان سيكشف فيها الجميع، ولذلك اختفت هذه المذكرات، فى إيحاء بأن عملية القتل جرت فقط للتخلص من المذكرات، ولم يكن غريبا أن يجتهد من رسموا سيناريوهات موت الرجل الغامض، أن يشيروا إلى عدة أجهزة مخابرات عالمية شاركت فى اغتياله، ولم يشر أحد إلى أن أشرف مروان فى النهاية كان تاجر سلاح، وهى التجارة التى لا تنتهى فى الغالب إلا بقتل من يعملون فيها. 
■ ■ ■
لقد عاش أشرف مروان حياته بالطول والعرض، حقق تقريبا كل ما يريده، تزوج من ابنة الرئيس جمال عبدالناصر، التى كانت دونا عن أولاده طموحة ومتطلعة، ولما مات عبدالناصر أصبح مقربا وبشدة من الرئيس السادات، ولم يحدث هذا لكفاءته وقدراته الخارقة، ولكن لأنه باع كل رجال عبدالناصر إلى السادات، بل هناك من يتهم أشرف بأنه كان وراء قتل عبدالناصر. 
الاتهام هزلى بالتأكيد، لكن هناك من يشير إلى أن أشرف مروان تم استخدامه وببراعة ولأنه كان قريبا من عبدالناصر، فى أن يقدم له السم فى كوب من عصير الجوافة، السم اسمه الأكونتين لا يثير الشبهة، فرائحته تشبه رائحة الجوافة، وهو سم تستخدمه أجهزة المخابرات العالمية، ولم يكن من الصعب على مروان أن يحصل عليه. 
قرب أشرف مروان من السادات كان كافيا لأن يحصل زوج ابنة عبدالناصر منه على وسام، وقد ظل مروان حتى اللحظات الأخيرة من حياته يحمل فى جيبه صورة فوتوغرافية تسجل لحظة مهمة جدا فى تاريخه، لحظة يمنحه فيها الرئيس السادات وسام الجمهورية من الطبقة الأولى.
كان من حق السادات أن يفعل ذلك بالطبع.. فهو الرئيس والقرار قراره.. لكن هذا لا يمنعنا أن نقول إن ظرف منح مروان هذا الوسام كان لغزا ومربكا ومحيرا.
تكاثرت على مكتب السادات التقارير التى تطعن فى ذمة مروان المالية وترصد عن قرب تحركاته فى سوق البيزنس.
لم يكن أمام السادات وقتها حل إلا أن يبعد مروان عن مكتبه فى رئاسة الجمهورية، لكنه وقع فى حيرة شديدة.. فهو لا يريد أن يضع مروان فى موقف حرج وكما قال فإنه قدر خدماته الجليلة التى قدمها لمصر وخاصة حصوله على قطع غيار عسكرية من فرنسا فى وقت كانت فيه المصانع مغلقة بسبب عطلة رسمية، ولذلك فقد رحب بفكرة أن ينتقل مروان إلى الهيئة العربية للتصنيع خاصة أن المساهمين فيها الذين يرتبط بهم مروان بعلاقات قوية هم الذين اختاروه لهذه المهمة.
أنقذ هذا القرار السادات من الحرج، فهو لا يستغنى عن مروان ولا يطرده من رئاسة الجمهورية ولكن يستعين به فى مهمة جديدة، وحتى يسكت الألسنة التى تطاولت عليه ونبشت أوراقه وفتشت فيها.. فقد منحه وسام الجمهورية من الطبقة الأولى، وكأنه يقول للجميع إنه راض تمام الرضا عن مروان.. فلو كان فاسدا أو متلاعبا أو استغل نفوذه وعلاقاته أثناء عمله فى رئاسة الجمهورية لجمع ثروة هائلة وطائلة لما كرمه الرئيس كل هذا التكريم.
غطى الرئيس السادات أشرف مروان بردائه إذن ومنحه صك الغفران الذى يمحو عنه ما تقدم من ذنبه وما تأخر.. وقد ظل هذا الصك يحمى مروان.. من وجهة نظره بالطبع حتى النهاية.. فقد اشتعلت نار اتهامه بالتجسس لصالح إسرائيل وأنه سرب للموساد موعد حرب أكتوبر.. كان لا يرد على من يطالبونه بالدفاع عن نفسه.. بل كان يكتفى فقط بإخراج الصورة من جيبه فى دلالة على أن الرئيس السادات لو كان يشك فيه ولو للحظة واحدة لما منحه هذا الوسام.
■ ■ ■
هل كان السادات مقتنعا بأشرف مروان وبالدور الذى يقوم به، أغلب الظن أنه لم يكن مقتنعا به على الإطلاق. 
فى واحدة من جلسات السادات التى كان يبدو فيها صريحا، قال لجلسائه إنه لا يمكن أن يستغنى عن أشرف مروان، ولما سألوه لماذا؟ لم يتحدث عن السبب فقط، ولكنه تحدث أيضا عن فلسفته العامة فى الحكم. 
قال السادات: إنه كرئيس للجمهورية هناك مهمات كثيرة يمكن أن تكون فى حقيقتها قذرة، ولأنها كذلك، فهو لا يستطيع أن يقوم بها بشكل مباشر، ولذلك فلا بد أن يكون هناك من هم على قدر قذارة المهمة، فعندما يريد مساعدة من رئيس دولة عربية على سبيل المثال، فهو لا يستطيع أن يطلبها بنفسه، ولكنه يمكن أن يرسل بأشرف مروان أو آخرين، تكون لهم علاقات مع هذا الرئيس أو ذاك، فلو قبل الرئيس كان خيرا وبركة، ولو رفض، يكون الرئيس المصرى قد احتفظ بكرامته، دون أن يسجل عليه أحد أنه مد يديه وتم رفضها. 
قبل أشرف مروان كل الأدوار التى طلبها منه الرئيس السادات، والتى كان من بينها على سبيل المثال لا الحصر تمكينه من أن يحصل على كل الأوراق التى كانت فى خزانة عبدالناصر. 
لا أتبنى بالطبع حكاية أن أشرف مروان هو الذى نقل كل الوثائق والمستندات التى كانت فى خزانة عبدالناصر الخاصة إلى أنور السادات، لكن هناك من يتهمه بأنه فعل ذلك، تقربا وطلبا لرضا الرئيس الجديد. 
وقد يكون فى قبول أشرف لما يطلب منه من مهمات، المفتاح الذى يمكن أن يفسر لنا كل ما جرى له فى حياته، فهو رجل عملى جدا، لا مكان للعواطف فى حياته، لم يكن ينتمى إلا لنفسه، ولم يكن يهتم كثيرا بما يردده الناس عنه، كانت لديه مهمة واحدة، وهى أن يبنى مجد أشرف مروان. 
هل أحكى لكم حكاية قد لا تكون عابرة، بقدر ما هى كاشفة جدا لشخصيته؟ 
كنا فى جريدة «صوت الأمة» نتبنى تماما روايات أن أشرف مروان جاسوس كامل لإسرائيل، كنا نتلقف أى شهادة ضده لننشرها ونبرزها، أعلن مروان غضبه أكثر من مرة مما تنشره «صوت الأمة»، وقاطعت منى شقيقتها هدى لأنها كانت تنشر أحيانا مقالات فى نفس الجريدة التى تهاجم زوجها. 
فى عز الحملة التى كانت الجريدة تشنها على مروان، معلنة العداء الواضح له، اتفقت إدارة الإعلانات بالجريدة على نشر إعلانات لشركة يملكها رجل الأعمال جمال مروان نجل أشرف مروان. 
ذهب جمال إلى والده، وقال له إنه لن يعلن فى الجريدة التى تهاجمه، فرفض أشرف ما قاله له نجله، وصاغ قاعدة أعتقد أنها كانت هى القاعدة التى عمل بها ومن خلالها طوال حياته، قال له: «اعمل ما ترى أن فيه مصلحتك فقط».
لقد عمل أشرف طوال حياته من أجل مصلحته فقط، وأعتقد أنه لم يكن نادما أبدا على أى شىء فعله، ولم يهتم كثيرا بما يقوله الآخرون عنه، وأظن أنه لم يغضب أو يحزن وهو يقرأ التقارير التى كانت تشير إليه على أنه جاسوس.. فحتى لو فعل ذلك، فهو راض عن نفسه تماما. 
هناك شخصيات لا تهتم كثيرا بما سيقوله التاريخ عنها، من بينها كان أشرف مروان، فقد قال كلمته ومضى، وفعل فعلته وانقضى الأمر، ولذلك فسيظل أشرف مروان شبحا سياسيا، نطارده ويطاردنا، يستغله الخصوم السياسيون فى تصفية بعضهم البعض، دون أن يقدم أى طرف دليلا واحدا على صدق ما يقوله.