الخميس 21 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الزلزال اللبناني وتداعياته!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

لبنان يليق به الفرح لكنه لا يحظى عبر أزمنته إلا بالهدنات القصيرة والتي لا تتجاوز كل مرة عقدا ونيف. ربما جغرافيته الواقعة بين تقاطعات ومصالح متضاربة بين الفرقاء داخليًا وخارجيًا تجعله عرضة للحروب الموسمية. أما الأزمة الآن بعد اغتيال نصر الله فهي بمثابة الزلزال نتيجة قصف قوات الاحتلال المتواصل للجنوب وما خلفه من مجازر تدمي القلوب. وقبلها غزة على امتداد عام تقريبا من بلطجة الاحتلال الذي يمضي في الإبادة دون رادع لتحقيق المخطط الصهيوني بفرض سيطرته على المنطقة، بمباركة الولايات المتحدة الغارقة في ملهاة الانتخابات الرئاسية والدول الغربية التي تسدد ثمن الذنب التاريخي لمعاداتها السامية. وهكذا انفتح الجحيم على مصراعيه كما وصف أمين عام الأمم المتحدة الوضع في لبنان؛ فحصيلة الضحايا والجرحى مفجعة بين المدنيين والنزوح الداخلي يتزايد مع توالي الهجمات الوحشية لقوات الاحتلال والتي طالت أيضًا مرافق الرعاية الصحية. وما ذكره كبير الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أحمد مختار قبل عدة ساعات لقناة سكاي نيوز يعكس هول الأزمة الإنسانية حيث أكد أنها الأسوأ على لبنان وأنه لا يمكن مقارنتها بأزمة 2008، موضحًا أنه تم التخلي عن12 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في جنوب لبنان الأسبوع الماضي. وحتى نفهم أكثر إلى أين تتجه الأوضاع في لبنان لابد أن نفهم ما وراء هذا "الزلزال" وتداعياته على حزب الله ولبنان والمنطقة. 
لا يهم هنا في لغة السياسة إذا كنت تحب نصر الله أو تكرهه، وإذا كنت تتعاطف مع المقاومة أو تجلس في مقعد المتفرجين، لكن ما يهم المنطقة العربية التي أصبحت على فوهة بركان مع احتمال نشوب حرب شاملة مع الاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ عملية توغل برية واسعة وما يجره ذلك من اضطراب محلي وإقليمي سيدمّر الأخضر واليابس. ولا شك أن التغييرات المرشحة للحدوث في حزب الله ستؤثر على خريطة المنطقة برمتها. ويبدو مستقبل الحركة أكثر غموضا ليس فقط فيما يخص مسألة الخلافة والمركز العصبي للحزب ولكن أيضا في علاقتها مع إيران حليفها الاستراتيجي الذي اختفى من المشهد اللبناني والإقليمي وترك تساؤلات حول تفريطه في الحليف الذي تهدد هذه الأزمة وجوده، مما يعطي الانطباع بأن إيران في طور تغيير سياساتها وأدواتها، بما في ذلك أذرعها في المنطقة بعد 45 عاما كاملة من اتباعها نفس النهج. هل تخلت إيران عن استراتيجية توسيع نفوذها التي تبنتها بعد الثورة في 1979 عندما أنشأت ودعمت ميليشيات شيعية في عدد من البلدان العربية كانت أذرعا مسلحة لها للتأثير على الصراعات الإقليمية وتأكيد نفوذها ضد منافسيها؟ البعض يردد أن نصر الله وقبله رئيسي وهنية قُدّموا "قربانا" للتخلص من القيادات القديمة في إطار صفقة تمت مع الأمريكيين ربما تتضح ملامحها قريبا، لكن أي تقارب بينهما لن يكون بالضرورة في صالح العرب! إن المغزى من هذا الزلزال الآن أن الحقوق العربية في فلسطين ولبنان مرجعيتها المصلحة العربية وأي تشابك مع مصلحة طرف آخر إقليمي سيصطدم بتضارب المصالح عند مرحلة معينة. 
عندما تولى حسن نصر الله قيادة حزب الله عام 1992 خلفا لعباس الموسوي الذي اغتيل في هجوم إسرائيلي مماثل حاول خلال ثلاثة عقود أن يخلق شراكة في القرار السياسي الخاص بالمقاومة والمفاوضات الإقليمية بدل التبعية الكاملة للنفوذ الإيراني. ومع غياب نصر الله وظهور قيادات أخرى، مثل نعيم قاسم، قد يتراجع الاستقلال الذاتي لحزب الله في لبنان. ويمكن لإيران أن تستغل الوضع لوضع زعماء أكثر توافقًا مع رؤيتها الاستراتيجية الإقليمية. هذا قد يخلق خلافات بين فصائل حزب الله الراغبين في الاستقلالية والحريصين على الاندماج، وستكون هذه الديناميكية الداخلية حاسمة في تحديد التطور المستقبلي للحركة.
وبعيدا عما إذا كانت صفقة بين إيران والولايات المتحدة قد تكون سارت على جسد حزب الله وقياداته أو اختراق أمني واستخباراتي، تظل القضية النووية العنصر الرئيسي في الموقف الإيراني خلال مرحلة ما بعد نصر الله، وإلى أن تحقق إيران هدفها المتمثل في التحول إلى قوة نووية قد تتخلى عن دعمها للميليشيات مثل حزب الله. لكن من الواضح أن هناك صراعات على السلطة داخل إيران، وغير خافية على المراقبين للمنطقة، بين الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان المنتمي للتيار الإصلاحي من جهة والمحافظين بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي من جهة أخرى، رغم احتفاظ الأخير بالسلطة الحقيقية عندما يتعلق الأمر بالحرس الثوري والميليشيات الأجنبية. لكن التقلبات السياسية ليست مستحيلة وسيحاول المعتدلون التفاوض على حلول دبلوماسية للصراعات الإقليمية مع الحفاظ على مصالحهم في المقدمة.
سوريا سوف تتأثر بدورها وعلى نحو مماثل لحزب الله بإعادة التقييم الاستراتيجي لإيران، خاصة إذا قررت الأخيرة تهميشها. ومن غير المستبعد أن تستغل الجماعات السنية الجهادية الفراغ الذي خلفه اغتيال نصر الله لتعزيز نفوذها بحيث يصبح لبنان أرضا خصبة لهذه الجماعات كما هو الحال في سوريا وسيزيد ذلك من زعزعة استقرار المجتمع اللبناني. 
وربما يعاد فتح جروح من الماضي خلال الحرب الأهلية اللبنانية بين الفصيلين الشيعيين، أمل وحزب الله، التي تراوحت علاقاتهما بين الاستقرار والتوتر خاصة أن نفوذ نبيه بري قد يتعزز في غياب نصر الله. ولن يكون الحوثيون بدورهم بمنأى عن هذه التغييرات حيث يعتمدون على الدعم اللوجستي من إيران وحزب الله. في المقابل، سيزيد نتنياهو من ضرباته على لبنان وفلسطين مما يجعل المنطقة مقبلة على تصعيد عسكري على نطاق كارثي، أكبر المتضررين منه القضية الفلسطينية وتفاقم الأزمة السياسية الإنسانية في غزة واضطراب في المنطقة برمتها. ولكن في النهاية مهما طال أمد الظلم وزادت المجازر والضحايا فإنها ستلهم أجيالا شابة بالمقاومة لاستعادة الحقوق التاريخية!