أنا كما يقول عمى وعم مصر، الأستاذ صلاح جاهين: «ما ليش كتير بالسياسة لكن بفكر»، وبمناسبة عيد ثورة ٢٣ يوليو وقرب افتتاح قناة السويس الجديدة، وجدت نفسى أفكر في أن تاريخ مصر الحديث يرتبط ارتباطا وثيقا بقناة السويس، حفرها وامتياز الأجانب فيها، وتفريط الخديو إسماعيل في أسهمها، وأيضا بيع الخديو توفيق الأرباح المصرية من هذه القناة، وكان هذا مدخلا لاحتلال إنجلترا لقناة السويس.
وأعجب ما أفكر فيه أن بعض المؤرخين يتهمون الخديو سعيد وكذلك إسماعيل وتوفيق على توريطهم مصر، وعلى أن المصريين هم الذين حفروا لأن عقد الامتياز يرغم الحكومة المصرية بتزويد الشركة العالمية بالعمالة المصرية التي يتطلبها المشروع، ولى ملحوظة هنا أن الجيش المصرى ساهم في حفر القناة، فكان القانون يرغم من أنهى فترة تجنيده بالعمل لمدة شهر في حفر القناة قبل أن يذهب إلى قريته، ولأن سعيد وإسماعيل وتوفيق ليسوا مصريين فلم يكن يهمهم إلا المصالح الشخصية، وحتى الباب العالى لم يبد موافقة أو ممانعة على هذه القناة، ووقفت بريطانيا العظمى تراقب وتتحين الفرصة، خاصة أن الاحتلال الفرنسى لفت نظرها إلى أن من يملك قناة السويس يملك العالم اقتصاديا، ولذلك اشترى دزرائيلى، رئيس وزراء بريطانيا (الصهيونى)، نصيب مصر في الأسهم في الخفاء وبمنتهى السرية، خاصة أن مجلس العموم البريطانى كان في هذا الوقت في إجازة ولم يجد فرصة لجمع الأموال إلا من صديقه روتشيلد (صهيونى أيضا) وسلمت الأسهم مختومة للسفارة الإنجليزية التي سلمتها بدورها إلى سفينة حربية إنجليزية بعد أن تم تغيير مسارها لتأتى إلى الإسكندرية، ومنذ ذلك الحين أصبحت إنجلترا التي لم تهندس ولم تحفر ولم تدفع أي مبالغ في الشركة العالمية أهم مساهم وحامل أسهم في هذه الشركة.
ثم أمم الزعيم عبد الناصر قناة السويس العالمية إلى شركة مساهمة مصرية، وسترى يا عزيزى القارئ أن كل من له ذكر في التاريخ المصرى مثل عرابى الذي كان يتمنى إغلاق هذه القناة، لأنه كان يعلم تبعاتها على أمن مصر، أو يعرف أن الغزو لا بد أن يأتى من هذه الناحية، إلى الزعيم عبد الناصر الذي عرف أن هذه الشركة لن تسلم إلى مصر أبدا، ودليلى هو العدوان الثلاثى ومحاولة إنجلترا استعادة القناة، وأظن أن من يريد استعادة الشيء لم يكن ليتركه.
أما السادات فقد عبر القناة، ولذلك سمى الشعب المصرى انتصار جيشه بالعبور العظيم، وأنت تكاد تشم رائحة قناة السويس في هذه الكلمة، ثم بعد العبور فتح قناة السويس للعالم كله ولتحسين اقتصاد العالم، خصوصا بعد ارتفاع أسعار البترول وكبر حجم الناقلات، ولأن قناة السويس بعد نكسة ٦٧ كانت مليئة بالسفن الغارقة وأجزاء من الطائرات وبعض الفرقاطات الغارقة، فلا تظن يا عزيزى أن تنظيف هذه القناة كان سهلا أو قليل التكاليف أو لم تستعمل فيه أكثر التكنولوجيات تقدما آنذاك.
ونعبر فترة الرئيس المعزول حسنى مبارك، لأن قناة السويس لم تدخل في حساباته لا بالتوسعة ولا بالإنماء ولا بالاهتمام، ثم جاء المخلص من الإخوان (وكانت أحد مشاريعهم الكبرى التخلى عن قناة السويس)، وإذا به كقائد يهتم بكل أمور الدولة اقتصادا وسياسة وكل ما يتبادر لذهن الإنسان، فأعلن العمل على إنشاء قناة السويس الجديدة،وكان العالم كله يتوقع أن يتم افتتاحها بعد سنوات، ولكنه طلب من الجيش المصرى ومهندسيه إتمام هذه المهمة في سنة واحدة، وها نحن لا تفصلنا إلا أيام قليلة عن افتتاح هذا المجرى المائى الذي سيخفض ساعات انتظار السفن، لأنها ستسير في اتجاهين.
هنيئا للشعب المصرى، وهنيئا للعالم أجمع، والشكر موصول وزائد للرئيس عبد الفتاح السيسى، وتحيا مصر، تحيا مصر، تحيا مصر.