تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يبدو أن لجنة الخبراء العشرة من فقهاء الدستور لم تعِ جيداً أن ماحدث في 30 يونيه كان ثورة للدفاع عن الهوية المصرية، ومن أجل تحرير الوطن من نظام حكمٍ، بدا كعدو محتل، أراد فرض قيم غير التي رسّختها حضارة سبعة آلاف عام.
التعديلات التي جاءت بها تلك اللجنة، أظهرت أن أعضاءها وضعوا أنفسهم تحت ضغط وابتزاز تيار الإسلام السياسي، متجسدا في تهديدات جنرالات حزب النور السلفي، الذين حذروا من النزول إلى الشارع، حال المساس بما أسموه مواد الهوية.
وفي نفس الوقت لم تعكس تلك المسوَدة إدراك اللجنة بأن الشارع هو من خرج ثائراً على كل عناوين الإسلام السياسي.. وأن حضارة السبعة آلاف عام انتصرت لصالح معركة التنوير، في وعي المصريين الذين أدركوا زيف وزور دعاوى خلط الدين بالسياسة، وكذب شعار الإسلام “,”دين ودولة“,”.
لقد ثار المصريون حفاظاً على الدولة المدنية الحديثة، ومع ذلك لم يجرؤ قلمُ لجنة الخبراء على أن يسطِّر في مسوّدة الدستور عبارة “,”مصرُ دولةٌ مدنيةٌ.. نظامُها ديموقراطي“,”.
وكأنه خشي غضب السلفيين إذا ذكر مصطلح “,”الدولة المدنية “,” ونسي أعضاء اللجنة، أو تناسوا أن حزب النور هو من قرر مقاطعة خارطة طريق المستقبل، قبل بضعة أيام، والأهم من ذلك أنه ومن يمثلهم جميعاً لم يشاركوا في ثورة الثلاثين من يونيه 2013، علاوةً على انتفاضة يناير 2011.
ويتضح إلى أي مدى تم رضوخ أعضاء اللجنة لإرهاب السلفيين في المادة 11، والتي تتحدث عن حقوق المرأة، حيث تم الاحتفاظ بنصها تقريبا في دستور الإخوان، وذلك بحديثها عن منح المرأة حقوقها، لكن بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، وهو النص الذي يفتح علينا أبواب جهنم للتفسيرات، والتأويلات المحملة بميراث التخلف والرجعية الذي يتمسك به أنصار التيار السلفي، بل وجميع من تقدموا إلى ساحة العمل السياسي من قادة وأبناء التيار الديني.
ليس ذلك فقط، فالمسوّدة لم تعترف بحق العبادة، إلا لاتباع الديانات السماوية، ولم تؤكد في نفس الوقت على حرية الاعتقاد، وهي تعلم علم اليقين أن اتباع المذهب الشيعي مكفرون عند الاصوليين من جماعات التطرف السني، وهم ممثلون في كل حركات الإسلام السياسي، علاوة على ذلك مواطنون بهائيون، وعدم الاعتراف بحقهم وحق غيرهم بحرية الاعتقاد، يؤكد أن شبح الدولة الدينية لايزال يطل برأسه علينا، مُخرجاً لسانه لثلاثين مليوناً، خرجوا يدافعون عن حقهم في دولة مدنية حديثة.
هلع فقهاؤنا العشرة من الإرهاب، جعلهم يقعون في نفس أخطاء دستور الغرياني وتأسيسيته الباطلة، حيث احتفظ في المادة 51 بالنص الذي يسمح بغلق الصحف ووسائل الإعلام موجب حكم قضائي، وهو النص الذي ثارت عليه الجماعة الصحفية، لأنه لم يكن موجودا حتى في دستور 1971م ، ويبدو أن الإبقاء على هذا النص متعمد، لاسيما أن اللجنة عدلت في المادة الخاصة بعمل وإنشاء النقابات المهنية بالغائها النص القائل بحل النقابات المهنية بموجب حكم قضائي، وعدّلته إلى القول بأنه لايجوز حل مجالس إدارات النقابات المهنية إلا بحكم قضائي.
الفارق إذا كان واضحاً في ذهن أعضاء اللجنة، فلماذا أبقوا على إمكانية غلق الصحف بموجب أحكام قضائية، وعدم الاكتفاء بمعاقبة الصحفيين أو المالك إذا أخطأ أحدهم دون غلق المؤسسة.
ظني أن حزب النور السلفي لم يقررالمشاركة في لجنة الخمسين، إلا بعد إدراكه أن هناك مساحةً ما، سيستطيعُ من خلالها ممارسة الإرهاب والابتزاز باسم الدين على أعضاء اللجنة والمجتمع بأسره، رغم أنه كحزبٍ، لاتتوافر فيه الشروط الكافية، ليكون كياناً سياسياً معترفاً به، حتى في ظل الدستور المُعطّل وذلك ببساطة لأن في لائحته تمييز بين المواطنين من أعضائه على أساس الدين والجنس، فهي لا تسمح للنساء والمسيحيين الارتقاء إلى الهياكل العليا، ليس ذلك فحسب.. كيف يشارك حزبٌ في صناعة دستورنا، بينما هو يرفض الوقوف لتحية العلم بل ويعتبر ذلك كفرا وبدعة.
أخشى ما أخشاه أن ينشغل معظم أعضاء لجنة الخمسين بالدفاع عن قضايا الفئات التي يمثلونها، وذلك واجبهم، لكن من واجبهم أيضا أن يكونوا على وعي ودراية بمقومات الدستور الذي يبني دولة مدنية ديموقراطية بحق، تُعلي من قيم المواطنة، دون أن تفتح أبوابا خلفية لمن يسعون لهدمها.
لذلك على المؤسسات والكيانات التي تتولى ترشيح من يمثلونها في لجنة الخمسين أن تعي جيدا أن بوسع هذه اللجنة أن تنتج دستورًا جديدًا خاليًا من عوار الدستور المعطل متجاوبا مع ما خرج المصريون من أجله رافضا لإرهاب الإسلاميين وابتزازهم .
ودرءا للشبهات، أتصور أنه ينبغي استبعاد أي ممثلين عن الأحزاب الدينية، لاسيما وأن المصريين باتوا رافضين لأي كيانات سياسية، أو حتى مؤسسات وجمعيات أهلية قائمة على أساس ديني، كما أنه كيف يمكن الاعتداد بدستور شاركت في صياغته أحزاب، كانت شريكاً أصيلاً في كل الجرائم السياسية والدستورية والقانونية والاجتماعية التي اقترفها تنظيم الإخوان ضد الشعب المصري؟ ولنتذكر جميعًا أن حزب النور لم ينقلب على تنظيم الإخوان إلا عندما رأى منهم إقصاء وغدرا، لكنهما في الحقيقة كانا على اتفاق كامل في معظم الإجراءات السياسية التي اعلن عنها مرسي، علاوة على اتفاقهما بشأن في كل ما جاء في دستور 2012 المعيب.
إذا كان تنظيم الإخوان الإرهابي قد مارس القتل والتعذيب والخيانة والجاسوسية باسم الدين، فإن حزب النور السلفي يشاركه في أحلام الخلافة، وأولية الانتماء الى الدين واتباعه على الانتماء إلى الوطن، ودليل ذلك واضحٌ في عدم احترام تحية العلم والنشيد الوطني.
السلفيون هم ايضا يرفعون علم القاعدة ولعلنا نتذكر جمعتي قندهار الاولى والثانية.
فلتعتبروا اذا يا أولي الالباب ولا ترضخوا ولا تخضعوا ولا تفزعوا وثوروا على دستور الاخوان ولا تمضوا في الطريق الذي سرت عليه لجنة الخبراء العشرة فتخرجوا بدستور من صناعة الارهاب وتسقطوا بالوطن في وحل السلفيين.