تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ما زلنا مع الكاتب الكبير محمد جلال كشك، وهو يحدثنا عن حال الاستعمار مع شعوب كان لها تراث حضارى ومؤسسات حضارية، رغم تخلفها، لكنها عنصر رفض ومقاومة للوجود الغربى.. وهذه الشعوب كانت إبادتها، من قِبَل الغرب المستعمر ـ مستحيلة وغير مرغوب فيها، لأن استثمارها هو جوهر الاستعمار وغايته، وكان تدجينها بأسلوب استئناس الحيوان مستحيلًا.
ثم يضيف:«هذه الشعوب عندما فوجئت بتفوق الغرب، الذى عاشت قرونًا على احتقار شأنه، والاستخفاف به، إلى أن روَّعتها مدفعية نابليون فى عشية القرن الثامن عشر فى الطرف الغربى من آسيا، بينما أيقظت مدفعية الكومادور «ماثيو بيري» الأمريكى، الطرف الشرقى، اليابان، فى عام 1853 م.
«فكان السؤال: كيف نواجه مدفعية الغرب ؟!»
ولا يتركنا الأستاذ «كشك» حائرين وإنما يسرع فيجيب قائلًا: «بينما أخطأت آسيا وإفريقيا الجواب، عرفته اليابان وحدها».
ثم يستطرد: «كان الهدف الرئيسي هو بناء قوة اليابان العسكرية، ولكن لتحقيق ذلك كان على اليابان أن تنتج كل المنتجات الحديثة، وأن تمتلك كل المعرفة العلمية المتاحة للغرب».
ثم يستطرد: «أدرك الشرق كله تلك الحقيقة التى وعتها النخبة اليابانية فى عصر الميجى، أو الحكومة المستنيرة ـ أنه لكى تبقى اليابان فيجب أن تصبح فى مستوى العصر، كل الشرق وعى هذه الحقيقة، وكان أكثر الجميع وعيًا بها هم أولئك الذين وعوا خطورة التفوق الغربى.. لكن اليابان وحدها عرفت الجواب الصحيح: التحديث لا التغريب، ولكى يتحقق التحديث لا بد من رفض التغريب..بل نزعم أنه بقدر الإصرار والنجاح فى رفض التغريب يكون النجاح فى تحقيق التحديث».
ثم يقول: «تمسكت اليابان بدينها، وأصبح المعبد أو الهيكل جزءًا أساسيًا فى كل مصنع أو باخرة...وتمسكت بنظامها الملكى، واستمرت حتى الحرب العالمية الثانية تعامل إمبراطورها كإله يُحظر النظر إليه من أعلى، وتؤمن الجماهير، وتسلك النخبة على أساس أنه ينحدر من الشمس».
وبينما كان يجرى التحديث بأعلى معدل عرفته دولة إلى النصف الثانى للقرن العشرين، كان اليابانى محتفظًا بحياته العائلية والاجتماعية وتقاليده وتراثه، محتقرًا الجنس الأبيض، مقتنعًا بإصرار متزايد أنه خير أمة على ظهر الأرض، محتفلًا بأعياده القومية: عيد تكريم الإمبراطور، أو عيد البنات (3 مارس)، حيث تجرى فى كل بيت مراسيم احترام وتوقير لتماثيل صغيرة على شكل عائلة الإمبراطور!!، وعيد الأسلاف فى يوليو، حيث يجرى استقبال أرواح الأسلاف وتكريمها.
ثم يضيف قائلًا: «ظل المسرح اليابانى يقدم روايات التراث وبنفس الأسلوب منذ قرون، وظلت المرأة فى مكانها التقليدى ودورها الأساسى، وظلت على احترامها للزوج وخلع حذائه بيديها، واليابان هى البلد الشرقى الوحيد الذى لم تظهر فيه حركة تحرير المرأة».
«لذلك أصبحت مجتمعًا حرًا وحافظت على استقلالها، لأنها عرفت أن المرأة لا تتحرر وحدها، وأنه لا حرية لامرأة ولا لرجل فى مجتمع ضعيف متخلف، فاقد للاستقلال، أو مهدد بفقده فى أية لحظة، وبعكس ما بُذل فى بلادنا لتعليمنا استخدام الشوكة والسكين، وآداب المائدة، لم يحدث قط أن حاول اليابانيون الأكل على الطريقة الغربية، فالأمة التى تُلقن أنها بحاجة إلى أن تتعلم آداب المائدة من عدوها هى أمة فقدت احترامها لنفسها، ويستحيل أن تنجز أى تفوق».
وفى الأُسْبُوعِ المقبل.. للحديثِ بقية... إنْ شاءَ ربُّ البرية.