الثلاثاء 01 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

قنابل أسامة الأزهري ضد "الإخوان" (٢)

أخطر مواجهة بين الأزهر و«الإرهابية»

الدكتور أسامة الأزهرى
الدكتور أسامة الأزهرى عضو هيئة تدريس بجامعة الأزهر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يستغلون القرآن لـ«تكفير الأمة» وجعلها فى «جاهلية وشك»
يسمون البغى جهادًا ويدعون أن الدين توقف عندهم
فكرهم مضطرب وصنع تحت ضغط نفسى بين «جدران السجون»
وقعوا فى التكفير وحمل السلاح وألصقوا أفكارهم الحائرة بـ«كتاب الله»

أهمية هذا الحديث فى صاحبه والمرجعية التى يستند إليها، أن يخرج من الشيخ أسامة الأزهرى، الأستاذ فى جامعة الأزهر المستشار الدينى لرئيس الجمهورية، فيجب أن نتوقف أمامه، وألا يمر مرور الكرام.
العنوان هو: «الحق المبين فى الرد على من تلاعب بالدين»، بقلم أسامة السيد محمود الأزهرى، أما من تلاعب بالدين، فلقد حددهم المؤلف على غلاف كتابه: «التيارات المتطرفة من الإخوان إلى داعش».
يذهب أسامة الأزهرى إلى أن كتابه الواقع فى 203 صفحات من القطع المتوسط «مشروع علمى أزهرى مؤصل، يستعرض على مائدة البحث العلمى والتحرير المعرفى الدقيق خلاصة المقولات والنظريات والأفكار التى بنى عليها فكر التيارات السياسية المنتسبة للإسلام فى الثمانين عاما الماضية، قيامًا بواجب البيان للناس وصيانة للقرآن الكريم من أن تلتصق به الأفهام الحائرة والمفاهيم المظلمة المغلوطة».
قسم «الأزهرى» كتابه إلى 9 فصول، الأول عن الحاكمية وتكفير المسلمين جميعًا، والثانى عن الجاهلية وحتمية الصدام، والثالث عن مفهوم دار الكفر ودار الإسلام، والرابع عن احتكار الوعد الإلهى والاستعلاء به على الناس، والخامس حول مفهوم الجهاد، والسادس عن مفهوم التمكين، والسابع عن الوطن، والثامن تحت عنوان المشروع الإسلامى بين الحقيقة والخرافة، والأخير حول القواعد التى غابت عن عقلية التيارات المتطرفة فوقعت فى الأخطاء التاريخية. الحديث عن «الثمانين عاما الماضية» له رمزية خاصة أيضًا، فهذا تقريبا عمر جماعة الإخوان المسلمين، أما المفاهيم المغلوطة فيقصد بها: الحاكمية، والجاهلية، والجهاد والوطن، فى بيان لهذه التصورات عند التيارات المتطرفة، فى مقابل التصور الصحيح لها عند علماء الأمة.

ماذا عن هذه التيارات؟
- إنها تيارات تدعى الانتساب إلى الوحى، وتتمرد على المنهج، ويغلبها الواقع، ومن هنا كان لا بد من وقفة تاريخية أزهرية، يستنفر فيها الأزهر علومه ومعارفه وتاريخه وأعيانه ومناهجه وأدواته العلمية، ويضع نتاج تلك التيارات تحت المجهر حتى يصدر فيها الرأى الفصل، وينفى عن دين الله تعالى ما ألصق به من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
اخترنا أن نتوقف فى الحلقة الأولى عن مفهوم الوطن لدى التيارات الإسلامية المتطرفة، وبالتحديد جماعة الإخوان المسلمين، وتنظيم «داعش» الإرهابى.
نعرض هنا لفصل مهم فى كتاب «الأزهرى» حول القواعد التى غابت عن عقلية التيارات المتطرفة، فوقعت فى كل تلك الأخطاء التاريخية.

جمع الآيات والأحاديث المتعلقة بالقضية
يقول «الأزهرى»: «يجب النظر فى القضية بصورتها الكلية الكاملة من خلال مجموع مفرداتها ومتعلقاتها، وإلا فإن انتزاع أحد النصوص دون ما يتعلق به ويتممه ويكمله يجعل الآية التى انتزعت كأنها سمكة أخرجت من الماء».
لا يقتصر استخراج الأحكام والمفاهيم على الآيات الكريمة المتعلقة بالفقه فقط، بل كل آية من آيات القرآن يمكن أن نستخرج منها حكما ومفهوما، سواء منها ما ورد فى الفقه أو القصص وأخبار الأمم الماضية.
ويرتبط بهذا المحور حسن تركيب النصوص، وضم بعضها إلى بعض حتى يتقدم منها ما حقه القديم ويتأخر ما حقه التأخير، ليتيسر التوصل إلى العام والخاص والمطلق والمقيد.

حسن النظر في جهات الدلالة
يقول «الأزهرى»: «مدلولات الألفاظ معروفة، ولا بد حينئذ من بصر واسع بلسان العرب وعلوم العربية، فقد قال الشوكانى فى كتاب (العرف الندي): «فمن أراد الآن أن يفهم كتاب الله وسنة رسوله على مقتضى لغة العرب فلا تتم له معرفة أصل معنى اللفظ إلا بمعرفة علم اللغة، ولا تتم له معرفة أصل بنية الألفاظ العربية إلا بمعرفة علم الصرف، ولا يمكنه معرفة الحركات الإعرابية إلا بعلم النحو، ولا يمكنه معرفة دقائق العربية وأسرارها إلا بعلم الأصول، ولهذا كانت هذه العلوم هى المقدمة فى العلوم الاجتهادية وإن خالف فى اعتبار البعض منها فى الاجتهاد بعض أهل العلم، فالحق اعتبار الجميع، لأن فهم لغة العرب على الوجه المطابق لما كانت عليه اللغة لا يتم إلا بذلك، ولا ريب أن دقائق اللغة يستفاد من العلم بها العلم بدقائق الكتاب والسنة، والدقائق تستخرج منها الأحكام الشرعية كما تستخرج من الظواهر».
وعند النظر والاستنباط، فإياك أن تدخل إلى القرآن بتصورات مسبقة تملأ ذهنك أو نظرات خاصة بك وتنطلق لتستنطق القرآن بما تريد، وتقول ما تحب بل أحكم النظر ودعه ليقودك إلى ما تفيده دلالاته وألفاظه، ويلوح منه فى هداية، ثم ارجع لتعديل مفاهيمك وتصوراتك عليه، فاجعله قائدا، وترقب منه مع كامل التهيب والأدب مع ما يلوح منه من الدلالة والإفادة وما تسمح به وتحتمله دلالاته.
كما يراعى الحذر من أن تستنبط من القرآن معنى يكون فى مقاصده وعموم مراداته البطلان، فإنه يجوز أن نستنبط من النص الشريف معنى يخصصه أو يعممه لكن لا يستنبط منه معنى يعود عليه بالبطلان.
وينقل «الأزهرى» عن الإمام بن حجر الهيتمى فى (الفتاوى الفقهية الكبرى): ومن قواعد الشافعى أنه يستنبط من النص معنى يخصصه أو يعممه ولا يستنبط منه نصا يعود عليه بالبطلان، فمن استنبط من القرآن معنى يكفر به الأمة ويجعلها فى جاهلية كفر وشرك ويخرج عليها بالبغى ثم يسمى البغى جهادا، ويدعى أن هذا الدين قد توقف وجوده قبل قرون، فإن هذا استنباط يعود على القرآن نفسه بالبطلان، وإلا فكيف نقل القرآن والحديث والعلم على يد أجيال وقرون كافرة فهذا استنباط باطل.

احترام تراث المسلمين
يدعو «الأزهرى» إلى الانتفاع من تراث المسلمين بما فيه من مناهج دون الوقوف عند المسائل المعينة التى أفرزها زمانهم وتجاوزها زماننا، لكن عالجوها ونظروا فيها، وقاموا معها بالتصوير والتكييف والتعليل والتدليل، وفق منهج سديد من النظر، فخرجت النتيجة محققة لمقاصد الشرع فى زمانهم، ولو أجرينا المنهج بعينه تصويرا وتكييفا لحوادث زماننا لخرجنا بنتيجة أخرى تحقق مقاصد الشرع فى زماننا، ولا تجمد أيضا عند أقوالهم، بل خذ منهم وأضف إليهم، لكن إياك أن تستنبط المعانى والنظريات التى تستخف بمجموع جهودهم وعقولهم، ولا تخرج على الناس باستنباط يصدم مجموع كلامهم، فإنه حينئذ معنى منقطع الصلة بالوحى ولا يجرى على نسق العلماء فى الاستنباط.
تفقد ما وقع وتكرر من قبل من مناهج الاستنباط حتى لا تتورط فى استنباط أو معنى أو فكرة أو أطروحة، ثم إذا فتشنا عنها وجدناها بعينها قول الخوارج أو غيرهم، فلا يزيد سعيك ولا نظرك على أن يكون تكرارا لمنهج منحرف، لكنك بعثته من رقادة تحت عنوان معاصر.
ولا بد لصناعة فهم صحيح يكون أمينا على هدى القرآن وعلومه من ثلاثة أركان عظام: وهى معرفة الوحى الشريف، ومعرفة مناهج فهمه، والإلمام بالواقع إلماما صحيحا.
يقول «الأزهرى»: إن الفقه والفكر والأطروحات والاستنباطات التى صنعت وأنتجت وبلورت تحت ضغط نفسى أو بين جدران السجون أو بدافع الحماسة فقط، فإنه لا يكون إلا فكرا مضطربا لم يستوف حقه فى النظر ولم يتهيأ له مسلك صناعة العلم على معهود أهله، فقد روى البخارى قال: «كتب أبو بكرة إلى ابنه بأن لا تقضى بين اثنين وأنت غضبان، فإنى سمعت النبى يقول: لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان».
السبب هو أن الغضب والانفعال لا يدعان للعقل مجالا لإحكام النظر وحسن إجراء قواعد العلم على وجهها، بل يجعلان الإنسان مشحونا ومحتشدا ومنفعلا ومضغوطا بفكرة تشعبت فى نفسه وأفعمها الكره أو الغضب.. فمن أين يأتى حسن الاستنباط للوحى الشريف؟
إنه جعل الغضب سبب المنع، لأنه يدهش العقل، ويمنع من استيفاء الفكر، وذلك موجود فى الجوع المفرط والعطش المفرط والألم المبرح فنقيسه عليه، ومعناه أن كل ما يدهش الفكر ويشوشه ويلحق به الاضطراب ويعصف به عن استيفاء النظر وإيفاء العلم حقه، فلا يمكن بحال أن يولد علم وفقه وتفسير ومعرفة فى أجواء الغضب ولا الضيق النفسى، فلا عبرة بنظر ولا طرح فكرى يتولد فى السجون، لا سيما إذا كان يتعلق بتفسير القرآن الكريم والتأنى فى وجوه دلالاته، والكشف عن معانيه.. فكيف إذا أضيف إلى ذلك خلو القائم بذلك من علم أصول الفقه وعلوم البلاغة والعربية ومقاصد الشريعة؟

باب المصالح والمفاسد
لا يصلح باب المصالح والمفاسد للاجتهاد فيه إلا من أحاط بمقاصد الشريعة جملة وتفصيلاً، كما قال الشاطبى، فإنه قال فى «الموافقات»: إن تعلق بالاستنباط من النصوص فلابد من اشتراط العلم بالعربية، وإن تعلق بالمعانى من المصالح والمفاسد مجردة عن اقتضاء النصوص لها أو مسلمة من صاحب الاجتهاد فى النصوص، فلا يلزم فى ذلك العلم بالعربية، وإنما يلزم العلم بمقاصد الشرع من الشريعة جملة وتفصيلاً.
ويرى «الأزهرى» أن غياب المعرفة بمقاصد الشريعة وغياب المعرفة بالسنن الإلهية يتركان خللا كبيرا فى الفهم، ومن لم يحط بأمثال هذه العلوم فسد فهمه للنص، وفسد فهمه للواقع.
وأيضًا للسيرة النبوية قواعد فى الاستنباط منها واستخراج الأحكام من وقائعها، ومن تسرع فى الإلحاق بها والقياس عليها فقد كذب على النبى ونسب إليه نقيض شرعه، ومن كذب عليه فيلتنبوأ مقعده من النار، قال الإمام الزركشى فى (البحر المحيط): ثم وراء ذلك غائلة هائلة، وهى أنه يمكن أن الواقعة التى وقعت له هى الواقعة التى أفتى فيها الصحابي، ويكون غلطا لأن تنزيل الوقائع على الوقائع من أدق وجوه الفقه وأكثرها للغلط.
يروى «الأزهرى» تحذير نبوى عجيب لرجل من أهل القرآن انتهى به الأمر إلى تكفيري يحمل السلاح ويريق الدماء، فعن حذيفة قال: قال رسول الله: إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن حتى رئيت بهجته عليه، كان ردئا للإسلام، غيره إلى ما شاء الله، فانسلخ منه، ونبذه وراء ظهره، وسعى إلى جاره بالسيف ورماه بالشرك قال: قلت: يا نبى الله أيهما أولى بالشرك المرمى أم الرامي؟ قال: بل الرامي».
هذا حديث فى غاية الأهمية، لأنه يصف لنا حالة عجيبة من المتحمسين للإسلام، حصلت لها أطوار وتحولات فى غاية العجب، تبدأ بالشغف بالقرآن والولع به، حتى تلوح أنواره عليه، وتنتعى به، وقد وقع فى التكفير وحمل السلاح وأراق الدماء.
ووصف النبى حال ذلك الرجل بثلاثة أوصاف، أولها: أنه آتاه الله القرآن فهو ليس بغريب عن القرآن، بل هو منسوب إليه، وقد اعتنى بالقرآن وخدمه وحفظه واشتهر به، فصار ظن الناس فيه حسنا لشيوع خدمته للقرآن وعنايته به، وثانيها: أنه رؤيت عليه بهجة القرآن، لأن القرآن نور، وله بهجة تخالط صاحبه، ولشدة ولع ذلك الرجل بالقرآن وكثرة تلاوته له صار الناس يرون عليه أثرا من نورانية القرآن، فإن كل من خدم القرآن وأدمن تلاوته سرى نور القرآن إليه، ولمعت فى وجهه مسحة من أنواره، فيزداد ظن الناس فيه، لما يرون عليه من بهجة القرآن، وثالثها: أنه رجل شديد الحماسة لهذا الدين حتى صار ردئا للإسلام وحاميا له ومنافحا عن حماه.
ثم من بعد كل هذا النشاط الذى يترك لذلك الرجل صيتا حسنا فى مجتمعه، ويشيع بينهم ظن حسن فيه، ومهما اختلف الناس فى شأنه فإنهم لا يزالون يحفظون له حماسته للإسلام وخدمته للقرآن، ومن هنا يبدأ الإشكال، وتحدث البلبلة، ويضطرب الناس بسبب ذلك الرجل اضطرابا هائلاً، فقد طرأ على الرجل تغير عجيب بعد ذلك، عبر عنه النبى بقوله (غيره إلى ما شاء الله)، والتغيير ليس فى ألفاظ القرآن وعباراته وحروفه، بل إن التغيير فى فهمه وتأويله، لأن الرجل أقدم على ذلك واقتحم وتهجم على حمى القرآن بالتأويلات الباطلة، اغترارا منه بكل ما سبق من جهود وتلاوة، فركن إلى حسن العناية، وكمال التعلق بالقرآن، فظن أن هذا يكفيه فى فهمه، فأقدم على ما لا يحسنه من الاستنباط والتأويل، فخرج بمجموعة من المفاهيم والأوهام والظلمات والاستنتاجات والاستنباطات المنحرفة، وهو فى كل ذلك فاقد لأدوات الفهم ومناهج الاستنباط ودوائر العلم الخادمة لفهم القرآن، عاجزا عن إدراك مقاصده حتى جنح إلى التكفير ورمى جاره المسلم بالشرك، ثم لم يكتف بذلك حتى ادعى لنفسه الجهاد، وخرج على الناس بالسيف، وحمل السلاح وأراق الدماء، وكلما ناشده أحد أن يكف ازداد عنادا، لأنه توحد مع القرآن وجعل التشكيك فى فهمه تشكيكا للقرآن ذاته.
ويرصد «الأزهري» مراحل تطور الرجل لفهم القرآن من تحوله إلى صانع للمعرفة وقائم بالاستنباط ينحت المفاهيم والنظريات من آيات القرآن، ولا قائد له سوى الحماسة والانفعال، فتولدت على يده مفاهيم ونظريات وقواعد حافلة بتركيب الآيات بعضها ببعض على نحو مغلوط، فيخرج بنتائج فى غاية البعد والغرابة، لكنه يستسيغها لغياب خريطة العلوم والأدوات والمقاصد التى يستعين بها العلماء بحق، فليس عنده معيار يقيس إليه فهمه ويعرض عليه استنباطه، بل إنه يدخل إلى القرآن بنظريات وأفهام ثم يجهد على أن ينتزعها من القرآن عنوة، فيقول القرآن ما لم يقله، وينسب إليه نقيض قصده، ويلصق أفهامه الحائرة المترددة المضطربة بالوحى، مرتكبا فى سبيل ذلك تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، كل ذلك والناس مضطربون فيه وفى حيرة من أمره ولا يتجاسرون على الجزم بانحرافه وخطئه لما يعهدونه ويعرفونه من تاريخه الممتد فى خدمة القرآن وظهور بهجة القرآن عليه، وتاريخه فى المنافحة عن الإسلام.
الخلاصة، أن الإقدام على التكفير أمر خطير، وأن من تلبس بحال يدعى فيه القرآن والشرع ويتحمس لدين الله تعالى بدون علم، فإنه أخطر ما يتخوفه النبى على أمته، ويلتحق به أمر آخر، وهو تكفير الحكام والأمراء بما قد يقع منهم من تقصير أو جور، فعن أم سلمة أن النبى قال: «ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برىء، ومن أنكر سلم، ولكن من رضى وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ما صلوا».
ولذلك حذر العلماء تحذيرا شديدا من التكفير، فيقول الإمام الباقلاني: «ولا يكفر بقول ولا رأى إلا إذا أجمع المسلمون على أنه لا يوجد إلا من كافر ويقوم دليل على ذلك»، وقال ابن حزم: «والحق هو أن كل من ثبت له عقد الإسلام فإنه لا يزول عنه إلا بنص أو إجماع، وأما بالدعوى والافتراء فلا».
وقال الإمام أبو الفتح القشيرى: «وهذا وعيد عظيم لمن كفر أحدا من المسلمين وليس هو كذلك»، وقال حجة الإسلام الغزالى فى «فيصل التفرقة بين الإيمان والزندقة»: «والذى ينبغى له الاحتراز عن التكفير ما وجد عليه سبيل، فإن استباحة دماء المصلين المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ فى ترك ألف كافر فى الحياة أهون من الخطأ فى سفك دم لمسلم واحد».
وقال بن الوزير اليمني: وكم من إخراج عوام فرق الإسلام أجمعين وجماهير العلماء المنتسبين إلى الإسلام من الملة الإسلامية وتكثير العدد بهم وبين إدخالهم فى الإسلام ونصرته بهم وتكثير أهله وتقويه أمره، فلا يحل الجهد فى التفرق بتكلف التكفير لهم بالأدلة المعارضة بما هو أقوى منها أو مثلها مما يجمع الكلمة ويقوى الإسلام ويحقن الدماء ويسكن الدهماء حتى يتضح كفر المبتدع اتضاح الصبح الصادق، وتجتمع عليه الكلمة وتحقق إليه الضرورة.