السبت 21 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"البوابة" تكشف: الموت بـ"التقسيط" في "معهد ناصر"

أبشع صور الإهمال الطبى

معهد ناصر
معهد ناصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأطباء غير موجودين ويحضرون بـ«التليفون»
نقص الإمكانيات فى غرف العمليات وضعف فى الخدمة العلاجية المقدمة
المرضى يشكون الإهمال فى مستشفى معهد ناصر
مدير بالمستشفى: «اصبروا علينا».. ومرضى: وقف علاج المحولين من التأمين الصحى يهدد حياة أصحاب الحالات الحرجة

تخيل أنك تعرضت لأزمة صحية مباغتة، لا قدر الله، فتوجهت إلى مستشفى حكومى، يفصل بينك وبين الموت بضع ثوانٍ، فقيل لك إن الطبيب المختص لم يأت، وسنتصل به.
ليس هذا مشهدًا كوميديًا فى خيال كاتب، لكنه مشهد حقيقى يتكرر فى مستشفى معهد ناصر، حيث لا يتواجد الاستشاريون إلا قليلًا، وليذهب المريض بآلامه إلى قاع الجحيم.
هنا الأمر لا يتعلق بإمكانيات، لكنه إهمال «رسمى» ليس ممكنًا قبوله، أو تبريره بأن هناك أزمة موارد، فالأزمة أزمة ضمير، وأزمة تراخٍ فى معاقبة المقصرين.
ورغم أن مستشفى معهد ناصر ذو أهمية خاصة فى منظومة العلاج الحكومى، ذلك أن الطاقة الاستيعابية للصرح الكبير تبلغ 1000 سرير، ويعمل به عدد من أشهر أساتذة الطب فى مصر، ويقدم الخدمات للمرضى المشمولين بمظلة التأمين الصحى، ويتردد عليه يوميًا نحو 15 ألف مريض، إلا أن عدوى الإهمال الوبائية انتقلت إليه بدوره، فإذا بطرقاته تتحول إلى مسرح للفوضى والقذارة، فيها يفترش المرضى وذووهم الأرض، ينتظرون رحمة السماء لأن رحمة الأطباء غدت بهم شحيحة، كما يقول «محمد يحيى» والد طفل مريض بالسرطان.
ويضيف: «مدير المعهد السابق الدكتور صلاح حامد ألغى التعاقد مع التأمين الصحى، ومن ثم أوقف التأمين سداد الأموال إلى المستشفى، ومع هذا الإجراء أصبح المستشفى يرفض علاج أطفالنا».
ويتابع «محمد يحيى» قائلا: إن الأمر بلغ مستوى يصعب احتماله، فابنى يموت بالتقسيط أمام عينى، وما يتعرض له من إهمال يمثل جرمًا كبيرًا، وليس كافيًا أن يصرح المهندس إبراهيم محلب بأنه فوجئ، نريد منه التدخل لأن الأمور (مائلة)». مضيفًا: «ابنى فى منتصف رحلة العلاج، فإذا لم يستأنفه ستسوء حالته، وتعود إلى نقطة الصفر، فعسى أن تجد شكواى أذنًا صاغية».
«عزة حسين» مريضة بضيق فى شرايين القلب، تأتى لتلقى العلاج من محافظة القليوبية، لكنها لا ترجع إلا بخفى حنين، كما يقول المثل العربى.
تقول: «قرر الأطباء إجراء جراحة لى على نفقة الدولة، وهذا هو الخبر الجيد، أما السيئ فيتمثل فى أن موعد الجراحة تحدد بعد ثلاثة أشهر، وهذا وقت طويل قد يكون ذا تأثير سلبى على عضلة القلب التى لا يصل إليها الدم بشكل سليم».
وتضيف: «تقدمت بشكوى إلى مدير المستشفى فرد عليّ بأن هناك أولويات، وليس بوسعه أن يزحزح موعدًا عن موضعه، لكن هذا الأمر قد ينعكس انعكاسات بالغة الخطورة على حالتى الصحية».
ويقول «على يوسف» وهو شيخ تجاوز الستين، إن الأطباء لا يتواجدون بالمستشفى إلا نادرًا، وحينما يأتى المريض يبررون له الأمر بالمواصلات وازدحام الطرقات، وما إلى ذلك من مبررات سخيفة، ومن ثم يتصلون بالطبيب ليأتى أو لا يأتى، حسبما يروق له.
ويدعو المهندس إبراهيم محلب إلى زيارة المعهد موجهًا له الكلمة قائلا: «تعال إلى معهد ناصر، ستجد وجع قلب أكبر من معهد القلب، المرضى هنا كالأيتام على مائدة اللئام، لا أحد يهتم بهم، نحن نضطر إلى الجلوس فى الشمس ساعات فى انتظار الأطباء الذين يأتون أحيانًا».
مريضة، طلبت عدم ذكر اسمها، تكشف بدورها عن أزمة أخرى حيث تقول: «إن هناك تفرقة سخيفة بين المرضى الذين يسددون المال ومرضى العلاج المجانى، فالأولون يحصلون على الرعاية والعلاج والاهتمام، ولا تتأخر أدوارهم فى العلاج، إلى أن يشاء الله».
كما تنتقد ما تصفه بعجرفة طواقم التمريض تجاه المرضى، وتقول: «رغم أن المستشفى يستقبل الحالات الأكثر فقرًا، فإن الممرضة لا تتحرك إلا إذا وضع المريض المعلوم فى يديها، عندئذٍ فقط ستؤدى دورها وتصبح ملاك رحمة».
وترد إحدى ممرضات المستشفى على هذا الانتقاد قائلة: «غير صحيح على الإطلاق، فالممرضات رغم الأعباء الكبيرة الملقاة على كاهلهن لا يتعاملن مع المرضى إلا بالحسنى، ورغم مرتباتهن المتدنية فإنهن يؤدين أدوارهن بما يرضى ضمائرهن».
وتضيف «بعض المرضى يتطاولون علينا، ومنهم من يوجه إلينا الشتائم، لكننا نضغط على أعصابنا ونتجاوز الأمور».
الأطباء أيضًا لهم شكواهم التى يعبر عنها أحدهم قائلا: «المستشفى يعانى من مشكلة نقص الإمكانيات فى عدد من غرف العمليات ما يضطر الأطباء فى بعض الأوقات إلى استخدام جهاز واحد فقط فى ٥ غرف عمليات، بما يؤدى إلى تأجيل مواعيد إجراء العمليات».
ويقول: «من الممكن عمل ١٠ عمليات فى آن واحد، وبسبب مشكلات الطاقة يتم عمل عملية أو اثنتين، ومن ثم يرفع المرضى أصواتهم بالشكوى، بينما نحن غير قادرين على الاستجابة لهم».
ويتابع: «لدينا ١٥ غرفة عمليات، لكنها بلا إمكانيات، الأمر الذى يجعلها هى والعدم سواء». مضيفًا: «لو أردنا خدمة علاجية جيدة فعلينا الاهتمام أولًا بتحسين إمكانيات المستشفى وتوفير الأجهزة والمستلزمات الطبية، وبغير ذلك ستظل الخدمات مصدر شكوى».
وتتطرق الدكتورة إيمان أحمد إلى مشكلة تأخر أو عدم تواجد الأطباء قائلةً: «غالبية الاستشاريين بالمعهد هم أساتذة فى الجامعات المصرية ولا يتواجدون إلا يومًا واحدًا فى الأسبوع، وبالتالى نضطر إلى إدراج المريض على قوائم الانتظار، وهذا أمر موجود فى جميع المستشفيات مع العلم بأن المعهد يسعى حالياً لتفادى هذه المشكلة بتواجد استشاريين يومين أسبوعيًا على الأقل».
وتؤكد أن المستشفى يستدعى الأطباء هاتفيًا فى حال كانت هناك حالات حرجة، لكنها تعترف بأن الوصول إلى الطبيب المختص قد لا يكون متاحًا فى بعض الحالات، وهو أمر يؤدى إلى شكوى المرضى.
لكن.. هل هذا نظام مقبول للعلم؟
سؤال يبقى بلا إجابة، سؤال يحدد مصائر أرواح الناس، ويكشف بالضرورة عن خلل كبير فى المنظومة.
ويؤكد طبيب يدعى «جمال» إن المستشفى لم يرفض علاج حالات التأمين الصحى إلا بعدما رفض التأمين سداد مستحقات متأخرة، ورغم أن هذا القرار من الناحية القانونية يعد سليمًا، إلا أنه تسبب فى الإطاحة بالدكتور صلاح حامد، مدير المستشفى الأسبق، من منصبه، مشيرًا إلى أن الامتناع عن علاج حالات التأمين شمل فيمن شمل حالات متأخرة، وانعكس بالسلب على أصحابها.
إذن.. فإن المشكلة بين المستشفى والتأمين انعكست سلبًا على «الغلابة» ممن لم يعد هم المرض وحده ينهش أجسامهم، وإنما هم النكران والإهمال. وفى سياق آخر يقول الدكتور هشام زعزوع، مدير مستشفى معهد ناصر، إن المعهد له وضعية خاصة لأنه يعتبر المكان الرئيسى للخدمة التى تقدم فى وزارة الصحة وعليه ضغط كبير، حيث يتلقى تحويلات بحالات متأخرة من عدد كبير من المنشآت الصحية.
ويضيف: «يجب التروى فليس ممكنًا حل المشكلات بعصا ساحر، لقد توليت إدارة المعهد منذ شهر، وفوجئت بأنه مدين بنحو ١٠٠ مليون جنيه، لكن رغم العقبات فإننا نحاول المضى قدمًا فى خطط التطوير».
ويقول: «المعهد يقدم خدمات فى كل التخصصات، ومنها تخصصات نادرة للغاية، ويعانى ضغطًا كبيرًا على خدماته، ورغم ذلك، وضعنا نظامًا داخل المعهد بما يتيح للمريض أن يتعرف على كل حقوقه، وخصصنا أخصائية اجتماعية، توزع استبيان رأى على المرضى لقياس مدى رضاهم عن الخدمات، ويتم جمع الآراء يوميًا، وإلى جوار ذلك وضعنا نظامًا بسياسة الثواب والعقاب». ويؤكد أن المعهد لا يفرق بين مريض مجانى ومريض يدفع أجرًا أو مريض يعالج على نفقة الدولة أو آخر يعالج على نفقة التأمين الصحي‏، فالجميع يعالج على ذات الأسرة، ويتلقى ذات الرعاية، لأن الطبيب فى تقديم خدمته ليس له علاقة بالنظام المحاسبي‏، مشيرًا إلى أن العيادة الخارجية بمعهد ناصر تعمل ‏٣‏ فترات يوميًا، وبشكل مستمر خلال ‏٢٤‏ ساعة وتقدم الخدمة بالكامل، خاصة فى قسم علاج أمراض الدم المكلف جدًا مثل زرع النخاع.
واعترف الدكتور زعزوع بأن البنية التحتية للمعهد فى حاجة إلى تحديث سريع وفورى، وهناك ضرورة لإجراء عمليات صيانة للأجهزة الطبية داخل غرف العمليات والغلايات وأجهزة المعامل الخاصة بالتحاليل والأشعات، حتى المطابخ ومحولات الكهرباء، وهو الأمر الذى يحتاج بلا شك أموالًا طائلة وغير متوفرة.
وردًا على الصور التى نشرتها حملة «عشان لو جه ما يتفاجئش» يقول: نشر الصور التى تظهر السلبيات بالمستشفى لن يؤدى إلا إلى ضجة جوفاء، فلا يوجد مستشفى بغير سلبيات، ولو أن أعضاء الحملة وجهونا إلى مواضع الخلل فنسعى إلى تلافيه فإن ذلك سيكون أجدى وأنفع.