تعتبر المخابرات البريطانية الإس آي إس SIS وهى اختصار ( Secret Intelligence Service ) والتي تعرف في المنطقة العربية بمكتب إم آي 6 ( MI6 ) من أنشط أجهزة المخابرات العاملة في الشرق الأوسط منذ إنشائها عام 1909 ، وكان الجهاز لاعب رئيسي في تأسيس حركات دينية - سياسية فى المنطقة أشهرها جماعة الإخوان المسلمين وقت الاحتلال البريطاني لمصر الذى انتهى رسميا مع اتفاقية الجلاء التي وقعت بين حكومة ثورة يوليو برئاسة جمال عبد الناصر والحكومة البريطانية، وبموجبها خرج آخر جندي بريطاني من مصر في 18 يونيو 1956.
وتضم المخابرات البريطانية عدة أجهزة هى مكتب الاستخبارات الخارجية للملكة المتحدة تحت إدارة هيئة المملكة المتحدة المشتركة للاستخبارات(UK Joint Intelligence Committee)، وهى مسئولة قانونا عن نشاطات التجسس للمملكة المتحدة خارج المملكة عبر الدول المختلفة و تعمل بجانب خدمة الأمن (إم آي 5)، وموظفي الاستخبارات الدفاعية (DIS) و مكاتب الاتصالات الحكومية البريطانية (GCHQ) والأخيرة هى بطلة قضية التجسس الكبرى التي كشف عنها إدوارد سنودن المستشار السابق بوكالة الأمن القومي الأمريكية إثر تعاونها مع الوكالة الأمريكية في إطار التعاون بينهم وهى المتهمة بالتجسس على المبادرة المصرية للحقوق الشخصية .
القضية فجرت تساؤلا ساخنا حول الأسباب التي تدفع المخابرات البريطانية للتنصت على هذه المؤسسة بالذات دونا عن عشرات المؤسسات الحقوقية المصرية الأخرى ؟، تساؤل حملته الى الكثيرين من أصدقائي في هذا المجال الذى عملت علية منذ أكثر من 10 أعوام وتذكرنا سويا كيف كنا نتابع التقارير والبيانات التي تصدرها المبادرة بالذات لما فيها من معلومات لا تتوافر لأى أحد في ملفات الأقليات الدينية "أقباط –شيعة – بهائيين" والمثليين ومصابي الإيدز، وأجهزة المخابرات تبحث عن المعلومات الجديدة التى لا تعرفها الصحافة ووسائل الإعلام .
بحكم عملي كمحرر يغطى انشطة منظمات حقوق الانسان في جريدة "نهضة مصر" تابعت هذا المركز ومؤسسة حسام بهجت الذى أنشأه عام 2002 كشركة مدنية هربا من قانون الجمعيات، وهى ثغرة قانونية تسمح بإنشاء مثل هذه المراكز بعيدا عن رقابة وزارة التضامن الاجتماعي ليصبح التعامل الوحيد مع الحكومة هو دفع الضرائب فقط، وهناك العديد من المراكز الكبيرة والمرموقة في عالم حقوق الإنسان، نشأت بنفس الطريقة هربا من المضايقات الحكومية خاصة وأن غالبية نشطاء حقوق الإنسان لديهم ملاحظات على القانون رقم 84 لسنة 2002 الخاص بالجمعيات الأهلية و المعمول به حاليا ، إلا أن نشطاء آخرين قرروا التسجيل وفق القانون رغم ملاحظتهم عليه أبرزهم المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أقدم وأكبر المنظمات العاملة في هذا المجال والتي عمل بها بهجت فترة قبل أن يتركها إثر خلاف مع أمينها العام حافظ أبو سعدة ليؤسس المبادرة .
سبب الخلاف كان إصرار بهجت الباحث وقتها في وحدة العلاقات الدولية بالمنظمة على ضرورة إصدار بيان تضامن مع حقوق المثليين المتهمين في قضية "كوين بوت" عام 2001 وهو ما رفضه أبو سعدة لأنه ضد طبيعة وثقافة المجتمع المصري ليخرج بعدها بهجت ليتعاون مع هيومان رايتس ووتش التي خاضت معركة شرسة مع النظام المصري وقتها لحماية المتهمين وبعدها أنشأ المبادرة .
تطور العمل داخل المبادرة مع صعود نجم" بهجت " دوليا وكانت تقاريره وبياناته وعمله مقدرا لدى جهات دولية عديدة لأنه يمتلك معلومات دقيقة وحصرية، فهو مميز ومهني في جمع المعلومات والبيانات الخاصة بقضايا الفتنة الطائفية والأقليات الدينية خاصة البهائيين والشيعة ثم المثليين ومصابي الإيدز ويجيد التعامل مع تفاصيل التفاصيل ويعمل لديه محامين وقانونيين شباب يوثقون كل المعلومات التي تقع تحت أيديهم.. وحظى باهتمام من المؤسسات الأوروبية تحديدا لجرأته الشديدة في التعامل مع هذه القضايا داخل مصر ..إلا أن الغموض يسيطر طوال الوقت على مصادر تمويله، و حجم ميزانيته، وتنقصه طوال الوقت الشفافية والإفصاح عن مصادر تمويل نشاطه خاصة بعد أن توسع و أصبح لديه عددا من الفروع داخل وخارج مصر، ورغم صدام العديد من المؤسسات مع الدولة، ولم يتم توقيف بهجت كما حدث مع نشطاء آخرين.. ومن الواضح أنه يتمتع بعلاقات طيبة مع الجميع ..ولقد حضرت شخصيا وقت مناقشة التقرير الأول لمصر في المجلس الدولي لحقوق الإنسان في جنيف عام 2010 جلسة جمعت بين "بهجت" والوزير مفيد شهاب ممثل الحكومة المصرية آنذاك في منزل السفير هشام بدر رغم تباين وجهات النظر .
تعاونت المبادرة مع مؤسسة الكرامة التي أسستها قطر عام 2004 ، والتي أدرجت الولايات المتحدة رئيسها عبد الرحمن النعيمي، على قائمة دعم الإرهاب الدولي في ديسمبر 2013 وقد يكون هذا هو السبب في خضوعها لعملية التجسس التي قامت بها المخابرات البريطانية عبر الجهاز المعروف باسم GCHQ، و الذي أُدين بالتجسس على المبادرة عبر برنامج يُدعىTempora قادر على مراقبة كميات ضخمة من البيانات المأخوذة من كابلات الألياف البصرية لمدة تصل إلى 30يوما وتخزينها كي يكون بالإمكان فحصها وتحليلها، مثل تسجيل المكالمات الهاتفية ومحتوى الرسائل الإلكترونية والمعلومات المنشورة على فيسبوك وتاريخ دخول أي مستخدم إنترنت إلى المواقع الإلكترونية.
الغريب أن المبادرة اكتفت منذ الكشف عن القضية بالتحرك القانوني أمام القضاء البريطاني دون أي حملات كبرى للتنديد بما تم ضدها كما يحدث ضد ما تقوم به الحكومة المصرية، وهو نفس موقف شركائها الدوليين من منظمات حقوقية وجهات تمويل دولية والذين تعرضوا بالتبعية لهذا التجسس دون ان يثيروا الضجيج والصخب حول بريطانيا وجهاز مخابراتها مثلما يثيروه ضد أجهزة الأمن في الشرق الأوسط، هو مجرد تساؤل قد تحمل طياته إجابة !