السجن ليس مكانا غريبا على جماعة الإخوان. كثيرون منهم قضوا سنوات كثيرة وراء القضبان. بل إن بعضهم قضى معظم سنوات عمره خلفها. ومنهم من خرج من الزنزانة إلى حجرة الإعدام. جزاء على ما ارتكب من جرائم.
لكن أشهر قضايا الإخوان فى التاريخ. كانت قضية محاولة الإخوان اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر عام ١٩٥٤. وهو يخطب فى ميدان المنشية بالإسكندرية. عندما أطلق عليه السمكرى الإخوانى محمود عبداللطيف ثمانى رصاصات من مسدسه لكن جمال عبد الناصر نجا من الموت بينما أصابت الرصاصات بعض الحضور من الجالسين خلفه.
وتمكن رجال الأمن من القبض على السمكرى الإخوانى فى وقت قصير لكن محاولة الإخوان الغادرة أدت إلى القبض على معظم أفراد الجماعة وإيداعهم زنزانات السجن الحربى ثم محاكمتهم.
وكشفت تلك المحاكمة الكثير من أسرار جماعة الإخوان. والجهاز السرى.وخطط الجماعة للاستيلاء على الحكم. واتجاه الجماعة للعنف. واستخدام الأسلحة والمتفجرات. وأول ما كشفت عنه التحقيقات كيف اعترف الإخوان بسهولة. رغم أن بعضهم أخذ فى البداية ينكر ويراوغ.
المتهم الأول السمكرى محمود عبداللطيف قال أمام المحكمة: أنا أقدمت على العمل ده وأنا فى حالة طبيعية. ولكن بعد أن فعلته شعرت بالندم. وأنى خاطى لأن قتل المسلمين مخالف للإسلام!
وقد اهتمت الصحافة المصرية بمحاولة إلقاء الضوء على شخصية الرجل الذى حاول اغتيال جمال عبدالناصر. وهب محررو مجلة المصور إلى بيته المتواضع فى حى إمبابة. واستنكر أفراد أسرته جريمته. وقالت زوجته وأمه وحماته: محمود يستاهل كل اللى يجراله. قلنا له كتير سيبك من جماعة الإخوان دول. لكن ما سمعش الكلام. وفضل وراهم وفضلوا وراه.لغاية ماودوه فى داهية!
وسجل محررو المصور أقوال ابن محمود عبداللطيف وهو طفل اسمه عبداللطيف فى التاسعة من عمره. قال: أنا كنت باسمع الراديو بالليل. وكان جمال عبد الناصر بيخطب. وبعدين سمعت ضرب الرصاص. فعيطت لأنى افتكرت إن عبدالناصر جرى له حاجة. وبعدين سمعته بيقول أنا جمال عبدالناصر. فبطلت عياط. وعرفت أن الرصاص مجاش فيه!
ولم يكتف المصور بكلمات الطفل الصغير. بل طلبوا منه أن يكتب رسالة بخط يده. فجلس الصغير ليكتب: أنا عبداللطيف محمود عبداللطيف. زعلان من بابا. علشان هو ضرب جمال عبدالناصر بالرصاص. لكن مبسوط خالص على شان ربنا سلم. ومافيش حاجة حصلت لجمال عبدالناصر!
وتابعت مجلة المصور محمود عبداللطيف فى السجن الحربى بالكلمة والكاميرا وقالت: محمود عبداللطيف منذ أن قبض عليه حتى انتهت محاكمته كان مسجونا فى حجرة بإدارة البوليس الحربى ولم تطبق عليه لوائح السجن التى تقضى بحلق شعره وهو إجراء فى لوائح السجن الحربى لأسباب صحية بحتة.
وقالت المصور: وعندما قررت محكمة الشعب حجز القضية للحكم نقل محمود عبداللطيف إلى السجن الحربى ليقضى فى إحدى زنزاناته الأيام الباقية حتى صدور الحكم. وفى السجن يمضى أيامه هكذا. يستيقظ فى السادسة صباحا. ويتوجه تحت الحراسة إلى دورة المياه ليغتسل. ثم يعود إلى زنزانته. ليرتب أثاثها القليل. ويبقى فيها حتى الثامنة. حيث يخرج إلى ساحة السجن. ليشترك فى طابور الرياضة الصباحى. الذى يشارك فيه كل من فى السجن. من مساجين وتناول فطوره. ضباط وجنود.
وتمضى المصور فى وصف يوم الرجل الذى حاول اغتيال عبدالناصر فى السجن. فتقول: ويعود المتهم إلى زنزانته ليتناول فطوره الذى يتضمن الفول والعدس. وقد لاحظ حراسه أن شهيته لهذين الصنفين جيدة جدا.وفى التاسعة صباحا ينتظم مع باقى المسجونين فى طابور التمام. الذى يتأكد فيه الضباط من وجود جميع السجناء. ثم يعود إلى زنزانته. ويبقى بها حتى الحادية عشرة. ويخرج معه حارسه لقضاء فترة النزهة الصباحية.وهى ساعة كاملة فى حديقة السجن. وعند الظهر تماما. يتوجه إلى مكتب قائد السجن ليطلع على الجرائد. أو يحدث القائد على ما قد يكون لديه من شكاوى. ثم يعود إلى زنزانته فيتناول غذاءه. وفى الرابعة مساء يخرج إلى النزهة المسائية. وهى نصف ساعة فى حديقة السجن. وفى السادسة يتناول العشاء ويبقى فى الزنزانة حتى صباح اليوم التالى!
ثم التقطت المصور عدة صور لمحمود عبداللطيف فى حديقة السجن. وإلى جوار نافورة الحديقة. وكان يبتسم. لأن الحكم عليه لم يكن قد صدر بعد
وكان الحكم: الإعدام شنقا!