قد تذهب الظنون بمن يقرأ هذا العنوان مذاهبها، وتسرح به الأوهام وتطير به التخيلات كل مطار، ولأنه ليس من عادتى أن أخدع أحدًا، أو أن أشرع فى خداعه، ألا فليُعلم أن هذا العنوان هو بحروفه عنوان كتابٍ لكاتبٍ وعالمٍ إيرانى، وما يأتى تحته ليس إلا تلخيصًا أمينًا لما جاء فى كتابه الذى يروى فيه شهادته عن الذى عاصره، مما كان يعرف بـ «الثورة الإيرانية» قبل أن تتحول إلى «الثورة الإسلامية» لتستقر فى المنتهى على «الثورة الخمينية»!
لم أزد فيما أكتب على مجرد التلخيص وإعادة النشر، ولست مسئولًا عن أى إسقاط يسقطه أحدٌ على واقعه الذى يعيشه الذى قد يكون سببه التشابه أو ربما التطابق بين أشخاص ووقائع وأحوال كأنها هى هى! وكأنها نسخة مكررة من أحداث وقعت، وما زالت تقع لم يتغير منها سوى الأشخاص والزمان والمكان! أو أن المُخَطِط لها واحد!.. ربما.
وكأن نوعًا من الاستنساخ قد تحقق عمليًا فى واقعنا المعاصر أو كأن ما يعرف بــ «الرجعة» عند الشيعة قد تحقق فى الواقع فرأيناه بأعيننا!
على كل حالٍ لستُ إلا ناقلًا وملخصًا لكتاب قرأته، ولست مسئولًا عن أى تطابقٍ أو تشابهٍ أو إسقاطٍ على الواقع!
«الثورة البائسة» إذن هو عنوان كتاب «موسى الموسوي»، وهو عالم إيرانى قرين «الخميني» ورفيقه فى فرنسا والعراق وأمريكا ومعاصر «للثورة الإيرانية»، وشاهد عليها عن قرب، مما يعطى لشهادته وروايته طابعًا خاصًا إذ الحاضرُ يرى ما لا يرى الغائبُ وليس المُخْبَرُ كالمعايِن!
يبقى قبل أن نبدأ، أن نذكر أمرًا مهمًا، وهو أن هذا الكتاب إنما نشر بعد «الثورة الخمينية» بثلاث سنوات فقط، ومنه تعلم أن الأرقام وأعداد الضحايا التى ذكرها تعبر فقط عن ثلاث سنوات من عمر ذلك النظام الإرهابى المجرم الذى ما يزال يمارس إرهابه على الشعب الإيرانى إلى هذه اللحظة، وأما عن الأعداد والأرقام إلى الآن فحدث ولا حرج!
يبدأ الرجل كتابه بإرهاصات الثورة، واصفًا الحال الذى كانت عليه «إيران» قبل الثورة الذى أدى إليها فيقول: -
بداية النهاية!
لقد آن للشاه أن يرحل، كان هذا مراد الشعب الإيرانى برحيل نظام الشاه الذى استمر خمسة وعشرين عامًا!
وبالفعل وبسبب الغليان الشعبى لم يستطع الشاه وجيشه ومخابراته وملايين الدولارات من الأسلحة الحديثة أن تعترض طريق الجماهير التى أطاحت بالشاه وعرشه، ودمرت فى طريقها الرطب واليابس، وأطاحت بجيشٍ كان قوامه أربعمائة ألف جندى مدججين بأحدث الأسلحة، ومخابرات كانت من أقوى المخابرات فى الشرق الأوسط.
لقد كانت لنجاح الثورة الإيرانية أسباب كثيرة داخلية وخارجية، ولكنها اجتمعت جميعًا وتكاتفت حتى نجحت فى إسقاط الشاه!
لقد كان الوضع العام فى أواخر أيام الشاه نموذجًا من التناقضات الصارخة التى تنذر بالشر المستطير على النحو التالى:
١-الحريات السياسية كانت مفقودة.
٢- الإرهاب بلغ أشده فى ظل «السافاك»، حيث التعذيب البشع وقتل السجناء ورمى المناوئين والمعارضين السياسيين فى بحيرة ساوة أحياء.
٣- الثورات المحلية (المظاهرات) تخمد بالحديد والنار.
٤- الوضع الاقتصادى ينذر بكارثة.
٥- إيرادات النفط تنفق فى شراء الأسلحة من أمريكا وأوروبا والإسراف فى نفقات الدولة والبلاط.
٦- التدخل الأمريكى بلغ مرحلة الوصاية، فكان هنالك خمسون ألف مستشارٍ أمريكى يتقاضون ٤ آلاف مليون دولار سنويًا، إضافة إلى قانون الحصانة الأمريكية.
٧- رجالات الدولة العليا كانوا مجموعة من الأوغاد لا هم لهم إلا إرضاء الشاه والانصياع لأوامره.
٨- كانت القصص المثيرة عن تلاعب الشاه وأركان دولته بأموال الشعب واستغلال النفوذ ونهب البلايين، حديث كل فرد من أفراد الشعب فى مجالسه ونواديه.
٩- مع أن ظاهر البلاد كان يوحى بوضعٍ اقتصادى زاهر، إلا أن ثمانين بالمائة من الشعب كان يعيش فى حالة اقتصادية بائسة!
فالشعب الإيرانى فى ظاهره من أثرى شعوب المنطقة، ولكنه وبسبب تكدس الثروات فى أيدى قلة قليلة، كان شعبًا مسكينًا لا يحصل إلا على أقل القوت بشق الأنفس فى الوقت الذى كان «الشاه» فيه بعيدا كل البعد عن مأساة شعبه!
وكان استمرار هذا الوضع الشاذ يتوقف على أمرين: بطش «السافاك» بالمعارضين، وإخماد التظاهرات التى تقوم هنا وهناك بسلاح الجيش.
والأمر الثانى هو الدعم الأمريكى، فقد كان «السافاك» والجيش مدعومين بالمستشارين الأمريكيين، ويحظيان كما يحظى النظام الحاكم بدعم بل وتخطيط أمريكى كى يستطيع كبت الشعب ودحره.
ولكن حدثت المفاجأة التى مهدت للثورة فى «إيران»، وذلك بتغير الموقف الأمريكى من «الشاه» مع تغير الرئيس الأمريكى وفوز «جيمى كارتر» بالرئاسة، فصدرت النصائح تلو النصائح من الرئيس الأمريكى الجديد إلى «الشاه» بإعطاء الحرية المناسبة لشعب «إيران»، وعرف الشعب الإيرانى أن القوة القاهرة التى تساند «الشاه» قد غيرت موقفها من حاكم «إيران».
وحين استجاب «الشاه» للنصائح الأمريكية، وأعلن الانفتاح السياسى وقع فى الخطأ المميت، فقد تحرك الشعب يريد الخلاص من حاكمه، مستغلًا هذه اللحظة الحاسمة قبل حدوث تغير مفاجئ، فيعود الحال لما كان عليه.
على ما سنبينه فى الأسبوع المقبل إن شاء الله.
و...
للحديثِ بقية، إن شاء ربُّ البرية.
لم أزد فيما أكتب على مجرد التلخيص وإعادة النشر، ولست مسئولًا عن أى إسقاط يسقطه أحدٌ على واقعه الذى يعيشه الذى قد يكون سببه التشابه أو ربما التطابق بين أشخاص ووقائع وأحوال كأنها هى هى! وكأنها نسخة مكررة من أحداث وقعت، وما زالت تقع لم يتغير منها سوى الأشخاص والزمان والمكان! أو أن المُخَطِط لها واحد!.. ربما.
وكأن نوعًا من الاستنساخ قد تحقق عمليًا فى واقعنا المعاصر أو كأن ما يعرف بــ «الرجعة» عند الشيعة قد تحقق فى الواقع فرأيناه بأعيننا!
على كل حالٍ لستُ إلا ناقلًا وملخصًا لكتاب قرأته، ولست مسئولًا عن أى تطابقٍ أو تشابهٍ أو إسقاطٍ على الواقع!
«الثورة البائسة» إذن هو عنوان كتاب «موسى الموسوي»، وهو عالم إيرانى قرين «الخميني» ورفيقه فى فرنسا والعراق وأمريكا ومعاصر «للثورة الإيرانية»، وشاهد عليها عن قرب، مما يعطى لشهادته وروايته طابعًا خاصًا إذ الحاضرُ يرى ما لا يرى الغائبُ وليس المُخْبَرُ كالمعايِن!
يبقى قبل أن نبدأ، أن نذكر أمرًا مهمًا، وهو أن هذا الكتاب إنما نشر بعد «الثورة الخمينية» بثلاث سنوات فقط، ومنه تعلم أن الأرقام وأعداد الضحايا التى ذكرها تعبر فقط عن ثلاث سنوات من عمر ذلك النظام الإرهابى المجرم الذى ما يزال يمارس إرهابه على الشعب الإيرانى إلى هذه اللحظة، وأما عن الأعداد والأرقام إلى الآن فحدث ولا حرج!
يبدأ الرجل كتابه بإرهاصات الثورة، واصفًا الحال الذى كانت عليه «إيران» قبل الثورة الذى أدى إليها فيقول: -
بداية النهاية!
لقد آن للشاه أن يرحل، كان هذا مراد الشعب الإيرانى برحيل نظام الشاه الذى استمر خمسة وعشرين عامًا!
وبالفعل وبسبب الغليان الشعبى لم يستطع الشاه وجيشه ومخابراته وملايين الدولارات من الأسلحة الحديثة أن تعترض طريق الجماهير التى أطاحت بالشاه وعرشه، ودمرت فى طريقها الرطب واليابس، وأطاحت بجيشٍ كان قوامه أربعمائة ألف جندى مدججين بأحدث الأسلحة، ومخابرات كانت من أقوى المخابرات فى الشرق الأوسط.
لقد كانت لنجاح الثورة الإيرانية أسباب كثيرة داخلية وخارجية، ولكنها اجتمعت جميعًا وتكاتفت حتى نجحت فى إسقاط الشاه!
لقد كان الوضع العام فى أواخر أيام الشاه نموذجًا من التناقضات الصارخة التى تنذر بالشر المستطير على النحو التالى:
١-الحريات السياسية كانت مفقودة.
٢- الإرهاب بلغ أشده فى ظل «السافاك»، حيث التعذيب البشع وقتل السجناء ورمى المناوئين والمعارضين السياسيين فى بحيرة ساوة أحياء.
٣- الثورات المحلية (المظاهرات) تخمد بالحديد والنار.
٤- الوضع الاقتصادى ينذر بكارثة.
٥- إيرادات النفط تنفق فى شراء الأسلحة من أمريكا وأوروبا والإسراف فى نفقات الدولة والبلاط.
٦- التدخل الأمريكى بلغ مرحلة الوصاية، فكان هنالك خمسون ألف مستشارٍ أمريكى يتقاضون ٤ آلاف مليون دولار سنويًا، إضافة إلى قانون الحصانة الأمريكية.
٧- رجالات الدولة العليا كانوا مجموعة من الأوغاد لا هم لهم إلا إرضاء الشاه والانصياع لأوامره.
٨- كانت القصص المثيرة عن تلاعب الشاه وأركان دولته بأموال الشعب واستغلال النفوذ ونهب البلايين، حديث كل فرد من أفراد الشعب فى مجالسه ونواديه.
٩- مع أن ظاهر البلاد كان يوحى بوضعٍ اقتصادى زاهر، إلا أن ثمانين بالمائة من الشعب كان يعيش فى حالة اقتصادية بائسة!
فالشعب الإيرانى فى ظاهره من أثرى شعوب المنطقة، ولكنه وبسبب تكدس الثروات فى أيدى قلة قليلة، كان شعبًا مسكينًا لا يحصل إلا على أقل القوت بشق الأنفس فى الوقت الذى كان «الشاه» فيه بعيدا كل البعد عن مأساة شعبه!
وكان استمرار هذا الوضع الشاذ يتوقف على أمرين: بطش «السافاك» بالمعارضين، وإخماد التظاهرات التى تقوم هنا وهناك بسلاح الجيش.
والأمر الثانى هو الدعم الأمريكى، فقد كان «السافاك» والجيش مدعومين بالمستشارين الأمريكيين، ويحظيان كما يحظى النظام الحاكم بدعم بل وتخطيط أمريكى كى يستطيع كبت الشعب ودحره.
ولكن حدثت المفاجأة التى مهدت للثورة فى «إيران»، وذلك بتغير الموقف الأمريكى من «الشاه» مع تغير الرئيس الأمريكى وفوز «جيمى كارتر» بالرئاسة، فصدرت النصائح تلو النصائح من الرئيس الأمريكى الجديد إلى «الشاه» بإعطاء الحرية المناسبة لشعب «إيران»، وعرف الشعب الإيرانى أن القوة القاهرة التى تساند «الشاه» قد غيرت موقفها من حاكم «إيران».
وحين استجاب «الشاه» للنصائح الأمريكية، وأعلن الانفتاح السياسى وقع فى الخطأ المميت، فقد تحرك الشعب يريد الخلاص من حاكمه، مستغلًا هذه اللحظة الحاسمة قبل حدوث تغير مفاجئ، فيعود الحال لما كان عليه.
على ما سنبينه فى الأسبوع المقبل إن شاء الله.
و...
للحديثِ بقية، إن شاء ربُّ البرية.