تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
في خطابه الشهير في ختام مؤتمر شرم الشيخ لدعم وتنمية الاقتصاد المصرى، ذكر الرئيس السيسى أن اليابان وكوريا كانتا قد أرسلتا وفدين ليتعلما من تجربة مصر وحضارتها.
وقد قال الرئيس ساعتها إنه لن يسأل عما حدث بعدُ، ولكن السؤال يطرح نفسه بطبيعة الحال، بل ويطرحه الكثيرون من النخب والمثقفين، من غير أن يطرحوا له إجابة، مع كونهم سببًا كبيرًا من أسبابه - إن لم يكونوا هم أكبر الأسباب.
هذا السؤال هو: ما الذي حدث؟ ولماذا تقدم هؤلاء وتخلفنا؟! كيف لحقونا ثم سبقونا، مع كوننا كنا متقدمين وقت أن كانوا متخلفين؟!
ثم، ما هو السبيل نحو التقدم والازدهار والخروج من دائرة التخلف والجهل والمرض إلى دائرة العلم والتحضر والتحديث؟
وللإجابة عن هذا السؤال، فإننى سأرجع مباشرة إلى واحد ممن يستحق بحقٍ وصدقٍ لقب «النخبة» وهو الأستاذ الفاضل والصحفى المناضل: «محمد جلال كشك» –رحمه الله-، لأقتبس لك أيها القارئ المكرم شيئًا من كلامه ليكون نورًا على السبيل يضيء لى ولك ولكل من يريد أن يستنير بحق.
فلقد استطاع أن يلخص المسألة ويوضح الأمور بأبسط عبارة وأسهلها وأجاب عن السؤال بطريقة مباشرة.
يقول الأستاذ «محمد جلال كشك» في مقدمة كتابه الممتع النافع الفذ «و دخلت الخيل الأزهر» ما نصه «كان الإسلام هو السد الوطنى الذي تتكسر عنده أمواج الغزو الغربى، لأن الإسلام هو الرفض الحضارى للغزو الغربى».
ويضيف: «كان الإسلام يتمثل في الرفض الغريزى من جانب الجماهير، للغزاة الأجانب الذين يهددون وجودنا الحضارى ومستقبلنا ومصالحنا».
ثم يقول: «ولذلك كان على الغزوة الاستعمارية الغربية أن تفتت مقاومة أمتنا، بتجريدها من الإسلام، وقد جربت أوربا إبادة الإسلام بقتل المسلمين في الحروب الصليبية، لكنها اكتشفت فشل هذا الأسلوب، وحاولت مرة أخرى أن تخرج المسلمين بحملات التبشير، هذه الحملات التي لم تكن عدوانًا على الإسلام وحده، بل وأيضًا عدوانًا على كنائسنا العربية، ذاك أن المسيحية في المشرق العربى، كانت من دعائم الرفض الوطنى للغزو الغربى.
وكان أعيان النصارى في المشرق العربى،- وفى مصر بالذات- جزءًا أساسيًا من القيادة المثقفة للأمة يتحملون مسئوليتهم إلى جانب شيوخ الأزهر والأعيان والتجار المسلمين.
وكانت الكنائس العربية والكنيسة المصرية العريقة ـ وهى أقدم كنائس العالم على الإطلاق - بالذات قلاعًا لمقاومة الغزو الاستعمارى الغربى؛ وكتابات الاستعماريين الغربيين حافلة بالحقد على الإسلام وعلى كنيستنا القبطية معًا... إلى نهاية القرن التاسع عشر، والمؤرخون الاستعماريون لا يخفون مرارتهم وهم يتحدثون عن فشل جهود مبشريهم في كسب مسلم واحد أو قبطى واحد إلى صفوفهم.
لكن التبشير لم ينجح..فكان التغريب: أي دفع المسلمين والمسيحيين، إلى استبعاد الدين من حياتهم وتفكيرهم، وعزل القيادات المثقفة وتصفية دورها في المجتمع».
ثم يستطرد قائلًا: «والآن ماذا نقصد بالتغريب؟!» ثم يجيب.. «إنه الجواب الخاطئ الذي طُرح على شعوب الشرق منذ صدامها مع الغزو الغربى».
ويستطرد: «لقد اصطدم الغزو الغربى، بثلاثة أنواع من الشعوب:
■ شعوب لم يكن لها حضارة قادرة على المقاومة، ولم يكن الاستعمار الغربى بحاجة إلى استمرار هذه الشعوب... فكان أسلوبه في مواجهتها هو الإبادة الشاملة، وأما ما بقى بعد الذبح والحرق، فقد تم فناؤه في الغزاة، وتكون جيل جديد من الخلاسيين أو المولدين... يتكلم نفس اللغة، ويعتنق نفس الدين، ولا يكشفه إلا لونه وتخلفه، والبؤس الذي فرض عليه بصفة أبدية..وذلك ما تم في شعوب العالم الجديد.
■ وشعوب كان الاستعمار الغربى بحاجة إليها، ولم تكن لديها حضارة ولا مقومات حضارية تمكنها من مقاومة الغزو الاستعمارى، فاكتفى الاستعمار باستئصال قسم منه، وباستئناس القسم الآخر، وإلحاقه بمزرعته، وتلقين القسم الداجن لغته، وأحيانًا دينه... مع إبقاء حاجز أقوى من حائط الصين بين مجتمع السيد: الإنسان الأبيض، ومجتمع الكائنات غير البيضاء... وهكذا جرى الحال بصفة أساسية في أفريقيا.
■ أما الحالة الثالثة، فهى حالة الشعوب التي كان لها تراث حضارى ومؤسسات حضارية، رغم تخلفها، لكنها عنصر رفض ومقاومة للوجود الغربى..وهذه الشعوب كانت إبادتها مستحيلة وغير مرغوب فيها، لأن استثمارها هو جوهر الاستعمار وغايته، وكان تدجينها بأسلوب استئناس الحيوان مستحيلًا..».
و...
في الأُسْبُوعِ القادمِ... للحديثِ بقية... إنْ شاءَ ربُّ البرية.