الخميس 05 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

من جلال كشك إلى السيسي "3": تحديث لا تغريب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ما زلنا مع الأستاذ «محمد جلال كشك» - رحمه الله - وهو يرسم الطريق نحو المستقبل المنشود، مبينًا أن ذلك المستقبل المزدهر والمليء بالخير لا يمكن أن يكون إلا بالتحديث الذي هو: «امتلاك كل المعرفة التي يتفوق بها الغرب، وإنتاج كل المعدات التي ينتجها الغرب».
ثم يضيف: «وكل ما تحتاجه أمة من الأمم لتحقيق هذا التحديث هو: إرادة قومية، ونظام صالح قادر على تعبئة هذه الإرادة وتوجيهها في طريق التصنيع أو التحديث».
ثم يستطرد استطرادًا مهمًا فيقول: «لكن يُشترط قبل ذلك أن تؤمن الأمة أن تخلفها هو ظاهرة عارضة، وأن أصالتها تُمكنها من تجاوز هذه المرحلة العارضة».
ثم يضيف: «أما التغريب، فيبدأ من إقناع الأمة الشرقية أنها متخلفة في جوهرها، متخلفة في تاريخها وصميم تكوينها، ومن ثَمَّ فلابد من انسلاخها تمامًا عن كل ما يربطها بماضيها ويميز ذاتها، وإعادة تشكيل المجتمع على الطراز الغربى من ناحية العادات والمظاهر السلوكية، مع إبقائه متخلفًا عاجزًا عن إنتاج سلع الغرب، عاجزًا عن اكتساب معرفة الغرب، فإذا ما اكتسب بعض أفراده هذه المعرفة يجدون أنفسهم غرباء عاطلين عن العمل في مجتمعهم، فيضطرون إلى النزوح إلى عالم المتفوقين!».
ثم يضيف: «المجتمع المُغرب، هو ذلك المجتمع الذي تزدحم طرقاته بأفخر السيارات «المستوردة»، وتضم مدنه أفخم دور عرض الأفلام «المستوردة»، ويرتدى أهله أحدث المنسوجات «المستوردة»، وعلى أحدث الموضات الغربية! ويثرثر مثقفوه في قاعات -مكيفه بأجهزة أمريكية أو روسية- مشاكل المجتمع الغربى وآلامه، ويملأون صفحات من ورق «مستورد» وبآلات «مستوردة»، حول قضايا الوجودية، ومسرح اللامعقول والجنس الجماعى، وتطور حركة الهيبيز!!
على بعد خطوات من كهوف مواطنيهم، حيث البلهارسيا والكوليرا والتراخوما، وكل تراكمات التخلف منذ القرن التاسع عشر»!
ثم يقول: «كان التغريب هو الطريق المضمون لخسارة معركة التحديث، وكل الدول التي تم تغريبها، أو اختارت طريق التغريب، وانشغلت في قضاياه ظلت على تخلفها، بل وأخطر من ذلك أن التغريب يقضى على روح المقاومة في الأمة الشرقية، فيجعل استعمارها من قِبَل الدول الغربية المتفوقة أسهل، وحكمها أيسر، ويجعل استغلالها أعمق وأكبر عائدًا وأقل تكلفة ومخاطر».
و«من هنا كان اهتمام الغرب بترويج فكرة التغريب بين صفوفنا، فمنذ الحملة الفرنسية، وهناك استثمارات فكرية، إلى جانب الاستثمارات المالية، بل وكجزء منها، تهدف إلى إقناعنا أنه لا تحديث إلا بالتغريب!».
إلى أن يقول: «و بعد الغزوة الغربية الأخيرة، المتمثلة في الهجمة الصهيونية، ومع الإلحاح المتزايد للجماهير في البحث عن حل يكفل لهم امتلاك المعرفة التكنولوجية التي يمتلكها عدوهم الصهيونى، والعالم المتقدم الذي يساند هذا العدو، بادر أعداء التحديث، أعداء استقلالنا القومى، أعداء كل حركة بعث قومية جادة، بادورا يسدون الطريق على أنها محاولة لاكتشاف الجواب الصحيح على تساؤلات الجماهير، فكان الإلحاح من جديد على أن الحل هو التغريب، وأننا لم نتغرب بما فيه الكفاية، ولذلك انهزمنا! وأن كل ما نحتاجه هو جرعة أكبر من القيم والتقاليد والعقائد القادمة من الغرب، رأسماليًا كان أو شيوعيًا، وأن نقطع خطوات أكثر في الابتعاد عن تراثنا ومقومات شخصيتنا!!!
ثم يقول: «وبدأت عملية تزييف التاريخ، بهدف إجهاض موجة العداء المتزايدة ضد العدو التاريخى والقومى والحضارى، الذي شلَّ تقدمنا، وأبقانا في أَسْرِ التخلق خلال مائة وخمسين عامًا حاسمة في تاريخ العالم، ثم رمانا بابنته الشرسة المتوحشة المدججة بتكنولوجيته، بدلًا من تنمية هذا الوعى، وتوجيه هذا النفور من الغرب في اتجاه الحرب الوطنية، بدأت محاولات التحبيب في الغرب! فهو الذي حضَّرنا! وهو الذي علمنا! وهو الذي عرفنا لأول مرة معنى كلمة «حرية»! ودولة وأمة وقومية!!
ثم يقول في الأخير: «والخلاف حول تفسير التاريخ ليس ظاهرةُ ترف، ولا هو مجرد خلاف حول تفسير الماضى، بل هو في الدرجة الأولى خلاف حول الطريق إلى المستقبل، والأمم دائمًا تهرع إلى تاريخها في لحظات محنتها، تستمد منه الإلهام والدعم النفسى، بينما يلجأ خصومها دائمًا إلى تزييف التاريخ وتشويهه لتضليل الحاضر وفساد الطريق إلى المستقبل» انتهى.
و بعد...
فقد كانت هذه جولة في مقدمة كتاب «ودخلت الخيل الأزهر» للكاتب «جلال كشك» –رحمه الله- في محاولة منى للرد على تساؤل قديم حديث أثاره الرئيس في ختام المؤتمر الاقتصادى في مدينة شرم الشيخ: لماذا تقدم الآخرون وتخلفنا؟!
لنصل في الآخر إلى أنهم اختاروا الطريق الصحيح بينما اختارنا نحن أسوأ السبل.
اختاروا طريق العلم والمعرفة والتحديث والتصنيع مع التمسك في الوقت نفسه بدينهم وبقيمهم وثقافاتهم وحضاراتهم بل وبعاداتهم وتقاليدهم.
بينما اخترنا نحن تقليد الغرب بأسوأ مما تفعله القرود، فساروا للأمام وسرنا نحن للخلف، حتى سبقونا بمفاوز وفيافى شاسعة، ومع ذلك فالباب ما يزال مفتوحًا والأمل ما يزال معقودًا على تصحيح المسار والبداية من حيث بدأ القوم...
اللهم بلغتُ... اللهم اشهد.