الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

رمضان بالقبطي

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إن من الواجب علينا أن نعرف مقاصد صومنا، فلا نكون كالتائهين في البحر، يتوهمون أنهم إلى المدينة قاصدون، وهم في متجه آخر هائمون.
إن قلتَ: ما الصوم في الحقيقة.. أهو غير الامتناع عن الطعام وقتا محدودًا؟ قلتُ: الصوم هو الإمساك عن جميع الرذائل والتمسك بجميع الفضائل، بمنع النفس عن اللذات البدنية كالأطعمة والأشربة وسواها، وعلى ذلك قول الله للناس: «إذ كنتم تظنون أن الصوم هو الامتناع عن الطعام حتى الليل فقط، ثم تُقبلون على الطعام فتأكلون وتشربون.. ها سبعون سنة مرت، ألعلكم صُمتم لى فيها صوما... وإن أكلتم وشربتم، أفلستم أنتم تأكلون وتشربون؟».
ليس الصوم أن يضع الإنسان نفسه ويحنى عنقه ويفترش له مسحا ورمادا، بل أن تَحُل أغلال الإثم، وتقطع رُبُطَ الظلم، وتُجانب المكر والغش، وتُعتق المستعبدين، وتكسر خبزك للجائع، وتؤوى الغريب إلى بيتك، وتُنصف الأيتام والأرامل، ولا تتغاضى عن لحمك ودمك، فإن تفعل ذلك، فيشرق نورك في الظلمة، ويظهر بِرُّك سريعا.. وتشبع نفسك من الخصب، وتصير كينبوع الماء الذي لا ينضب.
أن يكون الصوم فقط امتناعا عن الأكل هذا حطٌّ من كرامة الصوم.. المطلوب في الصوم ليس الانقطاع بواسطة الفم، بل الانقطاع عن شيء بواسطة العيون والآذان، والأرجل، واليد، وكل الجسم.. تصوم الأيدى بالطهارة والابتعاد عن السرقة والبخل وعمل الرذيلة، والعين بالابتعاد عن المشاهد المحرمة، فإذا فُسد أبطل خير الصيام، وإذا صلُح نفع الصوم.
وأنه لغريب حقا أن يمتنع الإنسان عن مأكل ليس فيه شر بحد ذاته، وأن يمتنع عن نظرات تسبب له لذّاتٍ محرّمة، فاذا منعت عن فمك اللحم، امنع بالوقت نفسه عن يمينك ما يضرها ويفسدها، اَلزم أُذنيك بصوم قاسٍ وذلك بالامتناع عن سماع النميمة والافتراء، قال الرب ابتعِد عن الكلام الشرير والخدّاع والكلام غير الحسَن، وأنت لا ترضى، ماذا ينفعك بأن تمتنع عن أكل اللحم والسمك، إذا نهشت قريبك بلسانك المغتاب والمؤذي؟
القديس يوحنا ذهبى الفم القرن الرابع.