الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الرجل الذى تنازل عن عرش مصر!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا يذكر دفتر تاريخ مصر أن شخصًا رفض بمحض إرادته الخالصة أن يجلس على عرش هذه البلاد، حين جاء هذا العرش يسعى إليه على صينية من ذهب غير رجل واحد هو الأمير كمال الدين حسين الذى تنازل عن عرش مصر ليكون من نصيب الأمير المفلس أحمد فؤاد، والذى أصبح بذلك السلطان فؤاد ثم فؤاد ملك مصر.
لكن دفتر التاريخ لأسباب غير معروفة لا يلقى الكثير من الضوء حول شخصية الأمير غريب الأطوار الذى عزف عن شهوة السلطة وجاه الحكم وصولجانه.
هل رفض الأمير كمال الدين حسين مقعد حكم البلاد ومنصب سلطان مصر بعد رحيل والده السلطان حسين كامل وكتب على نفسه إقرارًا بذلك عن طيب خاطر لأنه كان رجلاً مكتئبًا يكره حياة القصور والملوك؟
أم أنه تخلى عن عرش مصر لأنه لا يريد أن يحكم بلدًا تحت حماية أجنبية مستعمرة هى بريطانيا التى كانت تحتل مصر؟
من هو هذا الرجل؟
كيف عاش.. وكيف مات؟
وكيف رفض منصب حاكم البلاد الذى يثير شهية ولعاب أى رجل؟
توافد على حكم مصر من الولاة والسلاطين والملوك من أسرة محمد على ١٣ رجلاً، من بعد عميد هذه العائلة محمد على باشا الذى حكم مصر من عام ١٨٠٥ حتى ١٨٤٨ ميلادية ومن بعده ابنه إبراهيم باشا، الذى حكم فقط عشرة شهور من يونيو ١٨٤٨، وتوفى ليحكم مصر من جديد محمد على باشا عامًا واحدًا توفى بعده.
ثم جلس على سدة الحكم فى مصر عباس حلمى الأول ابن طوسون باشا وجاء بعده محمد سعيد باشا، ثم إسماعيل باشا، ومن بعده حلمى باشا.
أما قصة تولى السلطان حسين كامل عرش مصر فى عام ١٩١٤ فى بداية الحرب الأهلية الأولى فقد بدأت مع إعلان الحماية البريطانية على مصر، وكانت الدولة العثمانية وقتها صاحبة السيادة القانونية وليس أكثر على مصر، أما بريطانيا فقد كانت صاحبة السلطة الفعلية منذ احتلالها مصر عام ١٨٨٢، أما خديو البلاد فقد كان كما وصفته الصحف المصرية مجرد صاحب السلطة الشرعية.
ومن هنا جاء تفكير بريطانيا فى تجميع هذه السلطات كلها فى يدها، من خلال نظام الحماية الاستعمارى، لكن لم يكن هناك مصرى يجرؤ على الموافقة على خطوة كهذه، وجاءت الحماية على مصر، دون موافقة المصريين، وعلى شكل مجرد إعلان من وزارة الخارجية البريطانية. وتحولت دار المعتد البريطانى فى القاهرة ليصبح اسمها دار المندوب السامى، وزادت بريطانيا من إحكام قبضتها على مصر بإضافة مسئولة الإشراف على علاقات مصر الخارجية لهذا المندوب الذى أصبح فى الواقع وزيراً لخارجية مصر.
وتم إلغاء لقب الخديو لأنه لقب عثمانى يمنحه سلطان الآستانة لحكام مصر وخلع الإنجليز الخديو عباس الثانى الذى كان معينًا من قبل الآستانة، وأعطوا حكم مصر للأمير حسين كامل الذى منحوه أيضًا لقب سلطان لتزول سيادة تركيا على مصر للأبد!
وحين جلس السلطان حسين كامل على عرش مصر كان قد بلغ الحادية والستين من عمره وكانت له أنشطة كثيرة فى مصر فهو الذى أنشأ الجمعية الزراعية الخديوية والجمعية الخيرية الإسلامية بعد وفاة مؤسسها الشيخ محمد عبده، كما ترأس جمعية الإسعاف وتولى رئاسة مجلس الشورى لمدة عامين.
وبدأت مصر تعانى من السياسات البريطانية تحت ظل الحماية، وكان من أشدها قسوة قيام السلطة العسكرية البريطانية بمداهمة القرى المصرية، واقتياد الفلاحين المصريين إلى ميادين القتال فى الحرب العالمية الأولى إلى جانب الحلفاء، ولم يكن الفلاح يحصل سوى على خمسة قروش إذا خدم السلطة البريطانية داخل مصر ترتفع إلى ثمانية قروش إذا كانت خدمته خارج مصر.
وعانى هؤلاء الأمرين وبدأوا يهربون من خدمة السلطة العسكرية البريطانية، وكانت غضبة عظيمة شارك فيها حتى الأفندية، لكن المثير أن بعض أبناء أسرة محمد على وقفوا إلى جانب الفلاحين فى ثورتهم هذه، وكان من هؤلاء الأمير كمال الدين ابن السلطان حسين كامل.
ونشرت الصحف المصرية رسالة للأمير كمال الدين إلى والده سلطان مصر، قال فيها: «يا صاحب العظمة السلطانية ذكرتمونى عظمتكم عرش السلطنة من تأجيل نظام وراثة العرش السلطانى إلى ما بعد بحثه وقد تفضلتم عظمتكم فأعربتم لى عن رغبتكم فى أن تكون وراثة عرش السلطنة المصرية منحصرة فى الأكبر من الأبناء، ثم من بعده لأكبر أبنائه وهكذا على الترتيب، وإنى لا أذكر لعظمتكم هذه المنة الكبرى، لما فى هذه الرغبة من التشريف لى».
لكن الأمير كمال الدين حسين فاجأ المصريين بما لم يحدث من قبل فى تاريخ مصر إذ أعلن فى بقية الرسالة تنازله عن عرش مصر قائلاً: «على أنى مع إخلاصى التام لشخصكم الكريم وحكمكم الجليل، مقتنع كل الاقتناع بأن بقائى على حالتى الآن، يمكننى من خدمة بلادى بأكثر مما يمكن أن أخدمها به فى حالة أخرى لذلك أرجو من حسن تعطفاتكم أن تأذنوا لى عن كل حق أو صفة أو دعوى كان من الممكن أن أتمسك به فى إرث عرش السلطنة المصرية بصفتى ابنكم الوحيد، وإنى بهذه الصفة أقرر الآن تنازلى عن كل ذلك.. توقيع كمال الدين»!.
هكذا وبكل بساطة تنازل الأمير كمال الدين حسين عن عرش مصر الذى قرر الإنجليز إعطاءه إلى الأمير أحمد فؤاد بعد وفاة السلطان حسين كامل، وقيل من ضمن ما قيل عن أسباب تنازل كمال الدين عن العرش أنه لم يرد أن يحكم بلاداً تحت حماية بريطانيا.
لكن المؤكد أن الأمير كمال الدين كانت شخصيته مختلفة كثيراً عن سواه من أمراء أسرة محمد على، فقد كانت له ميوله الفنية والرياضية كان يتحدث التركية والفرنسية والإنجليزية وتزوج من الأميرة نعمت الله شقيقة الخديو عباس ولم يرزق منها بأبناء وكان يتميز كما قالت مجلة «اللطائف المصرية» بالأدب العال والعلم الواسع والثقافة الرفيعة.
وكان الأمير كمال الدين حسين أيضًا، رياضيًا كبيرًا يميل إلى الصيد والقنص وعالمًا و رحالة شهيرًا يحب السفر والاستكشاف وفضائله فى الجمعية الزراعية المصرية كثيرة وكان رئيسًا لها.
وعاش الرجل الذى تنازل عن عرش مصر حتى بلغ ٥٧ عامًا لكنه أصيب بالمرض وهو فى أوروبا وتوفى فى أغسطس ١٩٣٢ وأقيمت له جنازة عظيمة بعد أن أعيد جثمانه على ظهر الباخرة «دارتينيان» من أوروبا وهى منكسة الأعلام، وبكى المصريون فى جنازته التى انتهت بدفن جثمانه فى مقابر الأسرة الملكية بمسجد الرفاعى إلى جوار القلعة.