الخميس 05 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

نعم الإسلام السياسي وحده من خان الوطن ...!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان التساؤل عن مصير جماعة الإخوان، بوصفها التنظيم الأبرز في تيار الإسلام السياسي، الأكثر شيوعا خلال الشهرين الماضيين، وكان من الطبيعي أن يطرح بعد ثورة الثلاثين من يونيو التي خرج فيها ملايين المصريين معلنيين رفضهم لحكم الجماعة ورافعين شعار “,”يسقط حكم المرشد“,”.
التصدي لإجابة هذا التساؤل تتعدد مداخله، فمنها ما هو قانوني يتعلق بارتكاب الجماعة جرائم إرهابية تجعل مسألة حل جمعيتها وحزبها “,”ذراعها السياسي“,” قيد حكم قضائي، ومنها أيضا ما هو سياسي يرتبط بممارسات الجماعة ككل، منذ أمسكت رسميا بزمام الأمور في الثلاثين من يونيو عام 2012م ساعة أعلن مرسي العياط رئيسا للبلاد، وحتى آخر حادث إرهابي ارتكبه أحد عناصرها هنا أو هناك.
لكن ومع ذلك، هناك من يحاول تجاوز السؤال، وربما تجاهله بالمرة، عن طريق طرح مبادرات ما يسمى بالمصالحة الوطنية، وللأسف تتورط حكومة الببلاوي في هذا الأمر، وبشكل مباشر، من خلال انشغال نائبها للشؤون الاقتصادية، زياد بهاء الدين، بمحاولة فتح قنوات حوار مع من يصفهم بالمعتدلين من قادة الجماعة، مهملا وظيفته الرئيسية هو ورئيس الحكومة، ألا وهي البحث عن حلول عاجلة لمشكلات الاقتصاد المصري.
لا أتصور أن مثل هذه المحاولات ستنجح في فرض واقع تكون جماعة الإخوان جزءا منه، مهما بلغ حجم الدعم الأمريكي لها، بل إن أصحابها أمثال زياد بهاء الدين، ممن يسعون للتصالح مع المولوتوف والجرينوف وقتلة ضباطنا وجنودنا في الجيش والشرطة، ذاهبون حتما إلى الدرك الأسفل من جهنم غضب المصريين، ولا أريد القول إلى أحط “,”مزابل التاريخ“,” جنبا إلى جنب مع أعضاء التنظيم الإرهابي ومن والاهم .
أعتقد أن التساؤل ينبغي أن يدور حول مصير ما يسمى بتيار الإسلام السياسي برمته، لاسيما أن غالبية - إن لم تكن كل - الحركات والجماعات الإسلامية قد خرجت من عباءة الإخوان، كما أنه لا يمكن من الناحية النظرية الفصل بين الأفكار الأساسية لدى تلك الجماعات، أو بالأحرى الفكرة الجوهرية التي قامت على أساسها ومن أجلها، وهي إحياء دولة الخلافة وما يدور في فلكها من استدعاء للتراث الفقهي القديم، ففي ذلك الفلك تدور كل التنظيمات والحركات مهما بدت معتدلة أو عنيفة، أو كما يحلو للبعض تسميتها راديكالية.
بمعنى آخر، يستوي في ذلك الإخوان مع تنظيم القاعدة والتيار السلفي في مجمله، وقد شهدنا خلال الشهرين الماضيين على الأقل تحالفا وثيقا بين كل تلك الحركات، بل إن جماعة الإخوان، والتي كانت توصف قبل عام، وربما أشهر قليلة بأنها أكثر الحركات الإسلامية اعتدالا، ظهر أن أقوى حلفائها هم من أرباب الإرهاب وعتاته.
وبغض النظر عن محاولات حزب النور كأحد أطياف التيار السلفي إيجاد تمايز بينه وبين جماعة الإخوان الإرهابية وأحلافها، لكن يبقى أن جوهر فكرته هي أممية الدولة الإسلامية، وأن الدولة الوطنية لا وجود لها إلا في إطار إمبراطورية الخلافة، لذلك تجدهم ينظرون إلى مصر ليس كوطن، وإنما بوصفها بلد من بلاد الإسلام.
ثم إنهم أيضا أعلنوا وبوضوح، مشاركتهم في لجنة الخمسين للدفاع عن ما أسموه الهوية الإسلامية، وتستطيع اكتشاف طبيعة هذه الهوية إذا اقتربت من نمط حياة أفراد هذا التيار.
إنهم في الغالب يحاولون استدعاء أنماط صحراوية قديمة في أفكارها وعاداتها وتقاليدها، حتى أن أهلها الأصليين من أبناء البادية قد هجروا معظمها.
هذا التوجه تحديدا هو ما ثار عليه المصريون في ثورة الثلاثين من يونيو، فإلى جانب أنهم قد أدركوا زيف الشعارات السياسية التي تلصق نفسها بالقيم الدينية، بل وأحيانا بالقرآن والسنة بشكل مباشر، فإنهم أيضا خرجوا مدافعين عن هويتهم المصرية التي أحسوا بالأخطار تحدق بها.
المصريون وجدوا في الأعلام السوداء والجلابيب القصيرة واللحى الطويلة وإخفاء النساء تحت ما يسمى بالنقاب، ورفض تحية العلم الوطني، أشياء ورموز غريبة على نمط حياتهم، كما وجدوا في حملة ودعاة تلك الرموز رغبة في فرض ما تعبر عنه من نمط حياة مختلفة غير النمط الذي ورثوه وطوروه عبر آلاف السنين.
الإسلام السياسي بدا إذن مهددا للوحدة والهوية الوطنيتين، لكن لم تكن تلك هي الحقيقة الوحيدة التي ارتبطت به في وعي المصريين، فقد ارتبط أيضا بالتحالف مع الأجنبي ضد المصلحة الوطنية، وهي السبة التي لم تلحق بأي من التيارات السياسية الأخرى“,” الليبرالية – القومية- الشيوعية“,”.
الأمر بالنسبة لعامة الناس لم يكن بحاجة لوثائق وأدلة ومعلومات سرية تحصل عليها عناصر الاستخبارات، كان يكفيهم ما كان يكتبه عصام، وابنه جهاد الحداد، من دعاوى صريحة لتدخل حلف الناتو عسكريا لضرب الجيش المصري، هذه الدعوات كررها غالبية قادة الجماعة في مصر علنا، وجاء مفتيها الروحي، يوسف القرضاوي، ليؤكد هذا الارتباط بين أبرز حركات الإسلام السياسي في التاريخ، والقوى الاستعمارية، لقد دعا حلف الناتو لضرب ليبيا كما دعاه لضرب مصر وسوريا، ولم ير الشيخ الإخواني مايسوؤه أو يسوء جماعته في استعداء الأجنبي على وطنه، لكنه في واقع الأمر ساعد على أن تستدعي الذاكرة الجمعية للمصريين كيف أن الاحتلال الانجليزي قام بانشاء وتأسيس جماعة الإخوان، ومساعدة مرشدها الأول، حسن البنا، في إنجاز تلك المهمة لضرب مفاهيم الانتماء الوطني في الصميم، فالرجل يدعو إلى أستاذية العالم، وإلى أن الانتماء الوطني لا تحده الحدود الجغرافية للدولة المصرية.
هذا الارتباط بالمستعمر الأجنبي وضح أيضا في وعي المصريين، باستدعائهم نشأة تنظيم القاعدة على يد المخابرات الأمريكية في أفغانستان، وتأسيس حركة حماس الإخوانية بدعم ومساعدة الموساد الإسرائيلي، والمفارقة أن حركات الإسلام السياسي التي دأبت على وصف الغرب بالصليبي والعدو التاريخي هي من هرولت لتستدعيه للاعتداء على العرب والمسلمين في أوطانهم.
ولا ينبغي أن ننسى - وفي نفس السياق - أن حزب النور السلفي، وإن لم يستعد الولايات المتحدة علينا أو يطلب تدخلها العسكري لإنقاذ مرسي، ولكنه سارع إلى تقديم نفسه للإدارة الأمريكية كبديل لجماعة الإخوان، وقام الدكتور سعد الدين إبراهيم بدور الوساطة كعادته، حتى جلس قادة السلفيين مع رجال الإدارة الأمريكية .
من الضروري أن نبحث في مصير الإسلام السياسي برمته لنعرف حجمه الحقيقي في الشارع المصري الآن من ناحية، ثم حقيقة أهدافه ومدى براجماتيته التي قد تصل إلى حد التخابر والتآمر تحت غطاء التقية لحين إحياء الخلافة الإسلامية من ناحية أخرى، وحتى لا نسمح لهم بممارسة ابتزازهم الرخيص مجددا في تأسيسية الدستور الجديدة، التي ما كان ينبغي أن يكون لهم فيها مكان، فقد ثبتت خيانة وعمالة هذا التيار، بل وتجرده من كل القيم الوطنية.
لقد أدرك المصريون أن ما يسمى بتيار الإسلام السياسي عنوان لأكبر خدعة تعرضوا لها منذ خمسة وثمانين عاما، وأنه لا مجال للخلط بين الإسلام كدين محله العقيدة الثابتة، ومجاله الإيمان واليقين، بالسياسة التي لا ثابت فيها، فهي لا تعترف إلا بالمتغير، وما نحتاجه اليوم هو تغيير، لا مجرد تجديد للخطاب الديني، تغيير له برمته، وتنقية من شوائب السياسة ودعاوى الزور والبهتان بشأن عودة دولة الخلافة، ولا ينبغي أن يترك أمر كهذا لغير الدولة، ممثلة في الأزهر، وكما قلت سابقا، على الدولة أن تحتكر الدين، وبمعنى آخر، أن تبسط هيمنتها على جميع المساجد والزوايا، وألا تتركها مجددا لدعاة مزيفين في التيار السلفي أو غيره.