الخميس 05 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

سقوط الشاه (2)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
علمت الجماهير أن «الشاه» طالما بدأ بالتنازل أمام مطالب الشعب لا بد وأن الرضوخ سيستمر كلما ازداد الشعب فى المطالبة أكثر وأكثر.
واتحدت الفئات السياسية كلها للقضاء على «العدو المشترك»!
وبما أن الشعب شعبٌ مسلمٌ، فلا بد من استغلال ذلك، وكان «الشاه» قد عاند كثيرًا من رجال الدين وعلى رأسهم «الخميني» الذى كان يعيش فى العراق بعيدًا عن بطش «الشاه».
فرأت الفئات السياسية أن تتخذ من الشيخ العجوز الثمانينى! قائدًا للنضال، ولم يتصور أحدٌ قط أن الثورة إذا نجحت فإن مرشدها سيخون ثقة الشعب به، ويحتكر السلطة لنفسه ولزمرته، ويرتكب فى سبيل ذلك من الآثام ما تقشعر له الأبدان، بل كان التصور أنه غير طامع فى الحكم، وهو قد أقسم أيمانًا مغلظة أمام العالم أنه وزمرته لا يطمعون فى أى شيءٍ من مكاسب الثورة، ولا يريدون جزاءً ولا شكورًا، وأنهم سيعتزلون السياسة عندما تنجح الثورة ويعودون إلى مدارسهم الدينية فى قُم، يقرأون ويؤلفون ويدرسون، والحرية المطلقة تكون للشعب يختار النظام الذى يريد.
وبدأ الشاه بالتنازل أمام مطالب الشعب وأقال «عباس هويدا» رئيس وزرائه الذى حكم البلاد ١٤ عامًا، ثم أقال الجنرال «نصيري» رئيس جهاز «السافاك» (والسافاك لمن لا يعرف، هو جهاز المخابرات والأمن القومى الإيرانى والذى أسس بمعاونة الاستخبارات المركزية الأمريكية وكان جهازًا سيء السمعة للغاية، حيث اشتهر عنه ممارسة كافة أشكال التعذيب والتنكيل والبطش بكل معارضى الشاه) وشكل حكومة جديدة برئاسة «أوزكار» المعروف بعمالته لأمريكا والذى استقال بعد شهرين بسبب المظاهرات ضده ليخلفه «شريف أمامي» الذى استقال بعد فترة وجيزة ليتسلم الحكم الجنرال «ازهاري».
ولكن المظاهرات لم تتوقف فأمر «الشاه» باعتقال «عباس هويدا» متهمًا إياه بالفساد هو والجنرال «نصيري»، ولكن المظاهرات والإضرابات لم تنته وكان آخرها يوم «الجمعة الأسود»! الذى أطلق الجيش النار فيه على المتظاهرين فى «طهران» فاستقال «ازهاري».
وظهر «الشاه» على شاشة التلفاز يقول لشعبه: «لقد سمعت نداءكم وها أنا معتذرٌ إليكم، سأفعل ما تأمرون، وها أنا أمد يدى إلى رجال الدين العظام ليساعدوننى فى حل مشاكل البلاد»!!
كان هذا الخطاب بمثابة انتحار لـ«الشاه»، وإيذان بنهاية نظامه، فقد ظهر بمظهر الضعيف المسكين الذى يستجدى العطف من أعدائه الذين وصفهم منذ وقتٍ قصير بــ«الكلاب النابحة»!
فلما خرج يعتذر لم يجد الاعتذار شيئًا بل زاد من سخط الساخطين واتحاد المعارضين، وعرف الشعب أن ملكه بدأ يستجدى العون من أعدائه، فأجهز عليه الشعب من كل صوبٍ وحدبٍ، وازدادت الإضرابات والمظاهرات وبدأ الأمر يتحول من سيئ إلى أسوأ، وبدأ كبار رجال الدولة وأعضاء الأسرة المالكة يغادرون إيران حاملين حقائبهم المليئة بالأموال التى نهبوها، وفى خلال ستة أشهر كانت الأموال المهربة قد تجاوزت ألفى بليون دولار!
وأخيرًا غادر «الشاه» وزوجته بصورة مهينة، وعندما عرف الشعب بذلك خرج إلى الشوارع على بكرة أبيه يهلل ويصفق وملأت الأفراح الخافقين، وهكذا انتصر الشعب الذى خرج من محنته ليُبْتَلى بالطامة الكبرى فكان شأنه «كالمستجير من الرمضاء بالنار»!
وقد كان من أهم الأسباب التى أدت إلى انهيار نظام «الشاه»: تغير السياسة الأمريكية تجاه «الشاه» والتى أدت لهزيمته هزيمة منكرة، وإن كانت فى بادئ الأمر لم تقصد تغيير «الشاه»، ولكن كما ذكر «الشاه» فى مذكراته أن «الأمريكان» لم يعملوا شيئًا لإنقاذه عن طريق مستشاريهم، عندما عرفوا أن ورقته خاسرة، بل كانوا يرغبون فى مغادرته البلاد، كما قال له الجنرال «هايزر»، معاون رئيس حلف الناتو، والذى وصل إلى إيران بغير علمٍ منه واتصل بالمعارضة بدون علمه أيضًا، وعندما زاره فى قصره لم يبحث معه تطورات الأزمة ولكن كان يسأله وبصوره متكررة: متى تغادر إيران؟!
ويظهر أيضًا من اعترافات زمرة «الخميني» بوضوح أن «الأمريكان» غيروا سياستهم فى دعم الشاه فى الشهور الأخيرة قبل سقوط النظام وبدأوا الاتصال بــ«الخميني» وزمرته ليكونوا بديلًا «للشاه» فى أيدي «الأمريكان» ينفذ لهم يُملى عليه! وهو ما وعدهم به «الخميني» وجماعته فى حال نجاحهم وأنهم سيكونون موالين لهم.
و... فى الأسبوع القادم - إن شاء الله- للحديث بقية إن شاء ربُّ البرية.