الخميس 28 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

آخر أيام الملكة ناريمان! "2-2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
توقفنا في الحلقة السابقة عند الحياة الجديدة للملكة ناريمان مع زوجها الصديق دكتور إسماعيل فهمى.
عرفت ناريمان في زوجها الدكتور إسماعيل الحب المخلص الصادق. ودفء الزوج الناضج الحنون، وكان الجيران ينظرون بانفعال لملكة مصر السابقة وزوجها الطبيب. وهما يعيشان حياة زوجين عاديين تمامًا.
كانا يتناولان طعام الإفطار سويًا كل صباح ثم يغادر الدكتور إسماعيل البيت إلى المستشفى، وتشغل ناريمان وقتها بالقراءة التي كانت هوايتها الوحيدة، أو بسماع أسطوانات الموسيقى الكلاسيكية، وكانت تمتعض إذا سمعت عبر نوافذ البيت الموسيقى الصاخبة تنبعث من البيوت أو السيارات المارة في الطريق! ويتناول الزوجان عند الظهر الغداء، وإذا كان اليوم عطلة عيادة الزوج الطبيب كان الاثنان أحيانًا يقضيان سهرتهما في إحدى دور سينما مصر الجديدة. وكانت ناريمان تفضل دائمًا مشاهدة الأفلام الرومانسية الناعمة! لكن المرض لم يرحم آخر ملكات مصر!
فقد بدأت تشكو الصداع الشديد، ثم أصيبت بنزيف في المخ عام ١٩٦٩، وطار بها زوجها الدكتور إسماعيل فهمى إلى لندن، حيث أجريت لها جراحة في المخ في أحد المستشفيات هناك، وعادت لتبدأ رحلة معاناة مع هذا المرض الخطير، وفى عام ١٩٩٠ عرضها على الأطباء في باريس.
كانت آثار الزمن قد أطاحت بعلامات الجمال من وجه ناريمان. وبدأت تعيش على الأدوية ونظام محدد في الطعام. وبدأت قدرتها على الحركة تضعف، حتى أصبحت لا تغادر البيت إلا لأسابيع قليلة كل صيف، تقضيها مع زوجها في أحد فنادق الإسكندرية.
وبينما عاشت ناريمان مشاعر الأمومة مع ابنها أكرم أدهم، النقيب الذي عاش معها معظم حياته، وكان يحضر لزيارتها أسبوعيًا وفى المناسبات، بعد أن تزوج واستقل بحياته، إلا أن ناريمان لم تلتق ابنها أحمد فؤاد سوى أربع مرات فقط في حياتها، وهى المرات الأربع التي زار مصر فيها!
كانت ناريمان كما علمت من زوجها الدكتور إسماعيل فهمى تشعر بالأسى من أجل ابنها أحمد فؤاد، لأنه تزوج فرنسية أشهرت إسلامها وحصلت على اسم «فضيلة»، ولم تكن ناريمان أبدًا راضية عن هذه الزيجة أو عن تصرف زوجة ابنها «فضيلة»، والتي كانت تطلب أن يسبق اسمها عند حضورها الحفلات في باريس لقب «فضيلة ملكة مصر»!
وكانت ناريمان تبكى وهى تسمع أخبار تدهور زواج ابنها أحمد فؤاد، والذي انتهى بمشكلات زوجية حادة.. ورغم أن فضيلة أنجبت أولاد أحمد فؤاد الثلاثة، فوزية ومحمد على وفخر الدين، لكن أحمد فؤاد غادر شقة الزوجية عقبب مشاجرة حادة مع فضيلة. بينما كانت الأمطار تغرق شوارع باريس، ودخل المستشفى بعد أن خارت قواه، وظل هناك أيامًا من دون أن يتعرف إليه أحد، وأخيرًا طارت إليه أخته الأميرة فوزية من جنيف وعادت به ليعيش معها.
■ ■ ■
عندما سقطت ناريمان في بيتها وكسرت ساقها ونقلت إلى مستشفى كليوباترا بمصر الجديدة أرسلت لها باقة زهور مع بطاقة أتمنى لها فيها الشفاء العاجل.
في اليوم نفسه اتصل بى زوجها د. إسماعيل فهمى ليقول لى: لقد فرحت جدًا بباقة الزهور، وهى تريد أن تراك اليوم لتشكرك بنفسها!!
أسرعت إلى المستشفى وهناك وجدت الملكة ناريمان ترقد على فراشها في صمت.. انتابتنى مشاعر عديدة لم أستطع تحديد أيها الأقوى.. فلم أصدق أن هذه السيدة العجوز المتعبة والتي يكسو وجهها الملىء بالتجاعيد ألم المرض والعلاج هي نفسها ناريمان الجميلة ملكة مصر السابقة، والتي كانت صورتها الرائعة تحتل أغلفة المجلات وصفحات الجرائد في مصر والعالم ذات يوم.. بل وأيامًا كثيرة. ‍
نظرت نحوى في ضعف.. ولم تنطق إلا بعبارة قصيرة: الورد جميل جدًا.. وأشكر ذوق حضرتك ‍!
وبعد أيام عادت ناريمان من المستشفى إلى البيت، وكانت تزحف نحو السنة الثانية بعد السبعين من عمرها، وفى العام الماضى عادت مرة أخرى إلى المستشفى بعد أن أصيبت بالتهاب رئوى، وقضت في المستشفى عشرة أيام، وغادرت المستشفى مرة أخرى إلى البيت، لكن كان قد بدا واضحًا أن النهاية اقتربت!
■ ■ ■
وتوفيت الأميرة فوزية..
وحضر أحمد فؤاد ليوارى جثمان شقيقته الثرى، وعاد من المقابر مباشرة إلى بيت والدته ناريمان في مصر الجديدة، دخل من باب الشقة مسرعًا نحو حجرة نومها، وانحنى ليقبل يدها وهى راقدة على الفراش، ثم عاد ليغمر وجهها بالقبلات، وكان أحمد فؤاد يبكى، وأخذت ناريمان تبكى واختلطت دموع الابن والأم!
في ذلك اليوم.. تحاملت ناريمان على نفسها، وأصرت على أن تغادر فراشها لتتناول الغداء مع ابنها أحمد فؤاد، وزوجها إسماعيل فهمى، ولم يكن هناك حوار كثير خلال هذا الغداء الذي قبل أن ينتهى نظر أحمد فؤاد طويلًا إلى ناريمان، وقال لها: خلى بالك من صحتك يا ماما.
لاحت على شفتيها ابتسامة إشفاق.. وردت عليه ناريمان قائلة انتبه أنت يا أحمد إلى صحتك.. من فضلك!
كانت بقلب وعين الأم قد لاحظت من الوهلة الأولى أن ابنها أحمد فؤاد قد تدهورت حالته الصحية والنفسية بشكل واضح، خاصة بعد وفاة أخته الأميرة فوزية.. وكان واضحًا أنه يسير بصعوبة.
وعندما انتهى الغداء.. ورغم أن الطائرة التي كان سيعود بها أحمد فؤاد إلى جنيف ستقلع بعد ساعات قليلة، إلا أنه أصر بعد الغداء على أن يساعدها على العودة إلى حجرة النوم.. بل أنه بعد أن ساعدها على الرقود في الفراش صعد بهدوء ليستلقى إلى جوارها، وسرعان ما أخلد مثلها إلى النوم.. وأغلق الدكتور إسماعيل فهمى بهدوء عليهما باب حجرة النوم!
غادر أحمد فؤاد القاهرة إلى سويسرا..
■ ■ ■
خارت قواه فور وصوله بعد أن أصيب بانهيار عصبى، وتم نقله على وجه السرعة إلى مستشفى في جنيف، حيث اكتشف الأطباء إصابته بجلطة في الساق، ما زال يعالج منها حتى اليوم!
وبدأت ناريمان تخطو نحو النهاية بسرعة.. لم تعد قادرة على الكلام.. وانطفأت بقايا البريق والأمل في نظرات عينيها. وأصبحت تطلب من زوجها أن يبقى بجانبها معظم الوقت، وكانت وهى راقدة على الفراش تذهب في غيبوبة قصيرة، ثم تفيق للحظات!!
كانت تهمس له في ضعف: خلى بالك من نفسك يا إسماعيل.. ولا تتأخر علىّ طويلًا!
ثم تعود مرة أخرى إلى الغيبوبة لساعة أو أكثر، وتفيق مرة أخرى لتهمس وهى مغمضة العينين: فين أكرم.. فين أحمد فؤاد.. وحشونى!
ولم يتحمل الزوج رؤية رفيقة رحلة الزواج التي دامت أكثر من ٣٧ سنة وهى تتألم هكذا، فأسرع بنقلها إلى مستشفى دار الفؤاد، وظلت تعانى في غرفة العناية المركزة تداعيات النزيف في المخ، وبعد عشرة أيام انتهى عذاب المرض، وانتهت رحلة ناريمان، وغادرت الحياة إلى بارئ الكون!
.. وماتت آخر ملكات مصر!
■ ■ ■
كانت مثل أي امرأة عادية تهتم بمظهرها.. وعندما نقلوها إلى المستشفى كانت ترتدى واحدًا من فساتينها الأنيقة. ولم تكتب ناريمان أي وصية! فماذا كانت تملك.. غير الذكريات؟! وبعد أسبوع من رحيلها اتصلت بزوجها الدكتور إسماعيل فهمى وسألته إن كان قد عثر على أي أوراق خاصة أو مذكرات في حجرة نوم ناريمان.
لم يرد الرجل.. ومضت لحظات صمت حتى ظننت أن خط التليفون انقطع.
لكن بدأت أسمع على الناحية الأخرى صوت نشيج.. صوت دموع رجل!.. وأخيرًا قال بصوت بللته دموعه: «مش قادر.. أدخل أوضتها»!