مما لا شك فيه أنه كما أن الأعمال بخواتيمها، فإن الأفكار بآثارها ونتائجها، فإذا كان الفكر يثمر تدينًا حقيقيًا وعملًا وبناءً وإعمارًا للأرض وسلوكًا خُلقيًا واجتماعيًا منضبطًا، ونفسيات سوية، فلا شك أنه فكرٌ جيد، موافق للحق متسق مع الفطرة السليمة.
وإذا كان الفكر ينتج تدينًا مغشوشًا يهتم بالظاهر دون الباطن وبالشكل لا بالمضمون، وبالعَرَض لا بالجوهر، وينتج الخراب والدمار والقتل وسفك الدم الحرام، ويخرِّجَ أُناسًا مُشَوَّهِين نفسيًا ومنحرفين خُلقيًا واجتماعيًا فلا شك أنه فكر سيئ مجافٍ للحق، شاذٌ عن الفطرة السوية.
ومما لا شك فيه أيضًا أن الفكر الذي ينتمى إليه حزب النور السلفى هو من النوع الثانى لا النوع الأول... والواقع خير شاهد.
ومنها حادثة اكتشاف أن عضوًا منتميًا للحزب السلفى (والذي يعمل على الحصول على أكثرية البرلمان القادم) هو أحد المتهمين الذين يحاكمون بارتكاب أعمال إرهابية عديدة لصالح تنظيم أنصار بيت المقدس.
هذه الحادثة في الحقيقة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ذلك أن الطريق واحد، وأن المراحل متعددة، وأن الفكر واحد بمراتب مختلفة.
وقد يقول قائل: إن الحزب سارع - كالعادة - وتبرأ من هذا الشخص وزعم أنه مفصول منذ عامين.
ونقول: إن القضية ليست في الانتساب للحزب بالعضوية بقدر ما هي في الانتساب للفكر، فالشخص الذي انتسب لحزب النور السلفى ثم تركه إن كان بالفعل تركه - ثم انتسب لتنظيم أنصار بيت المقدس لم ير تناقضًا بين الطرفين، ولم يجد شيئًا مما تعلمه أو درسه أثناء انتسابه للحزب وللدعوة السلفية يحرم عليه الانتماء لأنصار بيت المقدس أو لغيرهم، ولم يسمع يومًا من أحد من قادة الحزب أو الدعوة تجريمًا للانتماء لهذه التنظيمات، بل في الحقيقة إن الموجود في الكتب وما يقال في الندوات والمحاضرات هو الثناء على هؤلاء ومدحهم!
إن الذي ترك الحزب السلفى وانتمى لتنظيم بيت المقدس هو في الحقيقة رأى أنه يترقى في مدارج المجاهدين وأنه انتقل من مرحلة أدنى إلى مرحلة أعلى منها وأفضل!
لن أحدثك أيها القارئ المكرم، ولكى تكون على بينة من أمرك، عن أعداد المصريين المنتمين لحزب النور السلفى والدعوة السلفية بالإسكندرية، والذين أرسلهم الحزب والدعوة للقتال في صفوف داعش والنصرة في سوريا وغيرها، وهم أعداد كثيرة بلا شك.
ولن أحدثك أيضًا عن الثناء والمديح المتبادل بين قادة الإرهاب المعاصر كــ«أسامة بن لادن» و«أيمن الظواهرى» وقادة الدعوة السلفية بالإسكندرية والحزب السلفى.
لن أحدثك عن مدائح «الظواهرى» لــ«محمد المقدم» و«أحمد فريد» وغيرها، وأنه في انتظارهم في ساحة القتال!
لن أحدثك أيها القارئ المكرم عما سطره قادة الدعوة السلفية من كتب ورسائل فيها الثناء البديع على أصل الإرهاب في العصر الحديث «حسن البنا» و«سيد قطب» فإن لذلك موضع آخر، ولكننى سأضرب مثالًا عمليًا واضحًا لا يحتمل اللبس، ليدل على أن الفكر الذي تنتهجه الدعوة السلفية بالإسكندرية ومن ورائها ولدها الصغير: حزب النور السلفى، ليس إلا فكرًا شاذًا منحرفًا، وأنه محض فكر خارجى ينتج الإرهاب والتطرف والعنف والقتل.
إنه «عبد اللطيف موسى» أو «أبو النور المقدسى» كما كان يحب أن يناديه أتباعه.
وهو شخص فلسطينى جاء ليدرس الطب في جامعة الإسكندرية، فالتقطته الدعوة السلفية ليكون لهم تبعًا وخلفًا في قطاع غزة.
واظب «موسى» على حضور ندوات ومحاضرات مشايخ الدعوة السلفية طوال فترة إقامته بالإسكندرية، وتتلمذ على أيدى كبار شيوخها كــ «د. سعيد عبدالعظيم» و«د. محمد إسماعيل المقدم» و«د. أحمد فريد» وغيرهم، ثم لما أتم دراسته وحان أوان عودته إلى بلدته في قطاع غزة، زكاه المشايخ، ودفعوه للعمل في جمعية تابعة للتنظيم الدولى للسلفيين في القطاع تدعى: جمعية دار الكتاب والسنة، فأصبح عضوًا كبيرًا في الجمعية وناشطًا مهمًا في أعمالها وظل يُدَرِّس في معهد شرعى تابع لها خمس سنوات كاملا.
كما عمل - بتزكية من مشايخ الإسكندرية - خطيبًا في مسجد أهل السنة! في خان يونس لمدة خمسة عشر عامًا، ثم خطيبًا لمسجد النور! على الحدود المصرية الفلسطينية لمدة عام ونصف العام.
ليستقل بعد ذلك بنفسه ويبنى لنفسه مسجدًا خاصًا سماه «مسجد ابن تيمية» في حى البرازيل جنوب مدينة رفح الفلسطينية، ويخطب فيه وحده، ومن ثَمَّ يعلن في خطبة الجمعة الموافق ١٤ أغسطس سنة ٢٠٠٩. عن قيام ما سماه: «الإمارة الإسلامية في أكناف بيت المقدس» في وسط حشد من أتباعه مدججين بالسلاح في صحن المسجد!
فهذا الشخص مثال حى على ما نبغى الإشارة إليه والتنبيه عليه أما المال الحرام فله حديثٌ آخر في الأسبوع القادم إن شاء الله.