كانت الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة –كما اعتدنا- مناسبة تقليدية للكتاب العرب المهتمين بالصراع لطرح عدد من القضايا التي أصبحت أقرب إلى الطقوس المتكررة.
بعضنا يحاول التنبؤ بنتائج الانتخابات واستنباط ما سوف يترتب على تلك النتائج، والبعض الآخر يعرض الأرقام والإحصاءات التي خلصت إليها استطلاعات الرأى العام في إسرائيل ويمضي في تحليلها واستقراء دلالاتها، وبعضنا يمضي إلى تقديم النصائح إلى العرب الذين لهم حق التصويت في الانتخابات الإسرائيلية والذين يزيد تعدادهم عن سدس من يحملون الجنسية الإسرائيلية. وتنتهى الانتخابات وينفض السامر ويعود الجميع في انتظار الانتخابات المقبلة.
وللتعرف على دور أولئك الفلسطينيين الذين لهم حق الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الإسرائيلية أهمية تتمثل في تبين إمكان التأثير في مجريات تلك الانتخابات أي التأثير فيما يجرى داخل إسرائيل، باعتبارهم القطاع الوحيد من الشعب الفلسطيني ومن ثم من الشعوب العربية، الذي يملك فعليا حق التأثير في نتائج تلك الانتخابات وبالتالى التأثير في مجمل الموقف الإسرائيلي بما يصب في النهاية في مجرى النضال الفلسطينى العربى.
ومن اللافت للنظر أن تأثير الصوت العربى في نتائج الانتخابات الإسرائيلية منذ قيام إسرائيل يقل كثيرا عن نسبة تمثيلهم العددي، وقد يبدو للوهلة الأولى أن الأمر إنما يرجع فحسب إلى تفتت الأصوات العربية بين أحزاب شتي، ومن ثم تتردد خلال كل انتخابات إسرائيلية الدعوات المخلصة لضرورة توحيد الصوت العربي.
ولكن لماذا نهتم أصلا بالانتخابات الإسرائيلية؟ هل يعنينا حقا ما يجرى في إسرائيل؟ هل فوز ذلك الحزب أو ذاك من الأحزاب الإسرائيلية يعنى شيئا ما بالنسبة للنضال الوطنى الفلسطينى العربي؟ هل تعد الفروق بين حزبى العمل والليكود فروقا ذات دلالة بالنسبة لذلك النضال؟ الإجابة على مثل هذه التساؤلات ضرورية بلا شك ولكن التوصل إليها محفوف بالعديد من المزالق الفكرية والسياسية. فالأمر يتوقف على رؤية طبيعة الصراع.
إذا كان هدف النضال يتمثل في تحرير الضفة والقطاع وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس إلى جانب دولة إسرائيل وهو الهدف الذي تبنته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فضلا عن مجمل القيادات الرسمية العربية. ففى هذه الحالة يجوز الحديث والاهتمام بتلك الفوارق الدقيقة بين التيارات الإسرائيلية، ويجوز-بل يجب-التعامل مع ما يعرف بمعسكر السلام الإسرائيلي؛ فالهدف هو إيجاد وتدعيم تيار سلام داخل إسرائيل يقبل بهذا الهدف؛ وفى هذا الإطار يمكن الحديث عن دور فعال لأولئك الفلسطينيين الذين يحملون البطاقات الانتخابية الإسرائيلية في محاولة التأثير على مجريات الأمور في إسرائيل.
أما إذا كان هدف النضال هو تحرير كامل التراب الوطنى الفلسطيني دون حتى تجزئته إلى مراحل، وهو الهدف الذي يتبناه بشكل أو بآخر العديد من التيارات العربية بل والفلسطينية خارج وداخل إسرائيل.
ففى هذه الحالة يتراجع الاهتمام بتفاصيل التمايزات داخل إسرائيل ليصبح أقل أهمية، فالمواجهة في هذه الحالة مع الكيان الإسرائيلى ككل، وطالما أن كل يهود إسرائيل بمختلف اتجاهاتهم وأصولهم يتفقون كحد أدنى على بقاء دولة إسرائيل؛ فصراعنا مع الكيان الإسرائيلى ككل بهدف اجتثاث جذوره من المنطقة العربية. وعلى أي حال فإن هذا التصور ليس بغريب علينا فقد كان بمثابة التوجه العربى العام حتى حرب أكتوبر ١٩٧٣ واتخذ الأمر مسارا جديدا بتوقيع اتفاقيات السلام المصرية وما تلاها من اتفاقيات ومبادرات.
أما إذا كان النضال نضالا جهاديا إسلاميا شاملا ضد قوى الكفر والشر؟ وما فلسطين في هذه الحالة إلا واحدة من جبهات تلك المواجهة. عندئذ فلا بأس من تبريد الجبهة الفلسطينية وإشعال الجبهة الأفغانية أو العراقية أو الشيشانية مثلا إذا ما اقتضت ظروف المواجهة ذلك. بل لا بأس من تسخين المواجهات الداخلية للتصدى للنظم العربية الرجعية الممالئة لفسطاط الشر والإمبريالية وتبريد ميادين المواجهة في الدول الغربية الأوربية التي تسمح بإيواء المناضلين.
وفى هذا السياق وحده يمكن تصور أن عودة احتلال إسرائيل للضفة والقطاع، بل وحتى سيناء، لا تعنى انتصارا للعدو بل لعلها قد تعنى العكس تماما باعتبارها توسيعا لنطاق الاشتباك مع العدو.