تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
قابلت «ناريمان» آخر ملكات مصر مرة واحدة.. كان ذلك قبل سنوات عندما علمت من زوجها الدكتور إسماعيل فهمى أنها سقطت على الأرض فى بيتهما، عندما تعثرت قدمها فى السجادة، وأصيبت بكسر فى القدم، ونقلت إلى مستشفى خاص فى حى مصر الجديدة.
كانت صداقة قد ربطت بينى وبين الدكتور إسماعيل فهمى زوج ناريمان، وكنت كثيرًا ما ألح عليه لمقابلتها والحديث معها عن ذكرياتها! لأنى كنت أشعر دائمًا بأن هذه المرأة التى لم تجلس على عرش مصر سوى سنة واحدة وبضعة شهور، عاشت مأساة حقيقية منذ اليوم الأول الذى قرر فيه الملك فاروق اختيارها من طرف واحد لتكون زوجته الثانية، بعد طلاقه الملكة فريدة أم بناته الثلاث.
■ ■ ■
إن ناريمان كانت مجرد صبية جميلة من عامة الشعب ولا تنتمى للعائلة المالكة، وإن كانت سليلة أسرة عريقة، فوالدها كان حسين فهمى صادق سكرتير عام وزارة المواصلات، ووالدتها أصيلة هانم التى لعبت دورًا كبيرًا فى حياتها.
كانت ناريمان وحيدة والديها وعاشت طفولة ومراهقة سعيدة فى بيت العائلة، عندما تقدم لخطبتها محام شاب نابه، ورغم موافقة ناريمان ووالدها اعترضت أمها أصيلة هانم، إلا أن مشروع الخطوبة مضى بسرعة وبمفاجأة كانت أشبه بقنبلة، عندما قرر الملك فاروق.. أن يخطبها لنفسه!
كان حلم فاروق الكبير أن يتزوج من فى إمكانها أن تأتى له بولى عهده، والذى سيرث حكم مصر من بعده، وبعد طلاقه الملكة فريدة بدأ يبحث بين بنات العائلات الأرستقراطية المصرية عن العروس المنشودة.
ويلعب القدر والمصادفة دورهما عندما تذهب ناريمان مع والدها وخطيبها الشاب إلى محل جواهرجى شهير فى وسط القاهرة لاختيار وشراء خاتم الخطبة، والذى كان صديقا للملك ويعلم أنه يبحث عن عروس بمواصفات خاصة، يسرع بإبلاغ الملك فاروق بأنه عثر له على ضالته.
ويدبر الجواهرجى موعدًا ثانيا فى اليوم التالى لناريمان بزعم مشاهدة مجموعة جديدة من خواتم الخطبة بشرط أن تحضر مع والدها فقط ومن دون خطيبها الشاب!
وفى اليوم التالى تفاجأ ناريمان ووالدها بالملك يقتحم المحل، ووسط دهشة وذهول الجميع لا يخفى فاروق إعجابه الشديد بجمال ناريمان، ويقترح أن تترك خاتم الخطبة الذى كانت تجربه فى تلك اللحظة، ويطلب من الجواهرجى أن يقدم لها خاتما أفضل بكثير!
■ ■ ■
وتتسارع الأحداث ويطلب فاروق يد الفتاة ناريمان صادق، ويتوفى والدها بعد شهور عانى فيها بسبب اعتراضه وخوفه على ابنته من زواجها بملك مصر، والذى لم تكن شهرته النسائية فى ذلك الوقت طيبة!
وتتم خطوبة فاروق وناريمان رسميًا بعد أن يرسلها فاروق مع والدتها وعمها فى رحلة إلى أوروبا، لتتعلم إتيكيت الملكات وأصول الحياة فى القصور الملكية، ثم يتم الزواج رسميًا عقب هذه الرحلة بفترة بسيطة.
ما هى إلا شهور حتى تحمل ناريمان بولى عهد فاروق المنتظر، لكنها قد ذاقت عذاب سنوات على أيدى زوجها الملك فاروق، وعرفت فيه وجهًا للقسوة والغلظة فى المعاملة لم تكن تعرفه أو حتى تتخيله!
ولم تنته مأساة وعذاب ناريمان حتى بعد أن أنجبت الأمير أحمد فؤاد، بينما كان الملك يحتفل بسعادة بالمولود أحمد فؤاد، وقع حريق القاهرة، والذى كان جرس الخطر الأخير قبل قيام ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢.
وكان مصير ناريمان التى لم تعرف السعادة، الرحيل مع مولودها والملك فاروق إلى منفاه فى إيطاليا، وهناك بدأت تعيش عهدًا آخر من العذاب، بسبب طيش وتصرفات الملك فاروق، ومغامراته وسهراته فى الملاهى الليلية الإيطالية.
كان هذا العذاب قد انتهى بعد عدة شهور بالطلاق بين فاروق وناريمان عام ١٩٥٣، هذا الطلاق الذى حرمها تمامًا من رؤية طفلها الصغير أحمد فؤاد، وبعد عودتها إلى مصر وفى يوم ٣ مايو ١٩٥٤ تزوجت من أدهم النقيب وأنجبت منه طفلهما أكرم، وهو محام مرموق يعمل ويعيش فى مدينة الإسكندرية.
■ ■ ■
ولم يستمر زواج ناريمان وأدهم النقيب طويلًا وانفصلا عام ١٩٦٤، وفى تلك المرحلة من حياتها قررت ناريمان أن تبتعد تمامًا عن الأضواء، وعدسات مصورى الصحف التى كانت تلاحقها فى كل مكان.
وعاشت ناريمان ثلاث سنوات فى عزلة وانطواء، ولذلك لم يسمع الدكتور إسماعيل فهمى الذى عاشت معه فى صمت حياة زوجية هادئة عادية، انتقل الاثنان من فيلا عائلة ناريمان الشهيرة فى مصر الجديدة إلى شقة بسيطة فى إحدى العمارات القريبة.
■ ■ ■
ورغم أن ناريمان لم تحتفظ من أيام الملكة إلا بوصيفتها المخلصة «عواطف» والتى ظلت إلى جوارها حتى النهاية، إلا أن الإنسان الوحيد الذى وجدت فيه السند والعون والسعادة فى حياتها الجديدة كان زوجها الأخير الدكتور إسماعيل فهمى الذى أصبح بالنسبة لها كل عائلتها وفى المقال القادم نكمل الحديث عن هذه الحياة الجديدة.