كنت مدعوا لإحدى المناسبات الاجتماعية وأثناء دخولى القاعة الفخمة فى الفندق الشهير، قابلت شخصيات لم أتوقع حضورها بمثل هذا الكم الهائل، ليس بسبب موجة الحر التى حرضت على الكسل، إنما لتصورى أنهم مشغولون دوما بالمهام الموكلة إليهم، على أى حال كان المتواجدون ممن يطلق عليهم «كريمة المجتمع»، باعتبارهم نجوما فى السياسة والبيزنس والصحافة والفن ومسئولين آخرين قريبين من دوائر صناعة القرار.
تصادف جلوسى بجوار مسئول كبير ومهم على مائدة واحدة، دارت بيننا «دردشة» فى موضوعات متنوعة تخص الشأن العام بكل مفرداته المتشابكة وتفاصيله المعقدة، لكن الحديث عن الانتخابات البرلمانية كان طاغيا على ما سواه من قضايا أخرى رغم أهميتها.
لم تمنع أجواء الصخب التى سيطرت على المناسبة مواصلة الحديث وإن كان حديثا خافتا لا يقطع مواصلته سوى المجاملات البروتوكولية المعتادة والمتمثلة فى المصافحات وتبادل القبلات بين المعارف والأصدقاء أو غيرهم من هواة التملق والتقرب لأصحاب السلطة.
لا أنكر أن صدمتى كانت كبيرة عندما ذكر لى المسئول المهم حجم الأموال التى جرى إنفاقها فى الآونة الأخيرة لأجل السيطرة على البرلمان القادم، حيث بلغت فى أقل تقديراتها مليارى جنيه وما خفى كان أعظم.
ملامح وجهى كانت كاشفة عن تلك الصدمة كما أن تساؤلاتى جاءت تعبيرا عن مخاوفى من سيطرة المال على القرار السياسى وتحكم أصحاب المصالح فى توجيه التشريعات، خاصة إذا علمنا أن الدستور منح البرلمان سلطات تشكيل الحكومة من الأغلبية إن وجدت أو من الحزب الذى يحصل على الأكثرية متحالفا مع أحزاب الأقلية.
الصدمة لم تكن بسبب المال السياسى وحده فالجميع يعرف وأنا منهم أن المال والرشاوى جزء لا يتجزأ من أدوات اللعبة الانتخابية على مر العصور وفى ظل كل الأنظمة، لكن هناك أمور أخرى كثيرة داهمتنى أثناء الحديث وهى أن الرشاوى لم تكن قاصرة على شراء الأصوات الانتخابية لصالح المرشحين، إنما من محاولات شراء المرشحين أنفسهم لصالح الأحزاب أو لصالح الذين يقفون وراء الأحزاب من أباطرة البيزنس وأصحاب المصالح المتشابكة مع الدول الأجنبية والبيزنس العابر للقارات.
هؤلاء يراهنون على الانتخابات لترسيخ نفوذهم بالسيطرة على البرلمان بما يضمن بقاء قدرتهم والاستمرار فى لى ذراع الدولة بمناسبة وبدون مناسبة، والمشاهد المدللة على ذلك كثيرة، بداية من القفز على المشهد الثورى ببجاحة وليس نهاية بالصراخ للحد من الفساد، رغم أنهم صناع الفساد الذى استشرى فى زمن «مبارك».
استغل هؤلاء ظاهرة الهوس الانتخابى التى تجتاح الشارع السياسى فى استقطاب قيادات الحزب الوطنى للترشح تحت لافتة أحزابهم الناشئة رغم أحاديثهم التى لا تتوقف عن فساد الحزب الوطنى وفساد نوابه، وأيضا رغم قناعتهم سواء هم أو غيرهم بأن الأحزاب الناشئة لا تحمل هوية سياسية لكنها «زكيبة فلوس».
إذا نظرنا إلى الواقع المرئى والملموس فى كل ما يخص الاستعداد للانتخابات نجد أنه تجاوز حدود المسئولية الوطنية فى الظروف التى تمر بها البلاد، لكنه يدور فقط فى التطلعات للسيطرة على البرلمان دون النظر إلى الشأن العام بمكوناته وتفاصيله.
فالأحزاب السياسية التى لا يعرف أحد عددها أو مسمياتها، غرقت جميعا فى الترتيب للتحالفات السرية بهدف توزيع حصص المقاعد البرلمانية حسب التمويل من كل حزب وليس المرشحين، وهنا تكمن الكارثة الباعثة على المخاوف من التجربة القادمة ما لم تتدخل الدولة بثقلها عبر أجهزتها الرقابية للكشف عن مصادر تمويل الأحزاب وفضح المتعاملين مع الخارج حفاظا على مستقبل التجربة الديمقراطية.
مشهد الإنفاق على الانتخابات برمته يحمل الكثير من الدلالات التى لا يمكن القفز عليها، باعتبارها كاشفة عن «شيزوفرينيا» تمثلت فى الممارسات الفعلية لتلك الأحزاب، فقد صدع قياداتها رؤوسنا بالتصريحات والمطالبات لاستبعاد وعزل نواب الحزب الوطنى السابقين واتهامهم بالفساد وإفساد الحياة السياسية وارتكاب جرائم التزوير والبلطجة أثناء الانتخابات.
وإن كان جزء كبير من تلك الاتهامات صحيحا ولا يستطيع أحد إنكاره بحال من الأحوال، إلا أن تلك الأحزاب راحت تفعل النقيض تماما، تجاهلت الاتهامات التى أوردتها فى محاولة من جانبها لاكتساب المصداقية فى أوساط الرأى العام وبدأوا التفاوض سرا لترشيح قيادات الوطنى السابق ومنحهم الأموال للإنفاق على الدعاية ودفع الرشاوى والذى منه.
ما يحدث على الساحة الآن يكشف حقيقة دامغة، مفادها أن تلك الأحزاب جعلت من المال وسيلة لتجاوز عجزها، وتسعى من خلاله لجذب العناصر ذات الشعبية المؤثرة فى الدوائر أو الاستفادة من خبراتهم فى التزوير.
اللافت للانتباه أن محاولات الاستقطاب اتجهت نحو دوائر الصعيد التى عادة ما تتحول فيها الانتخابات إلى مواسم للصراع بين القبائل على الوجاهة والنفوذ لتحقيق التمايز العائلى والقبلى خاصة إذا علمنا أن القبائل تفوق فى قوتها الأحزاب السياسية بما فيها الوطنى السابق، فالأحزاب هى التى كانت تلجأ للمرشحين وليس العكس لأن قوة القبيلة هى التى تأتى بالنواب.
ففى تلك المناطق تتوزع القبائل المتنافرة بفعل الموروثات القديمة، وكانت أنظمة الحكم المتعاقبة، تتعامل مع المتناقضات بقدر هائل من الحساسية لتفادى اندلاع المعارك الثأرية والخصومات بما يضمن الاستقرار الأمنى والتوازن القبلى، عبر التمثيل الذى يرضى كافة الأطراف. إلا أن الأحزاب الناشئة التى يحركها «البورمجية» تجاهلت تلك الطبيعة وراحت تشعل دون دراية نيران الفتنة بإغراء بعض الأشخاص للترشح ضد أقاربهم فى تجاهل عمدى للتقاليد الموروثة وهذه هى المصيبة التى ربما تشعل المعارك الأهلية، كل هذه المخاوف سيطرت على ذهنى أثناء حديثى مع المسئول المهم فى المناسبة التى شاركت فيها رغم حرارة الجو.
تصادف جلوسى بجوار مسئول كبير ومهم على مائدة واحدة، دارت بيننا «دردشة» فى موضوعات متنوعة تخص الشأن العام بكل مفرداته المتشابكة وتفاصيله المعقدة، لكن الحديث عن الانتخابات البرلمانية كان طاغيا على ما سواه من قضايا أخرى رغم أهميتها.
لم تمنع أجواء الصخب التى سيطرت على المناسبة مواصلة الحديث وإن كان حديثا خافتا لا يقطع مواصلته سوى المجاملات البروتوكولية المعتادة والمتمثلة فى المصافحات وتبادل القبلات بين المعارف والأصدقاء أو غيرهم من هواة التملق والتقرب لأصحاب السلطة.
لا أنكر أن صدمتى كانت كبيرة عندما ذكر لى المسئول المهم حجم الأموال التى جرى إنفاقها فى الآونة الأخيرة لأجل السيطرة على البرلمان القادم، حيث بلغت فى أقل تقديراتها مليارى جنيه وما خفى كان أعظم.
ملامح وجهى كانت كاشفة عن تلك الصدمة كما أن تساؤلاتى جاءت تعبيرا عن مخاوفى من سيطرة المال على القرار السياسى وتحكم أصحاب المصالح فى توجيه التشريعات، خاصة إذا علمنا أن الدستور منح البرلمان سلطات تشكيل الحكومة من الأغلبية إن وجدت أو من الحزب الذى يحصل على الأكثرية متحالفا مع أحزاب الأقلية.
الصدمة لم تكن بسبب المال السياسى وحده فالجميع يعرف وأنا منهم أن المال والرشاوى جزء لا يتجزأ من أدوات اللعبة الانتخابية على مر العصور وفى ظل كل الأنظمة، لكن هناك أمور أخرى كثيرة داهمتنى أثناء الحديث وهى أن الرشاوى لم تكن قاصرة على شراء الأصوات الانتخابية لصالح المرشحين، إنما من محاولات شراء المرشحين أنفسهم لصالح الأحزاب أو لصالح الذين يقفون وراء الأحزاب من أباطرة البيزنس وأصحاب المصالح المتشابكة مع الدول الأجنبية والبيزنس العابر للقارات.
هؤلاء يراهنون على الانتخابات لترسيخ نفوذهم بالسيطرة على البرلمان بما يضمن بقاء قدرتهم والاستمرار فى لى ذراع الدولة بمناسبة وبدون مناسبة، والمشاهد المدللة على ذلك كثيرة، بداية من القفز على المشهد الثورى ببجاحة وليس نهاية بالصراخ للحد من الفساد، رغم أنهم صناع الفساد الذى استشرى فى زمن «مبارك».
استغل هؤلاء ظاهرة الهوس الانتخابى التى تجتاح الشارع السياسى فى استقطاب قيادات الحزب الوطنى للترشح تحت لافتة أحزابهم الناشئة رغم أحاديثهم التى لا تتوقف عن فساد الحزب الوطنى وفساد نوابه، وأيضا رغم قناعتهم سواء هم أو غيرهم بأن الأحزاب الناشئة لا تحمل هوية سياسية لكنها «زكيبة فلوس».
إذا نظرنا إلى الواقع المرئى والملموس فى كل ما يخص الاستعداد للانتخابات نجد أنه تجاوز حدود المسئولية الوطنية فى الظروف التى تمر بها البلاد، لكنه يدور فقط فى التطلعات للسيطرة على البرلمان دون النظر إلى الشأن العام بمكوناته وتفاصيله.
فالأحزاب السياسية التى لا يعرف أحد عددها أو مسمياتها، غرقت جميعا فى الترتيب للتحالفات السرية بهدف توزيع حصص المقاعد البرلمانية حسب التمويل من كل حزب وليس المرشحين، وهنا تكمن الكارثة الباعثة على المخاوف من التجربة القادمة ما لم تتدخل الدولة بثقلها عبر أجهزتها الرقابية للكشف عن مصادر تمويل الأحزاب وفضح المتعاملين مع الخارج حفاظا على مستقبل التجربة الديمقراطية.
مشهد الإنفاق على الانتخابات برمته يحمل الكثير من الدلالات التى لا يمكن القفز عليها، باعتبارها كاشفة عن «شيزوفرينيا» تمثلت فى الممارسات الفعلية لتلك الأحزاب، فقد صدع قياداتها رؤوسنا بالتصريحات والمطالبات لاستبعاد وعزل نواب الحزب الوطنى السابقين واتهامهم بالفساد وإفساد الحياة السياسية وارتكاب جرائم التزوير والبلطجة أثناء الانتخابات.
وإن كان جزء كبير من تلك الاتهامات صحيحا ولا يستطيع أحد إنكاره بحال من الأحوال، إلا أن تلك الأحزاب راحت تفعل النقيض تماما، تجاهلت الاتهامات التى أوردتها فى محاولة من جانبها لاكتساب المصداقية فى أوساط الرأى العام وبدأوا التفاوض سرا لترشيح قيادات الوطنى السابق ومنحهم الأموال للإنفاق على الدعاية ودفع الرشاوى والذى منه.
ما يحدث على الساحة الآن يكشف حقيقة دامغة، مفادها أن تلك الأحزاب جعلت من المال وسيلة لتجاوز عجزها، وتسعى من خلاله لجذب العناصر ذات الشعبية المؤثرة فى الدوائر أو الاستفادة من خبراتهم فى التزوير.
اللافت للانتباه أن محاولات الاستقطاب اتجهت نحو دوائر الصعيد التى عادة ما تتحول فيها الانتخابات إلى مواسم للصراع بين القبائل على الوجاهة والنفوذ لتحقيق التمايز العائلى والقبلى خاصة إذا علمنا أن القبائل تفوق فى قوتها الأحزاب السياسية بما فيها الوطنى السابق، فالأحزاب هى التى كانت تلجأ للمرشحين وليس العكس لأن قوة القبيلة هى التى تأتى بالنواب.
ففى تلك المناطق تتوزع القبائل المتنافرة بفعل الموروثات القديمة، وكانت أنظمة الحكم المتعاقبة، تتعامل مع المتناقضات بقدر هائل من الحساسية لتفادى اندلاع المعارك الثأرية والخصومات بما يضمن الاستقرار الأمنى والتوازن القبلى، عبر التمثيل الذى يرضى كافة الأطراف. إلا أن الأحزاب الناشئة التى يحركها «البورمجية» تجاهلت تلك الطبيعة وراحت تشعل دون دراية نيران الفتنة بإغراء بعض الأشخاص للترشح ضد أقاربهم فى تجاهل عمدى للتقاليد الموروثة وهذه هى المصيبة التى ربما تشعل المعارك الأهلية، كل هذه المخاوف سيطرت على ذهنى أثناء حديثى مع المسئول المهم فى المناسبة التى شاركت فيها رغم حرارة الجو.