السبت 05 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

الدنيا ربيع.. والغُنا مش بديع

لماذا توقف الغناء له؟

 صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الموسيقى ربيع في تأثيرها المبهج، والربيع المناخ المناسب لصنع الموسيقى، والذي جاء تعريفه في قاموس سعاد حسنى وصلاح جاهين: «الورد مفتح شوفوا شوفوا.. بيرقص ويدارى كسوفه.. واللى يحب النبى ياخوانا..عالواحدة يسقف بكفوفه»، وعرفته كوكب الشرق ام كلثوم: «غنى الربيع بلسان الطير رد النسيم بين الأغصان.. والفجر قال يا صباح الخير يا صحبة الورد النعسان.. فرح بروحه الكون نادي وغنى.. وكل لحن بلون معنى وغنى»، إلى أن قال عنه فريد الاطرش: «كان النسيم غنوة والنيل يغنيها.. وميته الحلوة تفضل تعيد فيها.. وموجه الهادى كان عوده ولون البدر أوتاره.. يناغى الورد وخدوده يناجى الليل وأسراره.. وأنغامه بتسكرنا أنا وهو».. توقف الغناء من الربيع وإليه منذ أغنية «الدنيا ربيع»، من فيلم «أميرة حبى أنا»، التي جاءت صدفة من صناعها، لتصبح النشيد الرسمى للربيع، متفوقة حتى على كلاسيكية فريد وسبق أم كلثوم في الغناء لهذا الفصل، قبل أن يختفى الغناء له تماما وتختفى حفلاته وموسيقاه.. ولم تختف آثار هؤلاء.
صنعا البهجة.. وماتا مكتئبين
جاهين و«السندريللا».. قفّلوا على كل المواضيع
رغم أنهما تغنيا للربيع، إلا أنهما لم يهنآ كثيرا بالجو البديع وتقفيل كل المواضيع.. سعاد حسنى «سندريلا الشاشة العربية»، التي لا يزال الوطن العربى يشهد على ربيعها ومرحها وروحها الأبدية، لم تكن تنعم بهذا القدر من المرح في حياتها الخاصة، فكما يصفها العديد من أصدقائها كانت تنطفئ مع انطفاء نور الكاميرات بالاستديو، إلا أنها نجحت أن تسعد جمهورها جيلا بعد جيل، دون أن تتمكن من إسعاد نفسها.
«الشجر الناشف بقى ورور والطير بقى لعبى ومتهور»، مقطع من أغنية «الدنيا الربيع» كلمات الشاعر الراحل صلاح جاهين، وألحانها للمتجدد دائما كمال الطويل، ظهرت عام ١٩٧٤ وعاشت معنا حتى الألفية الثالثة لتذوب أمامها جميع أغانى الربيع التي تغنت آنذاك، حتى بعد أن تمكن الاكتئاب من صاحبها في ذلك الوقت.
وفى عام ١٩٧٥، تم فصل أغنية «الدنيا ربيع»، عن أحداث فيلم «أميرة حبى أنا»، لتكون أول فيديو كليب للربيع يذاع كل عام، والنشيد الرسمى له، لعدة أسباب أولها طريقة الإخراج والعرض المبهج للأغنية، والذي يعود الفضل فيه للمخرج الكبير حسن الإمام، المشهود له بالذكاء، ولم يكن مقدرا لتلك الأغنية أن تكون ضمن سياق الفيلم، بل إنها صنعت بشكل مفاجئ، فالراحلة سعاد حسنى التقت صدفة في إحدى إشارات المرور بالملحن الطويل، وطلبت منه بمداعبتها المعهودة أن يقدم لحنا لكلمات أغنية كتبها صلاح جاهين ضمن أحداث فيلمها الجديد، وكان الطويل توقف لفترة عن التلحين في تلك الفترة، ولم يبد عليه التردد فوافق على الفور، والتقى بالفعل كلا من كمال الطويل وحسن الإمام وصلاح جاهين، ولم يستغرق منه تلحين الأغنية سوى ٤٨ ساعة أمام أمواج بحر الإسكندرية، كما لم يستغرق تصويرها سوى ٢٤ ساعة أيضا بمنطقة القناطر الخيرية.
وحقيقة الأمر أن الربيع لم يرتبط فقط بتلك الأغنية، بل صارت السندريلا نفسها عنوانا لأعياد الربيع، وصارت روحها المرحة من روح الربيع، إلا أنها خبأت بداخلها الكثير، فلم تكتمل حياة السندريلا بالجو البديع، بل تحولت مع ظهور بوادر مرض هشاشة العظام عليها إلى حالة من الاكتئاب، خاصة بعدما بدأت في اكتساب وزن زائد أفقدها رشاقتها وطلتها المعتادة، فبدأت تذبل كأوراق الخريف، وتخلى عنها الجميع حتى إنها لم تعالج على نفقة الدولة في وقت لم تكن تمتلك فيه قوت يومها أو ثمن علاجها، رغم علم أجهزة الدولة بذلك، فمن أبهجت الملايين وتمنت لهم المرح والسعادة، ماتت مكتئبة ومنتحرة بعيدا عن تلك الأجواء المبهجة.
ومن أهم الأسباب التي جعلت الاغنية خالدة- بجانب أداء سعاد وألوان الإمام- كلمات صلاح جاهين، الذي أبدع في أشعاره في توصيف الحالة التي يكتب عنها دائما سواء كانت فرحا أو حزنا أو ملحمة وطنية، كما أن ألحان الطويل شكلت فرقا كبيرا، فالمصريون الذين تعودوا على الأغنيات الرتيبة للربيع، مثل أغنية أم كلثوم وغيرها من الفنانين الكبار، والتي حملت ألفاظا ومصطلحات غليظة، تؤهلها لكى تكون أغنية تطريبية في المقام الأول، وليس ربيعية تدعو للرقص والبهجة كما «الدنيا ربيع»، التي حققت بعفويتها وبساطتها ثورة في الأغنية «الموسمية» أو المرتبطة بأوقات ولحظات عابرة.
وكانت بدايات الاكتئاب قد ظهرت على «أبوصلاح»، كما يلقبه أصدقاؤه المقربون بعد النكسة مباشرة فكان أكثر الناس تأثرا بأخبار الحرب، وعلى يقين من فوز الجيش المصرى على جيش العدو الإسرائيلى ولكن تبين العكس، ما أصابه بصدمة كبيرة، والتي تحولت إلى وحى الإلهام لرباعياته التي كانت تحمل ما بداخله من حزن وتحمل الإسقاطات السياسية، واشتدت حالة الاكتئاب أكثر بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر وبدأ في التردد على إحدى المصحات النفسية الروسية الشهيرة إلا أن المرض اشتد عليه بشكل كبير عام ١٩٨٩ ليلقى حتفه بعد ذلك.

ليالى التليفزيون تعود.. ومنير يختفي
حفلات الربيع.. ولا من شاف ولا من دري
تقول الأسطورة إن حفلات الربيع غابت واختفت بغياب عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش، وذلك الجيل، ولم تعد هناك حفلات ربيع ولا خريف، ولم يعد هناك مطربون قادرون على إحياء بريق ومجد حفلات الربيع مرة أخرى، ولكن هل فعلا اختفت حفلات الربيع؟ لم تختف بالمعنى الحرفى، ولا نذكر مرة مر عام بدون إقامة حفلات لشم النسيم أو الربيع، ولكن مرت سوق الحفلات بشكل عام في مصر بالعديد من التطورات والتغيرات، ربما سلبية، أدت إلى جعل البعض يشعر باختفاء حفلات الربيع بشكل تام. لماذا حفلات الربيع بالأخص هي دائما موضع اهتمام وتساؤل؟ فطوال العام الجمهور مستعد لسماع الأغانى والاستمتاع بالحفلات، ولكن للربيع مذاقا خاصا، وعادة اجتماعية للمصريين تجعلهم متحمسين أكثر للجلوس أو السفر لساعات من أجل لحظات البهجة والرقص على أنغام مطربيهم المفضلين، واكتسبت العادة بريقا واهتماما أكثر برعاية الدولة لهذه الحفلات، منذ عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش وأم كلثوم، وكان الحفل الربيعى بجانب حفلات عيد الثورة، بمثابة عيد الغناء، يتصارع المطربون على الظهور بها، لكثافتها الجماهيرية والفرصة التي تمنحها لأى أغنية جديدة أو أي صوت شاب جديد، بجانب الامتيازات الأخرى مثل الحصول على تسجيل مميز من الإذاعة للحفل، والذي كان أمرا صعبا بالمقارنة بالوقت الحالى.
تحكى كواليس حفلات الربيع عدة صراعات بين المطربين عليها، والتي وصلت إلى تدخل الدولة ذاتها لحل هذه الصراعات، والذي قد رآه البعض في ذلك الوقت نوعا من الشر وتدنى الأخلاق، ولكن الآن قد نراه صراعات من أجل هدف سامى، وهو إحياء حفل الربيع، خاصة إذا كان التنافس بين حليم وفريد مثلا، في القصة الشهيرة بتخطيط العندليب للاستحواذ على حفل الربيع في غياب أيقونته فريد، مستغلا سفره إلى بيروت، قبل أن يعود ويصارع حليم ويدخلا في تنافس وخلافات إلى أن تدخلت الدولة لحل الأزمة بنفسها، ليس للحفاظ على علاقة الإثنين ببعضهما فقط، ولكن للحفاظ على الحفل ومراسمه وجمهوره الذي كان أغلبه تابعا لفريد الأطرش. بعد تلك المرحلة، مرت الساحة الغنائية بمرحلة ارتباك وكساد خاصة في فترة الثمانينات وظهور الأصوات الجديدة وموجة موسيقية جديدة، حتى عادت حفلات الربيع بمسمى وشكل وحالة أخرى بمسمى «ليالى التليفزيون»، برعاية الدولة أيضا والتليفزيون المصرى، والتي اكتسبت قيمتها ليس من الحضور والاهتمام الجماهيرى فقط، ولكن من العرض التليفزيونى لها، والذي ارتبط في أذهان الكثير من الجمهور المراهق في ذلك الوقت، قبل أن تتوقف مع تراجع قيمة التليفزيون بظهور القنوات الفضائية والإنترنت، لتعود من جديد هذا العام، من شرم الشيخ، مع لطيفة وهانى شاكر ومحمد رشاد وياسمينا، ويعد لها التليفزيون أهمية خاصة كى تعود من جديد، لكن هل عودتها ستكون ذات أهمية كما كانت في السابق؟
في المرحلتين «الحفلات والتليفزيون»، كان من أسباب استمرارهم ونجاحهم، توافقهما مع عادات الجمهور ومتطلبات العصر، سواء بالحضور المباشر أو الاستماع التليفزيونى، ولكن عودتها الآن مهددة بالفشل، لأنها لم تراع التطورات والعادات الجديدة، حتى بعد اختيارها مناطق الساحل الشمالى والشواطئ التي غالبا ما تستقطب الشباب، ولكن لن يكون لها أهمية تليفزيونية، في عصر «يوتيوب» و«ساوند كلاود» والقنوات الفضائية، وكذلك العنصر الجماهيرى، لأنها لم تراع الخريطة التنافسية في الوقت الحالى، ووجود عدد من المطربين الشباب واللبنانيين في عدد كبير من الفنادق والنوادى، بجانب دراسة المناطق التي يفضلها الجمهور، والتي تأتى مدينة شرم الشيخ في مؤخرة المناطق إلى يفضل الذهاب إليها الجمهور «الشاب»، مقارنة بعدد من الشواطئ والقرى السياحية «القريبة» والمجهزة.
حفل محمد منير، من الحفلات التي قد تأخذ مستقبلا شكلا ربيعيا رسميا، امتدادا لما سبق، لسببين وهما حرص منير نفسه على إقامة حفل كل عام في شم النسيم وحرص الجمهور على حضور هذا الحفل بكثافة، ولكن ينقص ذلك رعاية الدولة، والتي نفت منير بجمهوره من الأوبرا إلى خارج القاهرة، لاحتياطات أمنية، قبل أن تعود مرة أخرى وتلغى حفله هذا العام لدواع أمنية أيضا، والذي كان من المقرر أن يقام في رأس سدر في نفس يوم عودة ليالى التليفزيون. الأمل الآن أصبح في القاهرة، خاصة دار الأوبرا المصرية، في إعادة بريق حفلات الربيع من جديد، والتي فضلت أن تعيدها هذا العام بمدحت صالح تحت مسمى «عودة حفلات الربيع»، ولكن صالح وحده لا يكفى، خاصة مع وجود العديد من المراكز والمسارح المستقلة المنافسة لها، سواء في النجوم أو الأسعار، والتي هي الوحيدة التي أصبحت قادرة على إعادة ظاهرة احتفالات الربيع الغنائية، خاصة مع تمركز الجمهور في القاهرة، واتجاهه لفئة جديدة من المطربين غير التي اعتادت تقديمها الدولة ودار الأوبرا.

فشلوا في منافسته
خريف حليم وأم كلثوم.. وربيع الأطرش
ربما لم يكن عيد الربيع مصدر بهجة سوى للجمهور فقط، ليكون مصدر قلق وصراع بين المطربين وأبرزهم الثلاثى عبدالحليم حافظ وفريد الاطرش وأم كلثوم، فلم يكن عيد الربيع سوى مناسبة دائمة لإظهار التنافس والخلاف بين كل من العندليب والأطرش، فالأخير الذي تمنى دوما أن يغنى عبد الحليم من ألحانه، تهرب العندليب منه متحججا بعدم مناسبة ألحانه الموسيقية لمشروعه الغنائى وصوته ولونه، بخلاف الغيرة بينهما، وتسبب ذلك في حدوث قطيعة بينهما استمرت سنوات، قبل أن يتدخل جمال عبدالناصر لحل الأزمة بينهما.
ولم تقتصر الخلافات بين فريد والعندليب فقط، بل إن مريدى العندليب أيضا دخلوا طرفا في الصراع وأتى على رأسهم بليغ حمدى، الذي حكى أنه كان سببا في عدم غناء حليم من ألحان فريد، إضافة إلى لعبه دورا في المضايقة على حفلات فريد، خاصة في حفل الربيع الذي جمع بين فريد ومحمد رشدى، فكان الأول لحن للأخير أغنية «عشرية»، وعندما وردت أنباء الحفل لمسمع بليغ، استخدم كل الحيل لأثناء رشدى عن المشاركة بالحفل، أو حتى غناء ألحان فريد.
إلا أن بليغ ما لبث أن أطلع العندليب على ما حدث ليتحول الأمر إلى مشاعر غضب منه تجاه رشدى، وأثناء حفل العندليب بالمغرب والذي جمعه برشدى لأول مرة، بادر محامى العندليب وصديقه الشخصى مجدى العمروسى، بمعاتبة الأخير حول تلك الواقعة إلا أن رشدى، لم يعتذر ولم يقدم مبررات وأكد أنه لم يكن على علم بالخلاف الدائر بينهما كما أنه لم يكن طرفا فيه.
واستمر الخلاف بينهما حتى اعتزل فريد الغناء، ففى آخر حفلات فريد والتي أقامها على مسرح الفن، وشارك فيها فهد بلان وسعاد محمد، أصر العندليب أن يتعاقد على حفل في نفس الليلة في جامعة القاهرة، واستعان فريد بفرقة صلاح عرام التي كانت تغنى مع رشدى وطعمها بعدد من الموسيقيين الكبار مثل أحمد الحفناوى، وكانت المشكلة كيف يقود شاب صغير هو صلاح عرام تلك الكوكبة الموسيقية فتنازل الشاب عن القيادة لأحد كبار الموسيقيين، وغنى فريد ألحان أغنية الربيع، والتي لايزال التليفزيون يعرض مقتطفات منها في شم النسيم.
وفى التنافس الغنائى بينهما للربيع، قدم العندليب أكثر من أغنية لعيد الربيع منها «جمال الورد»، «نسيم الفجرية»، إلا أنه لم يستطع منافسة اغنية فريد التي أجبرته على إعادة غنائها في أحد البرامج التليفزيونية من قبل، وكذلك لم تستطع أغانيه الاستمرار على الساحة مقابل أغنية فريد ولا أغنية «الدنيا ربيع» لسعاد حسنى.
ولأغنية فريد أيضا قصة خاصة، فيقال إنها كانت في يد أم كلثوم في البداية، ورفضتها، وبعدها رفضها حليم، والاثنان رفضا لأسباب شخصية، فالأولى بسبب غيرتها من أسمهان شقيقة فريد والثانى بسبب غيرته من حفلات الربيع لفريد، قبل أن يقدمها هو بنفسه في فيلم «عفريتة هانم»، ولم تلق النجاح المطلوب وقتها قبل أن يعيد تقديمها في حفلاته، لتصبح من إحدى روائعه وكلاسيكياته غير المنسية إلى الآن.
وبجانب كل ذلك، غنى للربيع العديد من المطربين، ولم تستطع أعمالهم البقاء أو المنافسة، رغم تقديمهم العديد من الأعمال الناجحة مثل أم كلثوم التي غنت «أنشودة الربيع» في فيلمها «وداد»، مع الشاعر أحمد رامى ورياض السنباطى، وكذلك في فيلم «دموع الحب» قدم محمد عبدالوهاب ونجاة أغنيتين للربيع، بجانب أغانى «هليت يا ربيع» و«يا ورد مين يشتريك»، وقدمت ليلى مراد أغنية أخرى في فيلم «ليلى»، باسم «مين يشترى الورد منى»، إلا أنهم جميعا فشلوا في التعبير عن جو الفصل البديع كما عبر عنه الثنائى فريد وسعاد حسنى.
من النسخة الورقية