الخميس 05 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بين الأسلمة و العلمنة (1)!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على العكس من الكثيرين الذين يرون أن خلافًا كبيرًا وعداوة عظيمة بين الإسلاميين والعلمانيين ، أعتقد أنا ألا خلاف بينهما البتة ولا عداوة بالمرة ، بل علاقة تكامل تصل إلى حد التوأمة !
فالعلمنة تبدأ بإقناع الناس أنها مبعوثة السماء إنقاذ الدين من تطرف المتطرفين وإرهاب المتحدثين باسم الرب الجليل والمسيئين إليه ، وتكون هذه هي المرحلة الأولى للعلمنة ، والتي لا يمكن أن توجد إلا بعد أن تكون الأسلمة قد مهدت لها الطريق ، فإذا تمت لها الخطوة الأولى انتقلت هي إلى الخطوة الثانية وكشفت عن وجهها القبيح -كما تكشف الأسلمة عن وجهها القبيح أيضًا- ، وسعت إلى هدم الدين مباشرة و نقضه حجرًا حجرًا .
فهما معًا يعملان منذ القدم ضد الإسلام بالتوازي ولكن كلٌ بطريقته في طريقين متوازيين لا يتقاطعان ، و كل فريق منهما يخدم الآخر ويصحح تصرفاته و انحرافاته ، و يستغل الفريقان أفكار بعضهما لتبرير الوجود .
فالإسلاميون يستغلون تطرف العلمانيين ضد الدين ومحاربتهم له ليتقمصوا دور المدافعين عن الدين و حماة حمى الشريعة والذابين عن حياضها ، بل ويمنون علينا بأنه لولاهم لكان العلمانيون نسفوا الدين و دمروه ، ويستغلون هجوم العلمانيين على ثوابت الدين و قيمه في تبرير تأصيل أو "شرعنة"! التكفير والتطرف .
والعلمانيون يستغلون تطرف الإسلاميين ووحشيتهم وإرهابهم وكذبهم ونفاقهم ليثبتوا صحة أقوالهم ونظرياتهم عن الدين ، فينفروا الناس منه و يصمونه بكل نعوت السوء و صفات العار ، فالدين الذي يجسده الإسلاميون هو دين تكفير و إرهاب و وحشية كذب و خداع و نفاق ، و لذلك يحق لهم –كما زعموا- أن يهاجموا الدين أو يهدموه ! كما يجب على الناس أن يتركوه !
فالإسلاميون إنما يعملون على خلق المبرر للعلمانيين لمهاجمة الدين و تشويهه ، كما أن العلمانيين يخلقون المبرر للإسلاميين لاستغلال عواطف الجماهير الجياشة تجاه الدين كي يظهروا بمظهر المدافعين عن الإسلام و يصورا أنفسهم كأصحاب فضل على الإسلام و المسلمين ، و أنه لولاهم لاندثر الدين على أيدي هؤلاء المحاربين له .
واعتبر بالهجمة الشرسة التي يقوم بها العلمانيون الآن عبر وسائل الإعلام الصحافة على الإسلام و الثوابت و التراث والقيم منذ سقوط الإخوان في المشهد الأجل في تاريخ مصر في اليوم المشهود : ( 3/7/2013 م) ، و التي لا أشك لحظة في كون تلك الهجمة العلمانية ممنهجة ومدبرة و مقصودة ، وأن الذين يقومون بها إنما يلعبون دورًا مشبوهًا لصالح الإخوان ، من أجل تصحيح حجة الإخوان الداحضة وعلتهم العليلة بأن القضية لم تكن في الإخوان وإنما هي في الإسلام ، وأن الثورة كانت على الإسلام لا الإخوان ، وأن الإخوان تم استئصالهم من الحكم لأنهم يمثلون الإسلام ويسعون لتطبيق أحكامه .
ومع كون هذا الزعم أبعد عن الواقع مما بين المشرق و المغرب ، إلا أن الإخوان يروجون له على أعلى المستويات بين أتباعهم وعبر إعلامهم ، وما يفعله العلمانيون وأرباب الهجوم على الثوابت والقيم والأخلاق والتراث الحضاري للمسلمين ، إنما يصحح و يثبت لهم هذا الزعم الكاذب ، فالهجوم العلماني على الدين والذي يتزامن مع إزاحة الإخوان عن الحكم ، يظهر الواقع في مصر و كأن الإخوان هم من كانوا يصدون الهجوم على الدين و أن وجودهم في السلطة كان لهدف حماية الشريعة – على خلاف الحقيقة بالقطع- وليبدو الأمر وكأن المراد كان الثورة على الإسلام لا الإخوان .
فالإخوان يزعمون أن الهجوم على الإسلام لا على الإخوان و أن الثورة كانت على الإسلام لا على الإخوان ، و العلمانيون بهجومهم على الإسلام إنما يصححون لهم تلك النظرية الكاذبة و يقدمون لهم المبرر لأفعالهم على طبق منذ ذهب ، في إطار من التعاون و التناغم المريب .
والحقيقة أنه لا تخفى على عين الفاحص أن لتلك الهجمة الشرسة التي يقوم بها منتسبو العلمانية على الإسلام كدين و حضارة و على ثوابته و قيمه و على تراث المسلمين الحضاري و الذي هو من أعظم –إن لم يكن أعظم- أسباب تماسكها و مقاومتها لحملات الغزو عبر التاريخ منذ إزاحة إخوان الشياطين عن الحكم عدة أسباب و بواعث منها :
* مناخ الحرية الذي تضاعف في مصر عقب إزاحة الاخوان المسلمين ، مما دفع البعض إلى استغلاله أسوأ استغلال نظرًا لأمنهم العقوبة ، فتجرأوا على الدين و القيم ودعوا إلى هدم الدين من أساسه .
* وكذلك كانت الأريحية المتوفرة لدي لدى المصريين للهجوم على الإسلاميين بعدما كشفوا عن وجههم الحقيقي الإرهابي القبيح ، سببًا مباشرًا جرأ العالمانيين على تجاوز الإسلاميين إلى الهجوم على الإسلام ذاته .
* و يبقى السبب الثالث و الأهم من وجهة نظري و هو ما تقوم به مصر منذ تحررت من حكم الإرهاب في (3/7) من السعي إلى تحقيق الاستقلال الاقتصادي عن الغرب المستعمر و لأول مرة في تاريخها المعاصر ، و هو ما دفع الغرب لاستخدام كل أدواته و إخراج كل ما في جعبته لمنع استقلال مصر و تحررها اقتصاديًا ، فكانت حيلة الغرب الخبيثة في إضعاف مقاومة مصر ، و مقاومة مقومات المقاومة و التفوق الذي تملكه ألا و هو مخزونها الحضاري و المتمثل في دينها و الذي يمثله تراثها ، و الذي هو سلاحها الذي به تقاوم و به تحارب و به تقاتل و به تنتصر إن شاء الله .
كانت خطة العدو الواضحة هي إضعاف قوتنا عن طريق إضعاف عوامل القوة التي نمتلكها كي تنهار مقاومتنا فنستسلم له مرة أخرى .
ذلك أن الأمة – أيَّ أمةٍ- عند المحن و في سعيها نحو المستقبل ، فإنها ترجع لتاريخها تستخرج منه العبر و تستضيء به ليُنير لها طريقها نحو المستقبل .
فكان المطلوب –غربيًا- أن يتم تشويه التاريخ و القضاء على الماضي ، حتى إذا عادت إليه لم تجده شيئًا ، أو حتى لا تعود إليه بالأساس .
فكان المراد أن تقتنع هذه الأمة المصرية أنها أمة متخلفة بذاتها و لذاتها و أن تخلفها ليس حالة عارضة يمكن أن تتجاوزها ، و إنما هي متخلفة لأنها تمتلك هذا التاريخ و هذه الحضارة أو بالأحرى هذا الدين ، و الذي به تقاوم ، وهو ما يجعلها تفقد مقاومتها و تذعن للغرب و تستسلم له ، و تظل على حالتها و على تخلفها و على فقرها و جهلها و مرضها ، ذلك أن من يستحق أن يخرج من هذه الدائرة هو السيد الأبيض و الذي يمتلك مقومات النجاح و التفوق دون غيره .
قد أكون هومت بالقارئ المكرم بعيدًا في ظاهر الأمر و لكنها الحقيقة المرة و التي هي أهون ألف مرة من وهم يريح ثم يضر .
الحقيقة أن مصر وقعت منذ عقود طويلة بين شقي الرحى ، بين من يزعم أنه يمتلك الحقيقة الكاملة و أنه المخول وحده بالحديث باسم الرب الجليل ، و ألَّا خلاص لمصر سوى السير في ركابه ، و بين من يزعم أن مبعوث العقل ليخلص مصر من ظلمات الإسلام الذي ظل يخيم عليها لقرون ، و ألا خروج لمصر من محنتها إلا بقتل الدين .
و الطرفان في الحقيقة كما أنهما حرب على الإسلام ، فهما أيضًا حرب على مصر ذلك البلد الآمن الطيب أهلها ، المحبة للسلام و الخير الذي حض عليه الدين .
و ....
في الأُسْبُوعِ القادمِ ... للحديثِ بقية ... إنْ شاءَ ربُّ البرية .