تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
فى العلوم المقارنة عموما تتضح أبعاد أعمق من دراسة العلم وحده فقط، وفى العلوم الإنسانية العلوم المقارنة لها أبعاد قد تخفى على حتى المتخصصين فى العلم، فمثلًا قتلت الثورة الفرنسية بحثًا، وهى أم الثورات الحديثة، وعلى حد علمى لم تدرس ثورة ٢٣ يوليو الدراسة الكافية، وحان الوقت أن ندرس ثورة ٢٥ و٣٠ وندرس دراسة مقارنة بين هذه الثورة وكل من الثورة الفرنسية والثورة المصرية التى أثرت فى الوطن العربى كله وفى قارة أفريقيا.
وسأضع موضوع نشيد «المارسيليز» كأحد روافد الثورة الفرنسية وعلاقته بها، وهل وضع لها أم وضع لشأن آخر واستخدمه الشعب فى ثورته، وهل كان لثورة ٢٣ يوليو نشيد معين تغنى به الناس؟، أسوة بنشيد بلادى بلادى الذى وضعه موسيقار الشعب سيد درويش إبان ثورة ١٩١٩ التى قام بها سعد زغلول، والتى كانت مدعاة فخر لكل من وكل سعد باشا فى التفاوض مع الإنجليز من أجل الجلاء والاستقلال بعد أن سأله المستعمر الإنجليزى ماذا تمثل لكى تتفاوض معنا؟، ولما قال «أمثل الشعب والأمة»، قالوا «ومن الذى فوضك؟»، وعلى الفور فوض كل المصريين سعد باشا ورفاقه فى التفاوض على جلاء المستعمر.
ورجوعًا إلى الثورة الفرنسية فقد عرف القرن الثامن عشر بعصر «التنوير والعقل»، ولا يمكن تصوير الروح الفكرية لهذا العصر بمنظر كان فى معظم بيوت الفرنسيين لجان جاك روسو يظهر جالسًا ومن أمامه ومن خلفه مناظر ريفية طبيعية، وكانت هذه بداية احترام الطبيعة وربط الرومانسية بها.
ومما أثر فى هذه الثورة مجلدان، المجلد الأول «المبادئ الرياضية» لإسحق نيوتن، والمجلد الثانى «بحث فى العقل الإنسانى» لجون لوك، وفى ظل هذه الروح الفكرية فقدت الملكية دعامتها التى تستند على الحق الإلهى وبدأت فى الترويج «للمستبد العادل» أو «المستنير»، وبما أن آل بوربون كانوا مستبدين، وقد كان لويس السادس عشر يحاول أن يظهر بصورة العقلانى إلا أن العصر امتاز بقيم خالدة مثل الحرية والإخاء والمساواة.
وبما أن الثورة بدأت تتجمع قواها فى ١٧٨٩ قام بعض المفكرين بعمل ندوة فكرية دعى فيها ضابط مهندس فى الجيش الفرنسى (روجيه دى ليل)، وما أن انتهى الاجتماع حتى أفرغ هذا الضابط حماسته المتدفقة فى كلمات أغنية خلدت اسمه على مر الزمان، ثم أمسك بكمانه ليضع هذا اللحن الخالد، ولكنه لأنه كان هاويًا للموسيقى فلم يستطع كتابة التوزيع الموسيقى لهذا النشيد الرائع، وفى يوم ٢٥ إبريل سنة ١٧٩٢ أنشد هذا النشيد وللأسف لا نعرف من وزعه ليناسب فرقة موسيقية كاملة، وفى نفس اليوم قام مغنى يدعى «ميريير» بغناء النشيد فى مدينة مارسيليا، وسرعان ما طبعت الأغنية ووزعت على كل من سيذهب إلى باريس للتغنى بهذا النشيد والهجوم على قصر الملك يوم ١٠ أغسطس ١٧٩٢، وكان لدوى هذا النشيد وقع أقوى من الأسلحة التى فى أيديهم فى هدم الملكية الفرنسية وإلى الأبد.
ومن أعجب الأشياء أن أغانى الثورة المصرية تم وضعها بعد نجاح الثورة، والتى سماها من قاموا بها «الحركة المباركة»، ولا نعلم متى تحولت إلى ثورة وإن كنت أرجح أنها بعد طرد الملك فاروق وتنازله عن العرش لابنه أحمد فؤاد، أيضا لا نعلم هل كانت هناك أغنية ساهمت أم لا، وأيضا لا نعلم أيّا من الأغانى ساهمت فى ثورة ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، وإن كنت أظن ومن واقع حضورى فى ميدان التحرير أن أغانى ثورة ٢٣ يوليو التى غناها عبد الحليم حافظ، فما أحوجنا إلى دراسة مقارنة تعنى بمقارنة أغانى ثورات العالم التى حفزت الثورات، وتلك التى تم تأليفها بعد الثورات.