الأربعاء 23 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

"متى ستتزوجين" اللوحة الأغلى في التاريخ لـ"جوجان"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من البحر إلى الثروة، من السمسرة إلى الرسم، ومن حياة النعيم والرفاهية، إلى الفقر مدقع، ومن حياة أسرية مستقرة إلى تشرد ونوم دون غطاء في شوارع باريس، حتى أصبح أميرًا للمتشردين، مسيرة حياة متقلبة وغريبة، عاشها الرسام الفرنسي بول جوجان، الذي يعد من عمالقة الفن الحديث، وفي أواخر أيامه مر بظروف غاية في الصعوبة، كان يتسول لبيع لوحاته عندما أرسلها لباريس، لدرجة جعلته يفكر في الانتحار، بسبب المرض والفقر وحالة البؤس التي يعيشها، لم يعلم أنه بعد وفاته ستقتنى أعماله بالملايين، وهو لم يمتلك فرانكا واحدًا في أيامه الأخيرة، حيث بيعت لوحته "متى ستتزوجين" بـ300 مليون دولار.
لـ"جوجان" مقولة شهيرة، عندما تعرض لنقد شديد من بعض النقاد والفنانين في عصره، سخر من الذين لم يستوعبوا بيان لوحاته، وكان يلقبهم بالمهرجين والمعوقين والبلهاء، كان يعلم جيدًا أنهم من ذوي الخيال الناقص، لقد رمى لهم قطعًا من العظام ورحل عنهم، قائلًا: "الإنسان الواعي لا يقف على أكتاف الذين لا كتف لهم، والفنان الواعي لا يقف على أكتاف معشر المعوقين، والمهرجين، لستم يا معشر المهرجين سوى سحابة من دخان تسبح فوق فجر كاذب، لستم سوى بلهاء تعدون شعر الحمار شعرة شعرة، الفنان الحقيقي ليس سحابة دخان، بل صاعقة.. صاعقة تنتج الرعد والبرق وتظل تطوف فوق القمم".
بول جوجان من أهم فناني المدرسة التأثيرية، عاش حياته متنقلا بين باريس وبيرو وعمل بالتجارة فتجول في بلاد عديدة أثرت على تشكيله الفني ووجدانه قبل أن يعود ليتزوج ويستقر في باريس، ولد بول عام 1848م، عام قيام الثورة الفرنسية الثانية، وكان أبوه صحفيًا جمهوريًا، وعندما استولى 'لويس نابليون على السلطة ونصّب نفسه إمبراطورًا سنة 1851م، هاجر الأب إلى بيرو بأمريكا الجنوبية، حيث يعيش أقارب زوجته، كانت أم جوجان ابنة لرسام يدعى 'شازان" وأمها إسبانية من سيدات المجتمع المرموقات، حيث كانت تنتمي إلى الطبقة الملكية في بيرو، وقبل أن تصل السفينة التي تقل العائلة إلى ميناء "ليما" في بيرو، توفي والد الفنان، فعاشت الأم مع أبنائها هناك أربع سنوات، ثم عادت بهم إلى فرنسا عندما بلغ عمر "جوجان" سبع سنوات.
وانبهر جوجان بعد دراسته الثانوية بالبحر، فالتحق بالبحرية التجارية وهو في سن السابعة عشرة واستمر بها حتى سن العشرين، وبعد وفاة والدته عام 1871م هجر البحر واشتغل بالسمسرة، وفي عام 1873م تزوج من فتاة دنماركية جميلة من أسرة ثرية، ولد له منها خمسة أطفال، ليعيش حياة اجتماعية ناجحة، وعبر دعوة تلقاها من أحد أصدقائه لزيارة معرض فني؛ بدأت مسيرته الحقيقية مع فن الرسم، حيث كان "جوجان" محبًا وهاويًا للرسم، فنصحه الصديق بممارسة الرسم في الهواء الطلق أثناء العطلة الأسبوعية.
لوحات جوجان تباع حاليًا بملايين الدولارات، وتحرص على اقتنائها أعظم متاحف وقاعات العالم، بينما عاش هو حياة فقر وتشرد في سنواته الأخيرة، ليحقق من يقتني لوحاته بعد وفاته ومسيرته الحياتية الصعبة، ثروات طائلة.
كان شغوف بالبحار والمحيطات والجزر، ومستكشف لسحر تلك الأماكن، فرحل لجزيرة تاهيتي عام 1891م، ليهرب من ضغوط الحياة ومشاكلها، ليبحث عن الهدوء واكتشاف موضوعات جديدة، تلهمه الرسم، فرسم أكثر من ستين لوحة في عام واحد، إلا أنه مرض، فاضطر للذهاب إلى عاصمة الجزيرة طلبًا للعلاج، وبعد بضعة أسابيع عاد إلى كوخه، ولكنه كان لا يزال مريضًا ولم يتبق لديه أي مال، وأرسل لوحاته إلى باريس فأثارت إعجاب أصدقائه، إلا أنها لم تجد من يشتريها، واستطاع أصدقاؤه في باريس أن يجعلوا الحكومة تتكفل بإعادته إلى أرض الوطن، فعاد عام 1893م وهو لا يملك فرنكًا واحدًا، ثم توفت عمته، فورث نحو ألفي دولار، فأقام لنفسه مرسمًا في 'مونبارناس، حيث كان يغص كل ليلة بالعديد من الأدباء والفنانين من شتى الطبقات، وبعدها عاد إلى باريس ليبذر أمواله، لينتهي به الأمر مرة أخرى مريضًا وفقيرًا في "تاهيتي".
"متى ستتزوجين"، من روائع الفنان الذي رسمها في تلك الجزيرة قبل وفاته بعام.
من أبرز لوحات الفنان التي يظهر فيها أسلوبه المتكامل ورؤيته للون والضوء والخطوط، رسمها قبيل وفاته بعام، تمثل فتاتين من أهالي جزر"تاهيتي" تمثلان قمة الجمال عند أبناء تلك الجزر، يبدو عليهما الطابع المحلي المميز مع مشاعر واضحة في الشخصيتين، وهما تبدوان مكررتين في جلستهما بالعراء تحت ضوء شمس خط الاستواء، بينما يخفق الجو بثراء لوني، وكأن تلك الخلفية تصل إلى حلم "جوجان" الباحث عن الأرض المفقودة، وعالج الفنان اللوحة بعناية تامة، تحمل نموذج واضح لأسلوب التسطيح الذي يعتمد عدم التظليل، أو إعطاء استدارة الأجسام متبعًا في ذلك أسلوب الفنون الفطرية عند أهالي تلك الجزر، وعرضت لوحته الزيتية في متحف رينا صوفيا في مدريد أمس الجمعة، بجانب نحو 60 قطعة فنية أخرى في معرض يستمر حتى منتصف سبتمبر، كما ذكر موقع سكاى نيوز.
بينما أفادت وسائل إعلام سويسرية في وقت سابق من الأسبوع أن اللوحة بيعت لأمير قطري مقابل 300 مليون دولار، مما يجعلها أعلى لوحة ثمنّا في التاريخ.