الجمعة 18 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

رحلة البحث عن غرفة بـ"العناية المركزة".. الموت أسهل

"البوابة" خاضتها لكشف كوارث المستشفيات

العناية المركزة
العناية المركزة"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أحمد ماهر.. «كامل العدد» والمرضى مكدسون فى الطرقات قصر العينى.. غرف محجوزة لشهور بأسماء أطباء
المنيرة.. «الواسطة هى الحل».. ومسئول: «خلوا الدولة تحل المشكلة»
اليوم فى المستشفيات الخاصة بـ5 آلاف جنيه.. ومستشفى خاص يرفض تسليم جثة متوفى لأسرته إلا بعد دفع تكاليف العلاج

العناية المركزة تعنى الحياة أو الموت، فهى اللحظات الحاسمة فى حياة المريض، ثانية واحدة فيها قد تباعد بينه وبين حدوث الوفاة، لهذا تأتى غرف العناية المركزة فى قمة اهتمامات المواطنين والمسئولين عن الصحة، والعاملين فى الطب، وتعد أكثر الأماكن حساسية نظرا للحالات الحرجة التى تحتويها.
ويعيش المئات من الأسر يوميًا فى مُعاناة البحث عن سرير فى إحدى غرف العناية لإنقاذ ذويهم أى حالة مرضية مفاجئة، «كعب داير» ورحلة طويلة لا تستطيع أن تتجاوزها إلا إذا كنت تملك آلاف الجنيهات لتذهب للمستشفيات الخاصة وتدفع مبالغ طائلة لتنقذ مريضك. «البوابة» خاضت تجربة البحث عن غرفة عناية مركزة فى العديد من المستشفيات الحكومية والخاصة، فالحكومية يوجد بها - وفق الإحصائيات الرسمية - نحو ٨ آلاف سرير موزع على المستشفيات العامة والتعليمية، والإحصائيات ذاتها تشير إلى أن الغرف استوعبت ٧٠ ألفا و٦٤٢ حالة مرضية خلال عام ٢٠١٤، استوجب دخولها الرعاية المركزة، دون الإشارة إلى أن تلك الأعداد هى التى أُجريت لها عمليات جراحية كبيرة.

 أحمد ماهر

ذهب محرر «البوابة» إلى مستشفى أحمد ماهر ليسأل عن غرفة عناية مركزة، وزعم أن لديه مريضًا فى المنزل يريد نقله، وقالت له ممرضة الاستقبال إنه لا يوجد غرفة متاحة داخل العناية، وكل الغرف مشغولة، وبعد إصراره على الطلب طلبت الممرضة منه الانتظار قليلا، وذهبت إلى الدور العلوى حيث غرف العناية المركزة لتسأل الطبيب المسئول، ورفضت اصطحاب المحرر معها، وانتظر حتى عادت وقالت له إن جميع الغرف بها مرضى، ولكن من الممكن إخلاء غرفة فى خلال ساعات، وطلبت منه أن يترك رقم هاتفه للاتصال به.

وأثناء تجوال المُحرر داخل المستشفى وجد الإهمال يملأ كل مكان فيه، لا يوجد أى مسئول تتحدث إليه، المرضى مُكدسون فى الطرقات، وتجد بعضهم ينام فوق «الترول» وهو مصاب حتى يأتى طبيب يكشف عليه، وربما ينتظر المريض ساعات دون أى علاج.


قصر العيني العام
ذهب محررنا إلى المكان المُخصص للعناية المركزة فى قصر العينى ليسأل إحدى الممرضات عن غرفة، بحجة وجود مريض حالته حرجة، فردت الممرضة بعد إلحاح: «هل تعرف أى طبيب مُعالج أو استشارى هنا فى المستشفى لديه عيادة خاصة فى الخارج ؟».
فسألها المحرر عن سبب السؤال، فكانت المفاجأة وجود أماكن عديدة داخل العناية المركزة غير مشغولة وخالية من المرضى، ولكنها محجوزة بأسماء أطباء من المستشفى، ولديهم عيادات خارجية خاصة بهم، وتابعت الممرضة: «لو تعرف حد منهم كلمه يدخلك على طول على قوة اسمه دون أى انتظار»، هكذا وبكل سهولة يتعرض المريض لخطر الموت فى الشارع لعدم استطاعته الحصول على غرفة عناية مركزة، وكشفت الممرضة مفاجأة إن هناك غرف عناية ولا يوجد بها أى مرضى تظل محجوزة لأكثر من شهر على اسم طبيب أو استشارى معين من العاملين بالمستشفى إلى أن يأتى مريض يتبع الطبيب ليدخل الغرفة، ويتم ذلك فى بعض الأحيان عن طريق الهاتف، رغم وفاة العديد من المرضى لعدم استطاعتهم إيجاد سيارة إسعاف أو غرفة طوارئ.
بعد ذلك ذهب المحرر ليتحدث مع أى مسئول فى المستشفى، ليتحدث معه بصفته الصحفية، عن تلك المعلومة الخطيرة بحجز الأطباء لغرف العناية، ولم يستطع المحرر العثور على أى مسئول بمستشفى قصر العيني، فالمكاتب إما لا يوجد بها أحد أو مغلقة، وعندما تسأل عن أى المسئول لا تجد إجابة.

المنيرة
خرج المُحرر من المستشفى وذهب إلى مستشفى المنيرة العام، ودخل الطوارئ ليسأل أحد الأطباء عن غرفة عناية مركزة، بحجة أن لديه حالة مصابة بهبوط حاد ولا بد من نقلها لغرفة العناية المركزة، فقال له الطبيب «اذهب إلى الاستقبال لكن معتقدش إنك هتلاقي»، وانصرف بعدها للكشف على الحالات فى قسم الطوارئ وذهب إلى قسم الاستقبال، وكانت الإجابة أنه لا يوجد أى غرفة عناية مركزة متاحة ولديهم قوائم انتظار، وعندما ألح المحرر وكان رد أحد الأطباء كالآتي: «مش هتلاقى غرف والمفروض الدولة تشوف حل، إحنا معندناش حلول، اتصل بخط الطوارئ بوزارة الصحة يمكن يشوفلك مكان فاضي»، بعدها غادر المحرر المكان واتصل على الفور بخط وزارة الصحة وقدم لهم بياناته على وعد منهم بالاتصال به فى أقرب وقت.

المستشفيات الخاصة
انتهت جولة محرر «البوابة» داخل المستشفيات الحكومية، ليذهب إلى أحد المستشفيات الخاصة فى منطقة الدقى ليبحث عن غرفة مُجهزة للعناية المركزة، فقابله موظف الاستقبال بالمستشفى، فأخبره الموظف أنه يوجد غرف عناية مركزة متوفرة، ولكن قبل نقل المريض يجب سداد ٢٠ ألف جنيه تحت الحساب، وتكلفة العلاج ٥ آلاف جنيه فى اليوم، على حسب حالة المريض.
توجه المحرر بعدها إلى مستشفى المعلمين فى منطقة الجزيرة، ومن المفترض أنه مستشفى عام، لكنه اكتشف أنه مستشفى خاص تديره شركة طبية منذ عدة سنوات، فى الاستقبال سأل المحرر الموظف عن غرفة عناية مركزة، فوجد غرفة متوفرة بأسعار من ١٥ لـ ٢٠ ألف جنيه تحت الحساب قبل نقل المريض، لأن سعر الغرفة من ١٥٠٠ إلى ٢٠٠٠ جنيه يوميًا، بخلاف أجور الأطباء الذين يمرون يوميًا على الحالة للكشف عليها وإعداد تقرير، بخلاف التمريض والأدوية والمحاليل، والتى تصل فى بعض الأحيان إلى آلاف الجنيهات يوميًا، وأثناء حديث محررنا مع أحد الأطباء سمع صوتًا عاليا وشبه معركة فى أحد المكاتب بالمستشفى، وتركه الطبيب وانصرف إلى مكان الصوت وذهب خلفه ليستطلع الأمر، فوجد أن أحد المرضى توفى داخل العناية المركزة، وأسرة المريض دفعوا كل ما يملكون فى علاجه، لكن مريضهم فارق الحياة وإدارة المستشفى رفضت تسليمهم المتوفى قبل سداد باقى الفاتورة، وتدخل أحد الأطباء ليهدئ أهل المتوفى ويذهب بهم إلى مكتب الحسابات.
تحدث المحرر لشاب فى مقتبل العمر كان يبكى على المريض المتوفى، فاقترب منه وهدأ من روعة، وقال له «لماذا لم تذهب معهم»؟، قال «أصلهم ناس معندهمش دم ولا رحمة إحنا دخلنا جدتى هنا منذ ١٥ يوما بعد ما لفينا المستشفيات، فأنا أعمل محاسبا فى إحدى الشركات وعمرى ٢٤ سنة، وأكبر أحفاد السيدة المتوفية، جئنا هنا لكى ننقذ حالة جدتى المتدهورة ودفعنا مبلغ ٢٠ ألف جنيه تحت الحساب وأدخلناها العناية المركزة، ولكننا لم نشعر بأى تحسن فى الحالة، وبعد ذلك بحوالى أسبوع طالبتنا ادارة المستشفى بسداد مبلغ آخر تحت الحساب، وجمعنا الأموال لنسدد الحساب ودفعنا ٢٠ ألف جنيه تاني، بل وكنا نشترى العلاج فى بعض الأحيان من الخارج لعدم وجود أدوية من بعض الأصناف داخل المستشفى، ومنذ حوالى أربعة أيام دخلت جدتى فى غيبوبة والحالة لم تستقر، ولكن إدارة المستشفى لم ترحمنا وطلبت مبلغا آخر تحت الحساب، فباع أبى سيارته لندفع المال، ولكن قضاء الله نفذ وتوفيت جدتي، ولكن إدارة المستشفى رفضت أن تأخذ الأموال التى معنا وطلبوا ٢٥ ألف جنيه، ورفضوا تسليمنا المتوفية حتى بعد حصولهم على الأموال التى كانت معنا، واتكلمنا معاهم لمدة ساعتين، ووصلت أن موظف الحسابات طلب مننا أى ضمانات أو الإمضاء على إيصال أمانة لكى نحصل على جثة المتوفية»، وانصرف الشاب إلى مكتب الحسابات وهو ما زال يبكى وذهب المحرر خلفه فوجد مشاجرة بين أهل المتوفى وموظف الحسابات، والطبيب فى المنتصف يحاول فض الاشتباك.