اليوم نتوقف عند تفاصيل رحلات أحمد باشا حسنين كما رصدها المؤرخ الراحل د. يونان لبيب رزق حيث قال: الرحلة الأولى بدأها أحمد حسنين من بنى غازى فى نوفمبر ١٩٢١ متجهًا منها إلى «حديبة» ومنها إلى «أوجيلة» ثم «جالو» حتى وصل إلى واحات الكفرة. ومنها إلى مصر عن طريق جغبوب ثم سيوة فمرسى مطروح إلى الإسكندرية، بعد أن قطع فى الصحراء أكثر من ألف وستمائة ميل. وكانت هذه أقرب إلى «البروفة» للرحلة الثانية التى أكسبته شهرة واسعة.
وكان أحمد حسنين قد اصطحب معه فى هذه الرحلة رحالة إنجليزية حسناء اسمها «مسز روزيتا فوربس» بدلاً من شخص إنجليزى آخر. وكانت هى التى طلبت منه أن ترافقه فى رحلته.
لكن هذه المرأة الإنجليزية سببت له المتاعب فيما بعد!
فعلى الرغم من أنه أشاد بها بعد الرحلة وبقدرتها على تحمل مشاق السفر فى الصحراء. وأنها ارتدت الحجاب مثل النساء الشرقيات خلال الرحلة. إلا أن «روزيتا فوربس» صرحت بعد الرحلة بأن أحمد حسنين كان خلال هذه الرحلة مجرد سكرتير وتابع لها. وإنها وحدها كانت قائدة الرحلة!
وخلال الرحلة..
التقى أحمد حسنين بإدريس السنوسى. الذى تحفظ على وجود المرأة الإنجليزية فى الرحلة، وأعرب عن خشيته أن تسوء العلاقة بينه وبين بريطانيا إذا ما أصابها مكروه.
لكن أحمد حسنين أقنع السنوسى بأن وجود سيدة أوروبية فى البلاد الواقعة تحت سلطانه «سيكون دليلاً طيبًا على حسن إدارته، وإعلانًا جميلاً له فى أنحاء العالم عن بلاده».
لكن حسنين فوجئ بأن «مسز فوربس» بمجرد عودتها إلى بريطانيا، أصدرت كتابًا ذكرت فيه اسم أحمد حسنين باعتباره أجيرها ومترجمها أثناء الرحلة. وأنها كانت كل شيء. وصاحبة الفضل فى كل شيء!
والغريب أن الصحف الإنجليزية بدأت تردد هذا الكلام.
لكن أحمد حسنين قابل هذا الجحود والنكران بأسلوب الرجل «الجنتلمان» الذى تميز به طوال عمره.
وكانت لديه الوثائق التى تثبت كذب المرأة الإنجليزية.
لكنه لم يفتح فمه.. ولم يدافع عن نفسه.
- وسأله بعض أصدقائه الإنجليز.. لماذا لا ترد على هذه المرأة وتفضح كذبها؟
■ فقال: إننى لا ألطم امرأة!
■ ■ ■
- وقد حاول أمير الصحافة محمد التابعى فى كتابه الشهير «أسرار الساسة والسياسة» أن يفسر ما حدث. بأن «مسز فوربس» راودت أحمد حسنين عن نفسه لكنه تأبى رغم أنهما ينامان فى خيمة واحدة!
■ وقال أحمد حسنين للتابعي: كنت حريصًا على رضاء ربى ورحمته. فقد كنا فى صحراء مجهولة، وأسباب الهلاك تحيط بنا من كل جانب!
وفيما بعد..
وبعد أن قام أحمد حسنين برحلته الثانية وحيدًا واكتشف واحتى الكفرة والعوينات.. أشاد العالم أجمع باكتشافاته.. وحصل على الميدالية الذهبية للجمعية الجغرافية للاكتشافات، وكرمته أمريكا وفرنسا بالميداليات الذهبية التى لم يحصل عليها من قبل رجل شرقى غيره.
وفى إحدى حفلات التكريم هذه..
نهضت «روزيتا فوربس» من بين الحضور لتهنئته وهى تبكى نادمة.
فتقدم منها أحمد حسنين «الجنتلمان» وصافحها.
■ وقال لها: ستكونين معى فى رحلتى الثالثة.. إن رحلتى وحدى فقدت كل البهجة!
وصدرت الصحف الإنجليزية فى صباح اليوم التالى تشيد بالفارس المصرى الشرقى.. الذى أعطى الغرب درسًا فى الأخلاق والشهامة!
■ ■ ■
وكان عشق أحمد حسنين للصحراء لا حدود له..
■ قد كتب يصف الصحراء قائلاً: ما أجمل الصحراء وما أنعم ملمسها ما أيسر مسحها. وما ألذ العيش عليها.. الصحراء ذات الغلائل الصفراء اللانهائية.. إنها صبية طيعة. ظبية ألوف. فرعها من ورد. جيدها من ذهب. جينها من نور. النظرة إليها تسبى العينين. المشى عليها يأخذ بالألباب. حياتها موسيقى وشعر. سماؤها أغان وأحلام. الإقامة فيها كالإقامة فى روضة غناء. راضية قنوع، لا ترد قاصدًا، ولا تخيب ظنًا، إن صدت أقبلت وأن أقبلت لانت. ضعيفة ذات خفر. فى صوتها حنان، وفى وقتها لذة. فى ملاحتها فتنة، وفى إغرائها خمرة تسكر العاشقين.
هكذا وصف أحمد حسنين الصحراء وهى هادئة..
لكن ماذا إذا هبت الصحراء وعصفت برياحها القاسية؟
■ عن الصحراء الغاضبة كتب يقول: ساء حال الرحالة. كل شيء تلف، أو تحطم، أو ضاع صناديقه كأنها ركام، عودة أصبحت لا تغنى شيئًا. سلاحه لا فائدة منه. أبله برح به الإعياء والضنى. رجاله أصبحوا كالأشباح. من فرط ما نالهم من مشقة الجوع النضب اليأس. دليله ضجر متبرم.
هكذا كادت الصحراء لرحالتنا ومكرت به. عبثت حتى بكراسة مذكراته. سلبته حتى غليون دخانه. ضنت عليه حتى بلذة الشبع. ما أشبهه بالقائد الذى خسر المعركة، فهو أوى إلى أنقاضه لا يدرى ماذا يصنع بها، يهوله مشهد الضحايا، يروعه مشهد الخراب. يجزع لمقدم الغد. فى ذمته تبعة هذا جمعيه. أما هو فرهينة ينتظر. أما الأسرع وهو الذل، وأما الفرار هو خبل. أما قتل النفس هو عار وخور!
وكان أحمد حسنين قد اصطحب معه فى هذه الرحلة رحالة إنجليزية حسناء اسمها «مسز روزيتا فوربس» بدلاً من شخص إنجليزى آخر. وكانت هى التى طلبت منه أن ترافقه فى رحلته.
لكن هذه المرأة الإنجليزية سببت له المتاعب فيما بعد!
فعلى الرغم من أنه أشاد بها بعد الرحلة وبقدرتها على تحمل مشاق السفر فى الصحراء. وأنها ارتدت الحجاب مثل النساء الشرقيات خلال الرحلة. إلا أن «روزيتا فوربس» صرحت بعد الرحلة بأن أحمد حسنين كان خلال هذه الرحلة مجرد سكرتير وتابع لها. وإنها وحدها كانت قائدة الرحلة!
وخلال الرحلة..
التقى أحمد حسنين بإدريس السنوسى. الذى تحفظ على وجود المرأة الإنجليزية فى الرحلة، وأعرب عن خشيته أن تسوء العلاقة بينه وبين بريطانيا إذا ما أصابها مكروه.
لكن أحمد حسنين أقنع السنوسى بأن وجود سيدة أوروبية فى البلاد الواقعة تحت سلطانه «سيكون دليلاً طيبًا على حسن إدارته، وإعلانًا جميلاً له فى أنحاء العالم عن بلاده».
لكن حسنين فوجئ بأن «مسز فوربس» بمجرد عودتها إلى بريطانيا، أصدرت كتابًا ذكرت فيه اسم أحمد حسنين باعتباره أجيرها ومترجمها أثناء الرحلة. وأنها كانت كل شيء. وصاحبة الفضل فى كل شيء!
والغريب أن الصحف الإنجليزية بدأت تردد هذا الكلام.
لكن أحمد حسنين قابل هذا الجحود والنكران بأسلوب الرجل «الجنتلمان» الذى تميز به طوال عمره.
وكانت لديه الوثائق التى تثبت كذب المرأة الإنجليزية.
لكنه لم يفتح فمه.. ولم يدافع عن نفسه.
- وسأله بعض أصدقائه الإنجليز.. لماذا لا ترد على هذه المرأة وتفضح كذبها؟
■ فقال: إننى لا ألطم امرأة!
■ ■ ■
- وقد حاول أمير الصحافة محمد التابعى فى كتابه الشهير «أسرار الساسة والسياسة» أن يفسر ما حدث. بأن «مسز فوربس» راودت أحمد حسنين عن نفسه لكنه تأبى رغم أنهما ينامان فى خيمة واحدة!
■ وقال أحمد حسنين للتابعي: كنت حريصًا على رضاء ربى ورحمته. فقد كنا فى صحراء مجهولة، وأسباب الهلاك تحيط بنا من كل جانب!
وفيما بعد..
وبعد أن قام أحمد حسنين برحلته الثانية وحيدًا واكتشف واحتى الكفرة والعوينات.. أشاد العالم أجمع باكتشافاته.. وحصل على الميدالية الذهبية للجمعية الجغرافية للاكتشافات، وكرمته أمريكا وفرنسا بالميداليات الذهبية التى لم يحصل عليها من قبل رجل شرقى غيره.
وفى إحدى حفلات التكريم هذه..
نهضت «روزيتا فوربس» من بين الحضور لتهنئته وهى تبكى نادمة.
فتقدم منها أحمد حسنين «الجنتلمان» وصافحها.
■ وقال لها: ستكونين معى فى رحلتى الثالثة.. إن رحلتى وحدى فقدت كل البهجة!
وصدرت الصحف الإنجليزية فى صباح اليوم التالى تشيد بالفارس المصرى الشرقى.. الذى أعطى الغرب درسًا فى الأخلاق والشهامة!
■ ■ ■
وكان عشق أحمد حسنين للصحراء لا حدود له..
■ قد كتب يصف الصحراء قائلاً: ما أجمل الصحراء وما أنعم ملمسها ما أيسر مسحها. وما ألذ العيش عليها.. الصحراء ذات الغلائل الصفراء اللانهائية.. إنها صبية طيعة. ظبية ألوف. فرعها من ورد. جيدها من ذهب. جينها من نور. النظرة إليها تسبى العينين. المشى عليها يأخذ بالألباب. حياتها موسيقى وشعر. سماؤها أغان وأحلام. الإقامة فيها كالإقامة فى روضة غناء. راضية قنوع، لا ترد قاصدًا، ولا تخيب ظنًا، إن صدت أقبلت وأن أقبلت لانت. ضعيفة ذات خفر. فى صوتها حنان، وفى وقتها لذة. فى ملاحتها فتنة، وفى إغرائها خمرة تسكر العاشقين.
هكذا وصف أحمد حسنين الصحراء وهى هادئة..
لكن ماذا إذا هبت الصحراء وعصفت برياحها القاسية؟
■ عن الصحراء الغاضبة كتب يقول: ساء حال الرحالة. كل شيء تلف، أو تحطم، أو ضاع صناديقه كأنها ركام، عودة أصبحت لا تغنى شيئًا. سلاحه لا فائدة منه. أبله برح به الإعياء والضنى. رجاله أصبحوا كالأشباح. من فرط ما نالهم من مشقة الجوع النضب اليأس. دليله ضجر متبرم.
هكذا كادت الصحراء لرحالتنا ومكرت به. عبثت حتى بكراسة مذكراته. سلبته حتى غليون دخانه. ضنت عليه حتى بلذة الشبع. ما أشبهه بالقائد الذى خسر المعركة، فهو أوى إلى أنقاضه لا يدرى ماذا يصنع بها، يهوله مشهد الضحايا، يروعه مشهد الخراب. يجزع لمقدم الغد. فى ذمته تبعة هذا جمعيه. أما هو فرهينة ينتظر. أما الأسرع وهو الذل، وأما الفرار هو خبل. أما قتل النفس هو عار وخور!